تأمل أوكرانيا في أن تطوي الزيارة الرسمية التي سيقوم بها رئيسها الجديد ، فيكتور يانوكوفيتش ، لموسكو يوم غد الجمعة ، صفحة الخلاف بين البلدين في مجال الطاقة ، وتشكل خطوة هامة في اتجاه تبديد غيوم الخلاف السياسي الذي دام سنوات بينهما . وأكدت دوائر رسمية أوكرانية أنه ليس بمقدور اقتصاد أوكرانيا إطلاقا أن يتحمل أسعار الغاز الحالية، لذا سيبذل يانوكوفيتش ، الموالي لروسيا ، كل ما في وسعه من أجل تخفيف هذه الأعباء ، لإعطاء نفس جديد لهذا الاقتصاد الذي يشكو العديد من الصعوبات . وترى هذه الدوائر أنه في حالة عدم التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن فقد تواجه السلطات الجديدة مشاكل سياسية خطيرة ، باعتبار أن الفاتورة الطاقية تكلف البلاد مبلغ 892 مليون دولار شهريا . ويعتزم الرئيس الأوكراني الجديد أن يثير ، أثناء زيارته لموسكو ، مع المسؤولين الروس إمكانية مراجعة العقود الروسية الأوكرانية في مجال الغاز الذي تعتبر كييف أن أسعاره غير تفضيلية بحكم العلاقات الخاصة التي تجمع البلدين . وتؤكد أوكرانيا أن هذه الأسعار تحتاج إلى تعديل حتى تصبح في مستوى 228 دولار لكل ألف متر مكعب، فيما ترى روسيا أن متوسط هذا السعر لعام 2010 يجب أن يكون في حدود 280 دولار. ويبدو أن الرئيس الأوكراني الحالي سيلقى الآذان الصاغية في موسكو لتلبية طلبه في تليين فاتورة الغاز عكس سلفه الرئيس السابق فيكتور يوشينكو ، الذي أثرت خلافاته السياسية مع زعماء روسيا على الملف الطاقي وعرفت المرحلة الأخيرة توترات أثرت سلبا على ميزانية البلاد ونمو الاقتصاد الأوكراني الذي يشكل الغاز إحدى ركائزه وحاجة اجتماعية ماسة بفعل الطقس البارد جدا الذي تعرفه البلاد وخاصة في فصل الشتاء . وجاء إعلان شركة "غازبروم" الروسية عن استعدادها للنظر في مقترحات أوكرانيا ومراجعة موقفها بخصوص أثمنة بيع الغاز للجار الأوكراني، بردا وسلاما على أصحاب القرار في أوكرانيا ، ويوحي هذا الإعلان بأن الكرملين لا يريد إفساد جو الود والعلاقات الطيبة التي ظهرت في الأفق مع السلطة الأوكرانية الجديدة . وتعي روسيا حاليا أنه ليس في مقدور اقتصاد أوكرانيا إطلاقا أن يتحمل أسعار الغاز الحالية، ولذا ستسير في اتجاه تخفيف هذه الأعباء وتليين كل التعقيدات التي يطرحها الملف الطاقي الذي تسبب خلال السنوات الماضية في مشاكل سياسية في البلاد ،ولربما يكون قد عجل برحيل الرئيس السابق بعد أن استغلت موسكو الملف الطاقي كورقة للضغط على كييف من أجل مراجعة مواقفها إزاء موسكو. وقد شكلت زيارة الرئيس الأوكراني الجديد لبروكسيل بداية الأسبوع الجاري ، التي دعا خلالها الى إقامة علاقات ودية وبناءة مع روسيا ، وتحقيق " التكامل مع أوروبا" ، مرحلة مفصلية في الحد من سوء التفاهم بين روسيا وأوكرانيا بخصوص الملف الطاقي ، باعتبار أن كييف تعد محطة عبور الغاز الروسي الى أوروبا التي تقتني نحو 40 بالمائة من حاجياتها الغازية من روسيا ، وباعتبار أن أوروبا فضلت دائما أن تبادر كل من موسكو وكييف الى حل مشاكلهما الطاقية بشكل مباشر دون اللجوء إلى طرف ثالث وبشكل لا يمس مصالحها . وكللت زيارة الرئيس الأوكراني الجديد لبروكسيل بالنجاح على الأقل من الناحية المعنوية ، بعد أن تلقي من مسؤولي الاتحاد الاوروبي وعودا بدعم مشروعه السياسي والاقتصادي وبالإسراع بإنهاء المفاوضات حول توقيع اتفاقية بشأن الترابط بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إنشاء منطقة تجارة مشتركة ،اعتمادا على ورقة أوكرانية رابحة مضمونها أن أوكرانيا بلد عبور مضمون للوقود إلى أوروبا من روسيا . ويعتبر العديد من الخبراء الأوكرانيين أن الميل إلى روسيا الغالب حاليا في حزب الأقاليم الأوكراني ، الذي يتولى الحكم ، قد يتبدل بآخر معاكس تماما في حال تعنت موسكو في المسائل المتعلقة بالغاز، وهو ما لا يريده الكرملين، طبعا. ويبقى احتمال عودة "حرب الغاز" ، التي طفت على سطح الأحداث في مطلع سنة 2009 ولاح شبحها في بداية شهر نوفمبر مجددا بين روسيا وأوكرانيا ، مستبعدا بعد أن أكدت روسيا نيتها مراجعة الأسعار الخاصة بالغاز المباع لأوكرانيا ، التي زادت قيمتها خلال السنوات الثلاث الماضية بثلاثة أضعاف وتجاوزت معدل الأسعار الأوروبية بكثير ، في الوقت الذي بقي سعر مرور الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية على حاله . وإذا كانت مشكلة الديون المستحقة لروسيا على أوكرانيا لقاء صادرات الغاز ليست جديدة ، وعرضت للخطر ما مرة إمدادات الغاز الروسي الى أوروبا منذ سنة 1995 حين تمت إعادة جدولة ديون أوكرانيا عن صادرات الغاز لعام 1995 سبع مرات ، فإن كل المؤشرات تؤكد أن هذا الخلاف التجاري السياسي في طريقه إلى التسوية ، مادام الود والتفاهم يسود بين قيادتي البلدين.