بات من المؤكد أن سلطات الأمن المغربية عاقدة العزم على مطاردة الأجانب الذين تتهمهم بزعزعة عقيدة المسلمين , فبعدما ألقت القبض على الأجانب من سويسرا وجواتيمالا ونيوزيلاندا في مناسبة عيد ميلاد المسيح فإنها عملت في هذه الأيام على طرد ما يفوق سبعة وعشرون شخصا منهم رعايا أمريكيون وهلنديون, ولقد احتجت الخارجية الهولندية على الطريقة المغربية في طردهم, بحيث أنها لم تمنحهم فرصة مناسبة لكي يجمعوا أغراضهم كما لم تستدعهم للمساءلة القانونية كي يتسنى لهم الدفاع عن أنفسهم.. وكذلك احتج السفير الأمريكي على طرد رعايا أمريكيون.. تقول السلطات المغربية أن هؤلاء الأجانب يستغلون فئات اجتماعية ضعيفة, كالعجزة والأطفال اليتامى لتغيير عقيدتهم الدينية .. مع أن المستفيدين من خدمات هؤلاء الأجانب لا يقتصر على العجزة والأطفال المتخلى عنهم , بل هناك مستشفيات مغربية وجمعيات تستفيد من التجهيزات الطبية كما أن سكان الريف الذين تهدمت بيوتهمبسبب الزلزال استفادوا من معونات المنظمات الأجنبية. ولكن لماذا تتحدث السلطات المغربية عن دور اليتامى فقط؟ إنها لكي تبرر طردها للأجانب بدون حجج ثابتة فإنها تركز على الفئات الضعيفة التي لا يمكنها نفي هذه الادعاءات , كما تهدف إلى إبعاد التهمة عنها من قبل منظمات حقوق الإنسان التي تتهمها بعدم احترام الحريات الدينية .. السلطات المغربية لا تملك أي معلومات عن عدد الأشخاص الذين غيروا دينهم الإسلامي بالمسيحية, كما لم تسمح لهؤلاء الأجانب الذين طردتهم بالدفاع عن أنفسهم فلربما يثبت العكس وتصبح السلطات المغربية متهمة من الدول الغربية.. إنه أسلوب غير لائق بكل المقاييس, فهل توجد دولة لديها مؤسسات دستورية حقيقية وتحترم حقوق الإنسان تقوم بمثل ما قامت به حكومتنا؟ لا أعتقد, إنها العشوائية والجنون المفتقد لأي عنصر من عناصر الحكمة السياسية ولا التسامح الديني المزعوم الذي يقولون عن أنفسهم أنهم مجبولون عليه, كما لا تحترم علاقات الصداقة الأمريكية التي يقولون أن المغرب هو أول بلد اعترف باستقلال الولاياة المتحدة ويقولون أن المغرب حليف للولاياة المتحدة كذلك.. ولكن المعاملة السيئة لا يمكن تبريرها قانونيا.. إن هؤلاء الأجانب لم يثبت عليهم شيء ولم تعطى لهم الفرصة الضرورية لكي يدافعوا عن أنفسهم , كما أن السلطات المغربية قامت بهجوم بوليسي على مكان اجتماعهم بدون حجج ثابتة على تورطهم في عمليات التبشير, كل ما هنالك أنها استقت معلومات من خلال إشاعات كانت تنشر في الصحف ومن خلال عدد من أعضاء المجالس العلمية الإقليمية. ففي عملية القبض على المجموعة السابقة من المسيحيين الذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح قبل أيام من رأس السنةفإن الأجهز الأمنية باغتت هؤلاء في شقة كانوا يجتمعون فيها في مناسبات دينية ,وأنا شخصيا سبق حضرت معهم في كثير من المناسبات, ولم نكن نقوم بأية أنشطة تبشيرية.. ولقد روى لي صديق كان ضمن تلك المجموعة التي ألقي عليها القبض, كيف عاملوهم معاملة سيئة وجردوهم من الهواتف لكي لا يقوموا بأي إتصال مع عائلاتهم أو أي جهة أخرى لكي يضمنوا السرية ولكي يتفادوا مشكلة إعلامية , ثم بعد ذلك رموا بالأجانب خارج حدود المملكة ولم يسمحوا لهم حتى بمجرد جمع أغراضهم ولقد تطلب منهم البحث عن شخص آخر لكي يقوم بذلك بدلا عنهم ..! أما أصدقائي من الولاياة المتحدةفهم مراقبون قبل حوالي سبع سنوات, وكانوا كلما حضروا لزيارتي يأتي لزيارتنا المسؤول على إدارة الحي الذي يتواجد به بيتي كما أتلقى مكالمة هاتفية من أجهزة الاستعلامات ثم نعطيهم نسخ عن جوازات السفر.. ومنذ أن قامت الدولة المغربية بعملية الطرد الأولى للأجانب وأنا أشعر بعدم ارتياح الأصدقاء الأمريكيين , لكونهم باتوا يشعرون بأنهم في عداد المجرمين في نظر عامة الشعب المغربي, وقد أخبروني بأنهم يجدون كل الناس ينظرون إليهم ويتابعون حركاتهم .. ولمجرد أن يدخل يده أو يخرج أوراقا أو كتابامن محفظته .. فإنه إذا ما نظر حوله فسوف يجد أن جميع الناس مثبتين أنظارهم نحوه! فالحملة الإعلامية التي أطلقتها السلطات المغربية ضد التبشير أفسدت الجو العام وجعلت كل إنسان أشقر الشعر متهما ومدانا.. لقد حاول عدد من الأصدقاء في أمريكا دخول المغرب من مدينة مليلية ولكنهم أخبروا بأنهم غير مرغوب في زياراتهم , ومع أن زيارتهم لي كانت شفافة وقانونية فإن الدولة بغير دليل تتهمهم بالتبشير , ورغم أني سبق وأعطيتهم الوثائق التي تثبت أني درست التراث المسيحي من خلال مدرسة متخصصة وأكدت لهم أن هؤلاء الزوار لا يقومون بالتبشير لأن للتبشير مؤسساته الخاصة , ومع أني عرضت عليهم أن نقوم بتصوير مباشر عبر الإنترنيت لكل زيارات الأجانب هنا في بيتي كمبادرة لحسن النية ورغبة في التعاون لإبعاد أي إزعاج لأجهزة الدولة من طرفنا, ومع غياب أي دليل لديهم بأن أصدقائي الأمريكيون العاملون في المنظمة الطبية get-eway يقومون بالتبشير بالمسيحيةعبر استغلال وظيفتهم.. فإنهم عملوا على منعهم من الدخول. إن الدولة المغربية تعاني من تقادم مؤسساتها وتحتاج لعملية إصلاح شاملة , فليس من المعقول أن نرى وزير دولتنا في الاتصال لا يستطيع أن يخفي غضبه من قضية ثقافية بالأصل وهو لا يملك دليلا ولا أرقاما على مدى انتشارها.. ويطلق تهديداته على المسيحيين المغاربة الذين تركوا إسلام الدولة ويتوعدهم بالسجن والعقوبات , وما أدراك ما العقوبات في بلد مثل المغرب, فأن تكون مسيحيا بالمغرب فإن كل المؤسسات ترفض أن تتعامل معك وإذا ما حاولت أن تحصل على وثيقة وكانوا يعرفون بأنك مسيحي فسوف يمتنعون عن خدمتك وستبقى مرفوضا ومعزولا ومهددا ما دمت حيا.. إنه مجرد أن يكون لديك كتب مسيحية ستعتبر مجرما إذا كشف أمرك, ولي صديق قرر أن يتخصص في دراسات معمقة حول التراث المسيحي.. ومع أنه مسلم ملتزم إلا أن أجهزة الدولة الأمنينة صارت تتابعه وتضايقه وتفتش بيته وتعود للتفتيش كل مرة, ولقد أوقفوه هو وصديق له عندما كانا في طريقهما للسفر وجوعوهما وجعلوهما يبقيان بدون أكل ولا شراب لساعات تحت أشعة الشمس إلى جانب الطريق عند نقطة مراقبة جمركية , كما طاردوه مرات كثيرة.. ولقد اتصل بي هاتفيا قبل عدة أشهر ليخبرني عن معاناته.. عندما سألتني صحفية من جريدة مغربية قائلة أن الدولة تقول أنكم تهددون الأمن الروحي للمواطنين وتستغلون جهل وعجز بعض الفئات, أجبتها : بأن التبشير له مؤسساته التي تقوم به كما أنه شيء عادي أن تستلم كتابا من شخص يختلف عنك في الدين إذ أنه يمكنك أن تعطيه كتابا كذلك أو مجموعة كتب , وأن الدولة كذلك استغلت مرات كثيرة الطبقات الضعيفة من خلال مؤسسة التضامن التي كانوا يقولون أنها ستوفر إعانات للفقراء المعوزين , ولأن الدولة لمتوفر للضعفاء المساعدة التي يحتاجونها فهي بذلك تركتهم لكي يبحثوا عن حلول في جهات أخرى . وهذه الحملة التي تطارد بها الأجانب تحرمهم من فرص لا تتوفر دائما لكي يحصلوا على تجهيزات طبية.. وإضافة إلى ذلك ,أنه توجد هناك العديد من الأشياء التي يمكننا أن نعتبرها تهدد الأمن الروحي للمغاربة , فهناك الإنترنيت والتلفزيون والنوادي الليلية ومراكز القمار والسياحة , وسنحتاج لإغلاق الحدود لتكتمل لدينا كل المواصفات المطلوبة لدولة من طراز طالبان أفغانستان.. إن المغرب يحتاج للانفتاح ولإصلاح مؤسساته لكي يساير التحولات التي تجري في العالم المتقدم الذي ليس بعيدا عنا , وينبغي أن يتعلم مسؤولوا بلدنا أن يحترموا الاختلاف وحريات الشعب, وأن يستقبلوا الأجنبي بترحاب لكي تتطور دولتنا بالموارد المادية التي توفرها زيارات السياح المتكررة.. وإلى أن يصبح ذلك ممكنا فسوف يتحتم على الأمريكيين المغضوب عليهم والمتواجدون في مليليةأن يواصلوا أتصالاتهم بالسفير ويخبروا أهلهم وأصدقاءهم أن يبقوا في بلدانهم لأن المغرب لا يرغب في زياراتهم .. [email protected] a tar***"_blank" href="mailto:[email protected]"