كان الجوّ ساكنا و البحر هادئا، ولم يكن يسمع غير نباح كلاب يأتي من بعيد... التوجس و القلق يسيطران على الجميع، هل تشكل هذه الليلة حدّا فاصلا بين الخصاصة والغني، و الذلّ و الكرامة، والعبودية و الحريّة، أم تكون فاتحة مرحلة أسوأ ؟. كان من المنتظر أن يكون الجميع على سطح المركب منذ ساعة على الأقل، لولا تلقى الربّان مكالمة هاتفية ترجمها الي الحضور بقوله: الصبر طيب يا شباب... علمت في التوّ، أن الضابط المكلف بخفر السّواحل قد غيّبه عذر قاهر، أدعوا الله يا شباب أن يكون البديل مرتشيا، فدعوة المسافر لا تردّ. قال جلّ شأنه و تعالى ذكره:( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه، و يكشف السّوء) صدق الله العظيم، و بلّغ رسوله الكريم، والله ما أخرجكم من أرضكم، و لا أزعجكم عن عشكم، ولا زهدكم في أحبّتكم، رغبة في إضافة مليون دينار الي مليون دينار، و لا دار الي دار، و لا مرسيدس الي جكوار، و لا صاحبة، إلي أخرى ذات شوار، بل أخرجكم الجور و الإضطهاد، و سوء الإدارة و كثرة الفساد، مع فقر ملازم، و يأس متفاقم، و قيادة لئيمة، و بطالة قديمة، فما منكم يا ولداه، إلا حامل ماجستير أو دكتوراه !". أخذتني سنة من النوم أفقت بعدها على همهمات تسري بين الجميع، وصوت الربّان يجلجل: هبّوا يا شباب، آن لكم خوض العباب. فقد قبلت دعوتنا، وقبضت رشوتنا! حين إستوينا على المركب، قام الربّان فينا خطيبا: اللّهم ّأنه الرحلة الي برّ الأمان، وأجعل مستقرنا أحضان فيكتوريا و حجر سوزان، و لا تسلمنا الي قاع المحيط ، أو الي الإعتقال و التخبيط. الله أكبر، تماسكوا يا أحفاد طارق بن زياد، من عاش منكم عاش منعّما سعيدا، و من مات منكم مات حميدا شهيدا، أبحروا على بركة الله، البحر أمامكم، والعدوّ وراءكم!