أكد وزير العدل السيد محمد الناصري، اليوم الجمعة بالرباط، أن مدونة الأسرة شكلت بحق منعطفا مهما في تدبير الشأن الأسري في المغرب، بالنظر لحمولتها التي يتحقق معها لكل من المرأة والرجل والطفل أسمى مظاهر الإنصاف وأرقى سمات الكرامة وأيسر سبل الحماية. وأبرز السيد الناصري، خلال افتتاح أشغال يوم دراسي حول "مدونة الأسرة بعد ست سنوات من التطبيق"، أن هذا اللقاء يعد مناسبة للتقييم الموضوعي والجاد للمسار الذي قطعه مسلسل إصلاح القضاء الأسري بالمغرب، وذلك على مدى السنوات الست الماضية، للوقوف على جملة المكتسبات المحققة، والنظر في الخيارات المتاحة لتطوير أكبر للمنظومة القانونية والقضائية في شموليتها. وأكد الوزير أن المغرب أصبح يتوفر على فضاءات للقضاء الأسري تشمل 65 قسما من أقسام قضاء الأسرة، منها 32 قسما في بنايات خاصة مستقلة عن بنايات المحاكم الابتدائية، والأخرى في أجنحة خاصة داخلها، معتبرا أن هذه الأقسام راكمت خلال هذه السنوات تجربة هامة في كيفية تصريف القضايا المتعلقة بالأسرة، وتتوفر على موارد بشرية مؤهلة لتطبيق مقتضيات المدونة بشكل جيد. وأبرز السيد الناصري أن انخراط القضاء بشكل إيجابي وفعال في تطبيق مقتضيات المدونة، مكن من تسجيل نتائج تبعث على التفاؤل، مشيرا في هذا الإطار إلى ارتفاع عدد رسوم الزواج بشكل تصاعدي منذ صدور المدونة، إذ انتقل من 574ر236 ألف رسم برسم السنة الأولى من التطبيق إلى 400ر314 ألف رسم خلال سنة 2009، وتسجيل نسبة مهمة من الأحكام الصادرة بثبوت الزوجية خلال هذه السنة، رغم المدة الوجيزة التي كانت متبقية، إذ بلغ عدد الأحكام ما مجموعه 13 ألفا و962، مقارنة مع سنة 2008 التي بلغ فيها عدد الأحكام 23 ألفا و390 حكم. وأرجع الوزير هذا الارتفاع إلى تجاوب المواطنين مع مقتضيات مدونة الأسرة ووعيهم بالآثار السلبية لعدم توثيق عقود الزواج، وذلك نتيجة الجهود المبذولة من قبل الوزارة بتنسيق مع كل القطاعات الوزارية المعنية بالموضوع، وكذا الجمعيات والمنظمات المعنية التي ساهمت بدورها في التحسيس والتوعية بأهمية توثيق عقد الزواج. وذكر السيد الناصري بإعطاء جلالة الملك محمد السادس موافقته السامية على إجراء تعديل على المادة 16 من مدونة الأسرة قصد تمديد الفترة الانتقالية لسماع دعوى ثبوت الزوجية، مشيرا في هذا الصدد إلى مصادقة المجلس الوزاري الذي انعقد مؤخرا على مشروع قانون يقضي بتعديل هذه المادة. وأوضح أن الوزارة، ستعمل بعد دخول هذا القانون حيز التطبيق، على اتخاذ جملة من التدابير بهذا الخصوص، وذلك بتنسيق مع كل القطاعات الحكومية المعنية والمنظمات والجمعيات وكل الفاعلين والمهتمين بالشأن الأسري.
وسيتم ذلك -يقول الوزير- بالأساس من خلال تنظيم حملات تحسيسية بأهمية توثيق عقود الزواج، وإعداد دوريات توجه للمسؤولين القضائيين لحثهم على المرونة والتيسير وتبسيط المسطرة وضرورة الإسراع بالبت، وعقد ندوات جهوية بمشاركة قضاة الأسرة المكلفين بالزواج وبتنسيق مع السلطات المحلية في هذا الموضوع، والعمل على عقد جلسات تنقلية بجميع مراكز القضاة المقيمين وبمقار حكام الجماعات، والتنسيق مع وزارة الداخلية من أجل إشعار السلطة المحلية بتبليغ المواطنين في المراكز والأماكن النائية، بأهمية توثيق الزواج وتسوية وضعية الذين لم يوثقوا زواجهم. من جهة أخرى، ذكر وزير العدل بأوراش الوزارة المتعلقة بدعم وتأهيل أداء القضاء الأسري في المغرب، والهادفة إلى الرقي بالأداء النوعي لهذا القضاء، في انسجام تام مع ثوابت الإصلاح التي دعا إليها جلالة الملك. وأبرز أن الأمر يتعلق بإدماج تقنيات الوساطة الأسرية في عمل أقسام قضاء الأسرة، على النحو الذي يوسع من مجال الصلح والتسوية الودية في تدبير الخلافات الأسرية، ويمكن القضاة من دراية علمية ومنهجية في كيفية إدارة جلسات الوساطة، مع توفير الفضاءات الخاصة لإجرائها، وإعداد جداول موحدة لتحديد النفقة وفقا لمعايير اقتصادية واجتماعية، تنطلق من مستوى عيش الأسرة وتكلفة الطفل واقتصاد المستويات وغيرها، وهو ما سيمكن من تعزيز مبدأ التوقع القانوني لدى المستفيدين والملزمين بالنفقة على السواء. وأضاف أن الأمر يتعلق بتعميم المساعدات الاجتماعيات على أقسام قضاء الأسرة، خاصة بعد التجربة النموذجية التي تمت على صعيد بعض أقسام قضاء الأسرة، ومتابعة الجهود الرامية إلى استكمال البناء القانوني الملائم والناجح لصندوق التكافل العائلي بتنسيق مع الجهات المعنية، وتكثيف الجهود المتعلقة بإقرار استراتيجية للتكوين في المواضيع المهنية أو في العلوم والمقاربات الاجتماعية ذات الصلة بقضايا الأسرة. وأشار في هذا الصدد، إلى استفادة عدد مهم من القضاة من التكوين في بعض المقاربات الاجتماعية، كمقاربة النوع الاجتماعي ومقاربة حقوق الطفل وعلم النفس الاجتماعي الأسري، وإعطاء انطلاقة التكوين في المحور الخاص بالتواصل ودينامية الجماعة، موضحا أنها مواضيع ستمكن العاملين بأقسام قضاء الأسرة من أدوات علمية ومعرفية ذات جودة عالية. وأبرز أن وزارة العدل تعتزم إرساء دعائم مؤسسة القاضي الوسيط داخل أقسام قضاء الأسرة، في إطار تسهيل الولوج إلى العدالة. ويتضمن برنامج هذا اللقاء إلقاء عروض حول "مدونة الأسرة بعد ست سنوات من التطبيق.. الحصيلة والآفاق"، و"تطبيق مدونة الأسرة رهانات وتحديات"، وكذا ورشات عمل حول "النفقة وصندوق التكافل العائلي"، و"مسطرة الصلح والوساطة في قضايا الأسرة"، و"التطليق للشقاق بين النص والتطبيق". حضر الجلسة الافتتاح لهذا اليوم الدراسي على الخصوص الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، والرئيس الأول للمجلس الأعلى الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى، وممثلي مجلسي البرلمان، ونقباء هيآت المحامين بالمغرب، ووالي ديوان المظالم وممثلي منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى وفد قضائي قطري.