بصوت طفل يجود الآية القرآنية الشهيرة التي تشير إلى سجود أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ليوسف عليه السلام ابتدأت "أوبريت يوسف عليه السلام" التي تعد أول أوبريت عربية حول النبي يوسف. وكان التجويد مصحوبا بصورة الكواكب مع ارتداء الشخصيات التي تجسد دور الكواكب الساجدة ليوسف الظاهرة في الحلم لباسا أبيض يرمز إلى الحلم الذي نصحه والده (النبي يعقوب) بأن لا يقصص رؤياه على إخوته كي "لا يكيدوا له كيدا". وشدت الأوبريت، التي قدم عرضها الأول مساء أمس الخميس بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، مع توالي المشاهد ال`25 المستمدة من النص القرآني مع الأداء الحواري عبر قراءة القرآن الكريم، انتباه الحاضرين في جو إيماني رمضاني، وبعضهم من الأجانب الذين حبذوا الفكرة لأنها تحكي القصة من خلال التراث العربي الإسلامي الأصيل. لقد بعث ربيع الإدريسي، مخرج هذا العمل، الروح الى قصة يوسف عليه السلام بجعلها تؤدى على المسرح وفق قالب إبداعي جديد، ووقع على باب النجومية والتألق عندما خاض مغامرة الإخراج المسرحي لأشهر قصة في التاريخ من أجل فتح جسور الحوار بلغة عالمية راقية، وهي لغة الرموز أو السينمائية التي يتكلم بها العالم عبر المسرح أو السينما. خمس سنوات من التفكير والإعداد وأربعة أشهر من التدريب اختصرتها ساعة ونصف التي كانت كافية لاسترجاع قصة قرآنية وجعلها عملا فنيا يتخذ النص القرآني سيناريو مباشر للأعمال المسرحية والسينمائية، بعيدا عن الخيال البشري. اعتمد هذا العمل الفريد من نوعه على مستوى العالم العربي والإسلامي، على النص القرآني، وهو ما أعطى للعرض المسرحي القوة والمصداقية والإبداع، حيث تمت المزاوجة بين جمالية القرآن الكريم وجمالية المواقف التي وقعت له عليه السلام في مسار حياته. مشهد مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام من أصعب المشاهد التي يمكن للمخرج أن يظهرها مع الحفاظ على الرسالة التي بعثها القرآن لكل قارئ لقصة يوسف عليه السلام، وقد أبدع المخرج في جعل المتلقي يفهم ويستوعب رسالة المشهد باستعمال الرمزية الدالة، وتركيزه على امرأة العزيز التي جسدت دورها الممثلة عفراء الحضري بكل احترافية وتميز أذهل الجمهور الحاضر. ربيع الإدريسي، المخرج الشاب الذي اجتهد في جعل النص القرآني ممسرحا ومجسدا على خشبة المسرح وركح المسرح الوطني محمد الخامس، يعتبر أن تجسيد الأنبياء ليس هو الملاذ الفني لإظهار شخصياتهم، بل إن الفنان يمكن أن يبدع في إيجاد المخارج الفنية. وأبرز أن بإمكانه استيعاب ذلك من خلال الرموز، مشيرا إلى أنه اشتغل على الرمزية في هذا العمل متبنيا قولة "رب إشارة أبلغ من ألف كتاب". واعتبر أن الهدف من اعتماد الرمزية هو تفادي التحريف الخيالي البشري لقصة يوسف عليه السلام الواردة في القرآن الكريم، مما مكن من تبني تقنيات مكنت من عدم تشخيص يعقوب ويوسف عليهما السلام، ومن إظهار تحول الإخوة وامرأة العزيز من الظلم إلى التوبة. حتى الطفل الذي لم يطلع على قصة يوسف يمكنه من خلال هذا العرض أن يتعرف على الشخصية التي نتحدث عنها، يقول ربيع الإدريسي، "هناك إشارات رمزية تعرف بمن هو المخاطب"، مشيرا إلى أنه لا مستحيل في الاختيارات الفنية و"يمكن أن نتناول جميع القصص القرآنية دون تجسيد شخصية الأنبياء والرسلوتسعفنا الرمزية بشكل كبير في التعبير عن الاشياء بما فيها الغيبيات". هذا العمل الفني المتميز، الذي سيكون مرشدا ركحيا للعديد من الأعمال القادمة الممسرحة للقصص القرآنية، اعتمد بالأساس، على سورة يوسف كنص وإرشادات لإخراجية مباشرة لما يتضمنه القرآن من جمال وإعجاز فني، انفرد بكون الآيات القرآنية هي التي كانت سبيل الحوار بين الممثلين. وتم القيام بتوزيع الصيغ النغمية لسورة يوسف انطلاقا من المشاهد ال`25 التي اختارها المخرج، ما أضفى جمالية رائعة كانت من نتائج العمل الدؤوب الذي قام به توفيق ترتوش الفيلالي المشرف العام على المجودين. "لقد حافظنا على المقامات الموسيقية التي تلائم القرآن الكريم مع الحفاظ على القواعد التجويدية المعروفة لدى جميع القراء المغاربة"، يقول الفيلالي، مبرزا أن الفرق بين هذا العمل والأعمال العادية هو "أننا نتكلم بوحي السماء والأوبريت في بعض الأحيان تحتوي على سيناريو بشري، لكن السيناريو هنا هو كلام رب العالمين ما أضفى على العمل روح الإيمان والتعبير الحقيقي الذي ينبع من قلوب القراء". ولم تعتمد هذه الأوبريت على الموسيقى عكس ما هو متعارف عليه في الأوبيرات العالمية، بل ستبرز جمالية النص القرآني بالاعتماد على المجودين في التغطية الصوتية للقصة باعتبار أن سورة يوسف تتضمن عناصر حوارية. والأوبريت كلمة إيطالية تطلق على كل عمل درامي شعري مغنى بأكمله، ويتناوب على الغناء فيه مغنون فرادى وجماعات وجوقة مصاحبة لأوركسترا سامفونية، لكن في هذا العمل الإبداعي، الفريد من نوعه، تمت الاستعانة بالتجويد الفردي والجماعي. وجمع هذا العمل، لأول مرة، بين ممثلين مسرحيين ومجودين حائزين على جوائز للحفظ والتجويد سواء في مسابقة القناة الثانية للمواهب، أو في مسابقة جائزة محمد السادس في حفظ القرآن الكريم. وقال الفيلالي "تم القيام بجلسات تمهيدية للعمل تجسيدا لأفكار أنتجت عندي فكرة حوارية للأداء، كل الأداءات كانت تعبر عن المشهد، نتمنى أن تعمم مثل هذه التجربة على الصعيد الوطني". ويتكون فريق العمل من مستشارين فنيين وممثلين ومشرفين على المجموعات (الحرس، الإخوة، التجار، النسوة والمجودون)، فضلا عن مساعدين في الإخراج وما يتطلبه العمل من ضبط للملابس مع الحقبة الزمنية ليوسف عليه السلام وتنفيذ الديكور والإنارة والخطوط. واعتبر ربيع الإدريسي أن "هذا العمل هو نتاج فكرة وبذرة صغيرة تم الاشتغال من أجل نموها"، مشيرا إلى أن "العديد من القصص القرآنية يمكن بلورتها على المسرح من أجل أن نرى لونا واتجاها آخرين من الإبداع المسرحي المبرز للمحبة والإخاء". وسيقدم المخرج ربيع الإدريسي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة مسرحية "مريم"، بالإضافة إلى اشتغالها حاليا على مسرحيتي "الخضر وموسى عليه السلام" وما تقدمه من خيال علمي، و"لقمان وابنه". يذكر أن محترف عباس إبراهيم للفن المسرحي تأسس في سبعينيات القرن الماضي، وكان يعرف بالقناع 21 للفن المسرحي. وكان المحترف آنذاك يضم ثلة من خريجي المعهد البلدي للمسرح بالرباط. وبعد وفاة المخرج عباس إبراهيم خلفه على رأس المحترف ربيع الإدريسي.