برحيل الأستاذ المهدي بنونة، مؤسس وكالة المغرب العربي للأنباء وأول مدير لها، فجر اليوم الثلاثاء، يفقد المغرب علما من أعلام الثقافة والفكر والإعلام والعمل الوطني المتواصل بكل تفان ونكران ذات مما جعل منه رجل التحديات بامتياز وشاهدا فاعلا على مراحل عديدة طبعت تاريخ المغرب الحديث. في حوار صحفي، قال المهدي بنونة إن تأسيس وكالة المغرب العربي للأنباء "أكبر تحد في حياتي". فلم يكن الراحل يخفي اعتزازه بالوكالة التي ظل يعتبرها على الدوام "مبعث فخر للمغرب"، مؤكدا أنها عرفت بعد تحويلها إلى القطاع العام "تطورا مهما على كافة المستويات". ويضيف المهدي بنونة، في حوار آخر، "يمكن لي اليوم أن أقول بكل موضوعية إن وكالة المغرب العربي للأنباء حققت تطورا ملحوظا في المضمار المادي والتقني، وهي اليوم في هذا المجال أرقى وكالة في البلدان العربية والإفريقية". وظل تحدي الصحافة حلما يسكنه منذ صباه . فبمجرد عودته إلى المغرب بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، أسند إليه الزعيم عبد الخالق الطريس رئاسة تحرير جريدة "الحرية". وفي 1953 قام بتسيير جريدة "الأمة" (لسان حال حزب الإصلاح الوطني الذي انخرط في ما بعد في حزب الاستقلال)، قبل أن يغادرها عام 1956 إلى قسم الصحافة بالديوان الملكي، ويؤسس ويدير نشرة (لا ديبيش) التي أرادها جريدة مستقلة تواجه صحافة (ماس) والتي توقفت عن الصدور في نهاية أكتوبر 1971 . ويذكر الراحل باعتزاز تتلمذه على أيدي صحافيين كبار لما درس بفلسطين إبان المرحلة الثانوية ثم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة (الوحيدة التي لديها فرع لتدريس الصحافة). يتذكر بالخصوص الأستاذ أكرم زعيتر بنابلس والأخوين علي ومصطفى أمين ومحمد خالد صاحب جريدة "الدستور" المصرية وآخرين. ولم يأل الرجل جهدا في تعميم تجربته الصحافية والإعلامية ووضعها رهن إشارة بلدان شقيقة وصديقة أخرى. فبين عامي 1958 و1962 ساهم في تأسيس وكالات الأنباء في كل من تونس وليبيا والسينغال ومالي والجزائر قبل أن يشرف أيضا على تأسيس وكالة أنباء منظمة المؤتمر الإسلامي في 1973 -1974. واعتبر الأستاذ بنونة أن كل تحد في حياته يقوده إلى تحد آخر. وبالفعل فقد اكتشف العمل التطوعي في أعقاب زلزال أكادير سنة 1960 انطلاقا من الالتحاق بالهلال الأحمر المغربي عام 1964 متطوعا في العمل الإنساني إلى أن غدا في أوائل السبعينات عضوا في لجنته المركزية التي تترأسها صاحبة السمو الملكي الأميرة للامليكة قبل أن ينخرط في الرابطة الدولية لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وينتخب أمينا عاما لمالية الرابطة على مدى أربع سنوات. وقبل هذا وذاك، نافح المهدي بنونة بقلمه وفكره وجهده وما ملكت يداه عن استقلال بلده المغرب أيام المحنة فشارك عام 1937 خلال إقامته القاهرية في تأسيس (لجنة الدفاع عن المغرب الأقصى)، وألف بالخصوص كتابا باللغة الإنجليزية بعنوان "مغربنا، القصة الحقيقية لقضية عادلة" وصدر الكتاب سريا في المغرب سنة 1951 في أوج غليان البلاد ضد عهد الحجر والحماية. ولأن القضايا العادلة لا تنفصل عن بعضها، انخرط الراحل، الذي درس بنابلس في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي، في نصرة القضية الفلسطينية التي تعرف على قادتها ومنظريها الأوائل (أمين الحسيني، وياسر عرفات، وخالد الحسن ...). "أحسني دائما أقرب إلى فلسطين من أي بلد عربي آخر"، يؤكد المهدي بنونة متذكرا بالخصوص أنه اصطحب في 1938 مسؤولين فلسطينيين إلى شمال المغرب وقاموا ثلاثتهم برحلة في القبائل الريفية من أصيلا غربا إلى زايو شرقا لجمع التبرعات للمجاهدين في فلسطين أسفرت عن جمع "ثروة" مقدارها خمسة ملايين ونصف بسيطة. وحتى عندما تجاوز التسعين عاما من عمره، ظل المهدي بنونة، رجل التحديات الحكيم المستبصر، متفائلا بمستقبل المغرب. يقول في حوار له "إنني متفائل دائما، وأرى المغرب أمامي باستمرار بوجهه الوضاء المشرق القادر على مواجهة واجتياز كل التحديات".