عندما تذكر مسألة العلمانية في المغرب تهرول كلمات المهربين الدينيين مباشرة نحو المقارنة بين مرحلة من مراحلها في أوربا الموسومة بالتحالف الكنيسي والسلطة السياسية , وبين إنتفاء ذلك التحالف في المغرب . وإذ قلنا سابقا أنه حتى لو لم يكن التحالف المساجدي والسلطة السياسية قائما , فإن العلمانية أكبر من ذلك التحليل الميكانيكي التبسيطي بكثير . إننا هنا , سنعمل على توضيح التحالف المساجدي المخزني الذي لا يختلف في عمقه عن ذلك التحالف بين الكنيسة والدولة خلال القرون المظلمة التي عاشتها أوربا . لا أحد ينكر أن قيام السلط السياسية في المغرب منذ الدولة الإدريسية كانت تقوم على أساس ديني . حيث أن قيام الدولة وانهيارها كان يرتكز أساسا على السلطة الدينية منذ وفادة العرب من المشرق إلى المغرب . لا الدولة المرابطة مثلا ولا الموحدية ولا العلوية التي تستمر إلى اليوم كانت ستقوم لها قائمة دون بناء نظرياتها على السلطة الدينية أي التحالف المساجدي المخزني . فكل الدول المتعاقبة على المنطقة كانت تكرر نفس المسلسل التاريخي الذي يبدأ بالدعوة إلى الإصلاح الديني ومهاجمة النظام القائم على أنه نظام فاسد دينيا , لتحشد حولها مئات الأتباع يكون مركزها زاوية دينية تكون بمثابة جوهر الإنقلاب السياسي والعسكري , ثم تعمل على استقطاب القبائل باسم الدين طبعا وليس باسم مشروع سياسي مختلف . بعد ذلك يتم الإستيلاء على الحكم , وكلما كانت العلاقة طيبة بين السلطة المساجدية والسلطة المخزنية كلما استمر نظام الحكم السياسي . هذا السيناريو يتكرر باستمرار , حيث نفس السلطة التي دعت إلى الإصلاح الديني وحشدت الأشخاص والقبائل دينيا خلفها ستجد نفسها متهمة بالفساد الديني من طرف سلطة سياسية وليدة تستعمل نفس المصطلحات ضدها . فنفس الشعارات التي دعت إلى قيامها هي نفسها التي ستجر وفاتها . وعندما تكون كل السلط السياسية المتعاقبة على المغرب تعرف نفس المسار , سوف يدعو الأمر إلى علامة تعجب كبيرة يحاول المهربون الدينيون إخفاءها . إنه بكل بساطة التخالف المساجدي المخزني . إذ نجد نفس المساجد والأئمة الذين كانوا يمجدون ملكا ويبايعونه كأمير للمؤمنين هي نفسها المساجد التي تشتم الملك المخلوع وتدعو بالثناء على أمير المؤمنين الجديد . فبماذا يفسر هكذا واقع خارج سيطرة السلطة السياسية على المساجد أو على الأقل التحالف في إطار توازن المصالح بين المساجد والمخزن ؟ وحتى لا نغرق في التاريخ طويلا , لنعطي مثالا بسيطا عن علاقة المساجد بالملكين الحسن الثاني أو محمد السادس . ألم يكن الفقهاء في المساجد يشكرون الحسن الثاني على نعمه ويقبلون يديه عندما كان شرفاء الوطن في سجونه ؟ ألم يمنحونه كل الثناء عندما كانت رصاصاته وجلادوه يعيثون في المغرب فسادا " وهذه أمور ليست سرية بالشهادة الرسمية الحالية " ؟ بل , لنقل ما معنى أن تكتب وزارة الداخلية للمساجد مواضيع خطبة الجمعة ؟ وأن يقبل الفقهاء أن تؤشر السلطة السياسية من أصغر مكوناتها أي مقدم الحي الذي أحيانا لا يفرق بين الألف وعصا الطبال على كلامهم ؟ أينكر أحد اليوم أن المساجد لا تتكلم بكلمة الحق في وجه الملك محمد السادس ؟ أم أن كل فقهاء البلد تلاميذ صغار للفقيه الأول أي الملك أمير المؤمنين أي التحالف المساجدي المخزني ؟ سيقول البعض أن المساجد لا علاقة لها بالسياسة ولا تتكلم في مواضيع الدنيا ومشاكل الشعب , سنقول : أليست المساجد ينبغي أن تقول كلام الحق وأن الفقهاء يحفظون عن ظهر قلب عشرات أحاديث النبي وسور القرآن التي تدعو إلى تغيير المنكر ولو بكلمة حق . ثم لماذا تتحدث المساجد في السياسة عندما يأمرها الحاكم بذلك ؟ أليس من المضحك القول أن المساجد لا علاقة لها بالسياسة وهي تخصص أكثر خطب الجمعات طيلة السنة للحديث عن أعياد الملك ومنجزاته الخارقة ؟ إنه من الواضح وضوح الشمس التحالف بين المساجد والمخزن . ربما يمكننا أن نقول أنه الإسلام الرسمي , لأنه ليس هناك جناح إسلامي موحد . لكن الأمر كان ينطبق نفسه على الكنيسة في أوربا القرون المظلمة , كانت ثمة مسيحية رسمية وأجنحة اخرى مختلفة . ثم إنه من السذاجة القول أن الملك محمد السادس لا زال يتشبث بلقب أمير المؤمنين كما تشبث باللقب أبوه الملك الحسن الثاني دونما أغراض سياسية . فالأمر منصوص عليه في أسمى وثيقة سياسية والتي هي الدستور . إذن فالملك محمد السادس أمير المؤمنين ليس لقبا دينيا بل هو لقب سياسي بامتياز . وحتى لا ندخل في هذا السجال التاريخي القديم حول مفهوم أمير المؤمنين , وكيف أبدعته السلطة السياسية لتتحكم في الشعوب , سأشير فقط إلى شيء متناقض ما دام موضوعنا هو المغرب . لقد سقط من وضعوا جملة أمير المؤمنين على ملك المغرب في فخ كبير جدا ومفارقة شاسعة , فإذا افترضنا أن المغاربة بحكم السياسة والبيعة وسلطة الملك عليهم تجبرهم كراهية أو طوعا على مبايعته أميرا للمؤمنين , فما علاقة المؤمنين المصريين والتونسيين والليبيين والعراقيين وغيرهم بإمارة الملك المغربي عليهم ؟ إذن فحتى لو صح القول , فإن الصحيح يبقى هو أن محمد السادس أمير المؤمنين المغاربة فقط في أحسن الأحوال , وليس أميرا للمؤمنين بصفة عامة . رغم أننا نرفض مثل هذه المفاهيم السياسية القادمة من ما قبل العصور الوسطى ... يتبع [email protected]