تشكل غابة المعمورة مجالا اقتصاديا وصناعيا وفضاء صحيا وبيئيا بامتياز، بالنظر لكونها تعد خزانا للهواء النظيف، وموقعا لحماية التربة من التآكل، وحماية التنوع البيولوجي من الانقراض. وتتشكل غابة المعمورة، التي تمتد على مساحة 133 ألف هكتار، من أربع فصائل كبرى من الأشجار، هي الفلين والأوكالبتوس والصنوبريات والأكاسيا. وتعد إحدى أكبر الغابات الفلينية في العالم (حوالي 15 بالمائة من غابة البلوط الفليني في العالم). وساهمت غابة المعمورة، التي تشكل متنفسا لساكنة جهتي الرباط، سلا، زمور، زعير والغرب الشراردة بني احسن، بشكل كبير، من الناحية السوسيواقتصادية، في تنمية المناطق المجاورة لها، من خلال توفير الأخشاب والفحم ومادة الدباغة للصناع التقليديين، وثمار البلوط، وإنتاج الفلين، وحطب التدفئة، والعسل والأعشاب الطبية، والفطريات. كما أنها تستغل كمجال شاسع للرعي، وفضاء للترفيه، وتوفر العديد من فرص الشغل. ومن أجل حماية هذا الفضاء الإيكولوجي من التدهور، الذي يمكن أن يلحقه ويؤدي إلى تدهور تشكيلاته الغابوية ونظامه البيئي، إما بسبب الرعي العشوائي والمكثف والاستغلال المفرط للموارد الغابوية من طرف ساكنة المنطقة، أو السقوط الطبيعي للأشجار بسبب شيخوختها (فوق مائة سنة)، أو الأمراض وتوالي فترات الجفاف، بلورت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، استراتيجية لمواجهة هذه الإكراهات. وتتمثل هذه الاستراتيجية في البرنامج العشري 2005 ` 2014 الذي يسعى إلى تخليف غابة المعمورة بأكملها في أفق 2014، وإعادة تأهيلها والحفاظ على نظامها الإيكولوجي، والمساهمة في الحد من تدهور وإتلاف غطائها الغابوي. ويرتكز هذا المخطط بالخصوص على إعادة تخليف مساحة 15 ألف و331 هكتار من أشجار البلوط الفليني (بكلفة 229 مليون و965 ألف درهم)، وتشجير 12 ألف و819 هكتار (بكلفة 92 مليون و664 ألف درهم)، ورصد 134 ألف و100 هكتار لتأمين الملك الغابوي (مليون و701 ألف درهم)، وتخصيص 377 كلم لفتح وصيانة المسالك الغابوية (بكلفة ثمانية ملايين و900 ألف درهم)، وبناء وصيانة 43 وحدة خاصة بأبراج مراقبة الحرائق (بكلفة مليونين و950 الف درهم). كما يرتكز هذا البرنامج على القيام بعملية تسييج المناطق التي تتم بها عملية التخليف للحد من ولوج القطعان إليها، وتطوير الشراكة وتشجيعها مع الجماعات المحلية والساكنة القروية، فضلا عن تنظيم حملات تحسيسية بضرورة المحافظة على الغابة. وأكد المدير الجهوي للمياه والغابات ومحاربة التصحر للشمال الغربي السيد عبدالله السعيدي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مساحة غابة المعمورة لم تعرف أدنى تراجع أو ترامي على الملك الغابوي، موضحا أن هناك تراجعا سجل فقط على مستوى المساحة المغطاة بأشجار البلوط الفليني، وذلك لعوامل طبيعية وبشرية. وعزا السيد السعيدي، تراجع مساحات شجر الفلين، الذي بدأ منذ سنوات خمسينيات القرن الماضي، إلى السياسة التي كانت متبعة في تلك الفترة، والتي كانت تعتمد أساسا على ضرورة تعويض شجر الفلين بنوع آخر من الأشجار، كالأوكاليبتوس المخصص لتصنيع الورق والخشب الصناعي والدباغة، وكذا لدوره الحيوي في امتصاص مياه المرجات. وأبرز أن انخراط المندوبية في المقاربة التشاركية منذ سنة 2006، ساهم في الحد من الاستغلال المفرط للغابة، وذلك من خلال عقد اتفاقيات شراكة مع الجماعات المحلية والجمعيات والتعاونيات المجاورة للغابة، بهدف خلق مناصب شغل للساكنة التي تعتمد في عيشها على قطع الأشجار وحراسة الغابة، وكذا للحد من عملية النهب وصيانة محيطات التشجير والمساهمة في عملية تخليف الغابات. وأشار إلى أن غابة المعمورة تساهم بشكل مباشر في التنمية المحلية بالمنطقة إذ توفر مداخيل سنوية مهمة بالنسبة للجماعات المحلية بحيث توفر 80 في المائة من مجموع المداخيل السنوية، التي تقدر بحوالي 100 مليون درهم، مضيفا أن الغابة استغلت لعشرات السنين في إنتاج ما يقارب 900 ألف متر مكعب من الخشب، وإنتاج تسعة آلاف طن سنويا من الفلين، أي ما يعادل 70 بالمائة من الإنتاج الوطني، وإنتاج 24 مليون وحدة علفية سنويا لقطعان الماشية، وتوفير ما يقارب 300 ألف يوم عمل سنويا لفائدة ساكنة المنطقة. وأوضح السيد السعيدي أن استغلال هذه الموارد يتم من طرف سبع جمعيات رعوية و25 تعاونية غابوية و50 مقاولة غابوية، توفر 300 ألف يوم عمل سنويا، يستفيد منها حوالي 200 مستغل غابوي، كما أن هذه الجمعيات استفادت إلى حدود 2009 من مليون و500 ألف درهم. وأشار إلى أنه تم تخصيص منح مالية لساكنة المنطقة، التي تتم فيها عملية تخليف الأشجار تقدر ب250 درهم للهكتار الواحد سنويا، إذا كانت المساحة تتجاوز 300 هكتار، وذلك مقابل التزامهم بعدم الرعي في هذه المناطق إلى حين نضج الأشجار التي تم تخليفها، واكتسابها مناعة ضد الرعي. كما أن عدد المخالفات الغابوية المسجلة بعد إشراك التعاونيات الغابوية في استغلال الغابة بشكل معقلن، عرف تراجعا منذ سنة 2006، حيث بلغ 950 مخالفة، وانخفض هذا العدد إلى 400 مخالفة خلال سنة 2008، أي بتراجع يقدر ب60 في المائة. ومن جهته، أشار السيد الهاش سكو المدير الجهوي للمياه والغابات بجهة الرباط، سلا، زمور، زعير، في تصريح مماثل، إلى أنه بالرغم من تعدد أسباب تدهور غابة المعمورة، يظل العامل الأساسي في تدهورها هو النشاط البشري، مؤكدا أن الحد من إلحاق الأضرار بالغابة، رهين بالانخراط في المقاربة التشاركية وتطوير الشراكة مع التعاونيات والجمعيات بالمنطقة، من أجل تنظيم ومراقبة طريقة الرعي وتقطيع الأشجار وحراستها، إضافة إلى العمل على تنظيم حملات تحسيسية بضرورة المحافظة على الغابة. وأبرز أن الغابة ساهمت في إنتاج ما يقارب 16 ألف متر مكعب من عود النجارة و102 ألف متر مكعب من عود الصناعة و120 ألف متر مكعب من عود التدفئة، و80 ألف متر مكعب من الفلين و60 مليون وحدة علفية سنويا لقطعان الماشية، وتوفير ما يقارب 800 ألف يوم عمل سنويا لفائدة ساكنة المنطقة. وتوفر غابة المعمورة مداخيل سنوية مهمة بالنسبة للجماعات المحلية، وتساهم بشكل مباشر في التنمية المحلية بالمنطقة، بحيث توفر 80 في المائة من مجموع المداخيل السنوية التي تقدر بأكثر من 300 مليون درهم.