قالت الروائية والناقدة المغربية زهور كرام إن الحضور المغاربي أصبح لافتا للنظر عربيا بفعل طبيعة طروحاته الفكرية وطريقة تناوله للقضايا، والتي تعكس بعض مظاهر المناخ العام لتجربة الانتقال الديمقراطي بالمغرب مثلا. وأوضحت زهور كرام، في حوار نشره اليوم الإثنين الموقع الإلكتروني "أوان"، أن هذا الالتفات جاء بعد النظرة السابقة التي لم تكن تنتبه، عربيا، إلى ما يأتي من منطقة المغرب العربي، بحكم تصور هيمن على الوعي المشرقي، مفاده بأن هذه المنطقة تكتفي بقراءة ما يكتبه المشارقة. وأضافت أن هذا التصور تزامن مع خلفية أخرى تعتبر المغرب العربي تغلب على ثقافته اللغة الفرنسية، ما يتعارض مع البعد القومي، وهذا "انطباع نصادفه في كثير من الملتقيات العربية، وهو تصور ساهم، مع الأسف، في تعطيل التعامل مع تجربة الإنجاز الثقافي والإبداعي المغاربي مبكرا". يضاف إلى ذلك، تقول زهور كرام، العامل السياسي الذي ينتج صورا تساهم في إعاقة التواصل العربي المنشود، حتى أن "التعاطف المغربي مع القضايا العربية (فلسطين والعراق) اعتبر لدى البعض مجرد احتياط للعروبة" معتبرة "أننا اشتغلنا، عربيا، على صورة الآخر- الأجنبي في وعينا وكتاباتنا، ولكننا لم نشتغل على صورتنا عند بعضنا نحن العرب". وفي هذا السياق، أشارت إلى أن فلسطين باعتبارها قضية "تشكل، باستمرار، محركا للوعي الجمعي العربي". و"بالنسبة إلينا في المغرب، اعتبرت فلسطين محكا حقيقيا لامتلاك الوعي بأسئلة الكرامة. هكذا أرى فلسطين، هي هذا الجرح الذي دربنا على امتلاك الوعي بمعنى الحق والكرامة، لهذا تجد الشارع المغربي ينتفض بصغيره وكبيره بكل فئاته الاجتماعية، عندما يتعلق الأمر بتحول خطير في قضية فلسطين". وقالت زهور كرام إن "فلسطين بهذا الحضور في الوعي الجمعي العربي، لا يمكن إلا أن تكون محفزا قويا نحو تحرر الذات والأمة" معتبرة أن "للانغلاق أسباب أخرى تتعلق بخيارات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا شك أن لها علاقة بالموقع السوسيو سياسي لكل منطقة على حدة". وعن اهتمامها بعلاقة الأدب بالتكنولوجيا، اعتبرته من باب اهتمامها بتطور حالات النص الأدبي. "نحن عندما نشتغل على النص نقدا، فنحن في الأساس نشتغل على تطور نظرية الأدب من باب تتبع تمظهرات حالات النص الأدبي، ليس هناك ثبات في النص الأدبي. النص يتغير بتغير وسائل التواصل والاتصال وتطور منطق التفكير". وبالتالي "كلما تطورت وسائل التعبير انتقل الأدب من وضع إلى آخر. وعملية الانتقال هذه تعبر عن الحالة المتغيرة التي تتسم بها الحضارات والشعوب والإنسان. عندما لا نفكر في هذا التطور الذي يعرفه منطق ترتيب بناء النص الأدبي، فنحن في الوقت ذاته نعلن ثبات التفكير النقدي". وأوضحت أنه من هنا جاء كتابها الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية، والذي حاولت من خلاله أن تساهم في تنشيط الحوار حول تغير مفهوم النص الأدبي مع الوسائط والتكنولوجيا الجديدة. واعتبرت القول إن الرواية أضحت ديوان العرب "انطباعا لم يأتِ نتيجة لعملية إحصائية لعدد الروايات العربية التي صدرت على الأقل ابتداء من العقد الأخير من القرن العشرين، لأن المؤسسات الثقافية العربية، مع الأسف، لم تنجز مشروعا في هذا الحجم المؤسساتي حتى نستطيع أن نبني عليه رأيا نقديا مسؤولا). وأضافت الأديبة المغربية أن مختلف البيبليوغرافيات والأنطولوجيات تعتمد على مبادرات فردية أو ثنائية، وتأخذ أحيانا طابعا ذاتيا، قد تساهم في خلق مادة أساسية للبحث، لكنها لا تمنح نظرة شمولية حول وضعية الرواية بمقارنتها مع الشعر. وقالت "أقرأ هذا الانطباع من وجهة نظر تتعلق بانتشار التعبير بالسرد، بعدما كان التعبير العربي يهيمن عليه الشعر. وهذا أعتبره قيمة تاريخية لها علاقة بترسيخ مفاهيم المدينة والدولة في المنظومة السياسية العربية، لأن الجنس الروائي له علاقة بالمدينة، الأمر يتعلق بهذا الانتباه بانتشار السرد في المدينة العربية". وأضافت قولها "عندما نقول السرد نعني التحليل ومتابعة الأحداث والحكي عن قضايا اجتماعية وسياسية وذاتية أضحت تستفز كثيرا من السلط السياسية والاجتماعية بشكل مكشوف، ما جعل للسرد قيمة الاحتجاج القوي. أفهم المسألة من هذا المنظور. إيقاع الزمن .. والتطور". وعن سؤال حول كيف يمكن للعالم العربي الخلاص من الجمود الفكري والإبداعي والعلمي والثقافي بينما العالم يقفز قفزات هائلة في كافة الميادين، ردت زهور كرام أن "الزمن الذي نعيشه يتميز من جهة بالإيقاع السريع الذي لم يعد يسمح بتعطيل مشاريع التطور على جميع المستويات، ومن جهة ثانية، بانفتاح التجارب العالمية على بعضها". وأضافت أنه "لم يعد ممكنا اليوم إخفاء المعلومة، لأن ذلك تكسر مع التكنولوجيا والإعلام وانتشار الفضائيات مهما كان موقفنا من أغلبيتها، فإنها تبقى عاملا مساعدا على خلخلة الاعتقاد بالقراءة الواحدة للمعلومة أو الخبر". ورأت أن "الزمن العربي الآن لم يعد له أي خيار في الرهان على مقومات امتلاك مظاهر المجتمع السوي، من حيث الاهتمام بحقوق الإنسان والمواطنة وتطوير البحث العلمي، وإطلاق الحرية لمفهوم المبادرة، وتحسين المنظومة التربوية بما يخدم إنسانا متوازنا يحسن الوعي بواجباته وحقوقه" معتبرة أن "الرهان على التغيير يتحمله الجميع من دون استثناء، السياسي والثقافي والتربوي والأسرة والشارع". وعلى صعيد آخر، اعتبرت احترام الخصوصية الثقافية ومبدأ التعدد "احتراما أولا للذات التي تعترف بهذا التعدد. لأن احترام الذات هو من احترامها لخصوصية الآخرين كيفما كانوا. هذا مبدأ وجودي للذات التي لا يمكن أن يتحقق وجودها إلا باعترافها بوجود الآخر، الآخر باعتباره قيمة وجودية". وقالت "هذه هي فلسفة الوجود ولو كان العالم الذي نعيشه يعتمد هذه الفلسفة، لما وجدنا الحروب، وما عشنا أزمات إنسانية. لكن في ذات الوقت هناك المشترك والشراكة والمواطنة والتي باعتمادها في العيش المشترك تصبح إمكانيات للتفاهم والتصالح والعيش المشترك". يشار إلى أن زهور كرام، أستاذة جامعية، عضو اتحاد كتاب المغرب وعضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب، وانتخبت عضو جوائز تحكيم عديدة في العالم العربي. من مؤلفاتها رواية "جسد ومدينة" 1996، وشذرات ونصوص "سفر في الإنسان" 1998، وكتاب "في ضيافة الرقابة" 2001 ، ورواية " قلادة قرنفل" 2004، ودراسة نقدية بعنوان "السرد النسائي العربي مقاربة في المفهوم والخطاب" 2004، و"بيبليوغرافيا المبدعات المغاربيات" بالاشتراك مع الباحث العراقي محمد قاسمي 2006 ومجموعة قصصية بعنوان "مولد الروح" 2008 فضلا عن العديد من المقالات المنشورة في مجلات مغربية وعربية.