رغم مرور زهاء ستة أشهر على ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك وانتهت بعدد من الرجال المحسوبين عليه بالإقامة في سجن "طرة" بضواحي القاهرة، فإن محاكمة رموز هذا النظام تسير بوتيرة باتت تقلق الأوساط السياسية والحقوقية وتطرح تساؤلات حول مدى جدية وجدوى هذه المحاكمات. فرغم تنحيه عن السلطة منذ الحادي عشر من فبراير المنصرم وتوجيه القضاء لإتهامات له، تارة بقتل المتظاهرين وتارة أخرى بإهدار المال العام وبيع الغاز لاسرائيل وإفساد الحياة العامة، فإن مبارك ما يزال يقيم بالجناح الرئاسي في المستشفى الدولي بمنتجع شرم الشيخ، كما أن موضوع مثوله أمام المحكمة أصبح محل تضارب وتناقض كبيرين في الآراء بين مسؤولي الدولة. ولم يتم حتى الآن تحديد الجهة القضائية التي سيمثل أمامها مبارك (83 عاما) رغم أن محكمة جنايات القاهرة قضت أمس الاثنين بضم القضية التي يتابع فيها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي إلى قضيته التي يتابع فيها بشأن قتل المتظاهرين بالنظر لكون أدلة الثبوت في القضيتين واحدة. وأثارت أنباء نشرتها صحيفة "الأخبار" المصرية أمس ووصفتها ب "الموثوقة" حول سفر الرئيس السابق للمملكة العربية السعودية ثلاث مرات منذ تنحيه عن الرئاسة قصد العلاج، سخط ائتلافات شباب الثورة والحركات السياسية على المجلس العسكري ومجلس الوزراء، وطالبت ببث صور للرئيس المخلوع للتأكد من وجوده في مصر، وكذا بث صور لنجليه بعد تردد أنباء أيضا عن مغادرتهما لسجن "طرة" في مرات متعددة على متن طائرات مروحية. كما أن غياب المعلومات عن حقيقة ما يدور داخل جدران سجن "طرة "الذي يقبع به العشرات من رجال مبارك أطلق العنان لشائعات تحدثت عن تحول هذا السجن إلى فندق من خمس نجوم يحظى نزلاؤه بمعاملة متميزة، وهو ما دفع بوزارة الداخلية لتنظيم زيارات لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والإعلاميين للسجن للوقوف على عدم وجود معاملة مميزة للمحبوسين على ذمة قضايا فساد من رموز النظام السابق. وفيما يحاول المجلس العسكري أن ينأى بنفسه عن موضوع بطء محاكمة مبارك ويؤكد أن الأمر بيد القضاء، فإن تمة عراقيل أخرى قد تحول دون محاكمة الرئيس المخلوع في القاهرة، أبرزها إعلان وزارة الداخلية غير ما مرة عن عدم قدرتها تأمين هذه المحاكمة، وكذا عدم قدرتها على تأمين نقل مبارك من شرم الشيخ للقاهرة بالنظر لوضعه الصحي وبالنظر لما تطرحه هذه العملية من تعقيدات أمنية بالغة الصعوبة. وأكد وزير الداخلية منصور عيسوي أن مصالح الوزارة ما تزال تبحث عن أنسب الأماكن أمنيا لمحاكمة الرئيس المخلوع في ضوء توقعات بتوافد عشرات الآلاف من المواطنين لمتابعتها. ولم تخل محاكمة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي من جهتها من تعقيدات وتساؤلات، خاصة بعد صدور نتائج لجنة تقصي الحقائق حول قتل المتظاهرين إبان الثورة والتي أكدت سقوط ضحايا بالأمر المباشر من طرف قناصة وفرق خاصة لمكافحة الإرهاب كانت تابعة له، إلا أن محاكمته ما تزال تبارح مكانها وتتأجل من جلسة لأخرى. وأثار قرار أمس بتأجيل محاكمة العادلي غضب الحاضرين من ذوي القتلى وهيئة الدفاع، فيما حاول المحتجون الذين غصت بهم ساحة المحكمة من الخارج الاعتداء على السيارة المكلفة بنقله ومساعديه الذين يحاكمون معه في نفس القضية. ومن الأمور التي أثارت غيض المواطنين أيضا عملية الانتقاء التي تتم لاختيار الأشخاص الذين يسمح لهم بحضور الجلسات، بحيث يسمح لفرد واحد عن أسرة كل مطالب بالحق المدني بالحضور وتفرض على الحاضرين قيود أمنية صارمة يرون بأنها لا تفرض حتى على المتهمين أنفسهم داخل المحكمة. ويتابع حبيب العادلي في قضايا تهم بالخصوص قتل المتظاهرين، وإهدار المال العام، والتربح غير المشروع ، والاعتقال التعسفي، وتعريض الأمن القومي للخطر، على خلفية الانفلات الأمني الذي شهدته مصر منذ الثامن والعشرين من يناير المنصرم، وقطع الاتصالات عن كل أنحاء الجمهورية مما ألحق أضرارا فادحة بالاقتصاد المحلي، واتخاذ قرارات اتسمت بالرعونة وسوء التقدير الأمر الذى كان له عواقب وخيمة على وزارة الداخلية ومنشآتها والجهات المعهود بها إلى الوزارة تأمينها. أما بالنسبة لباقي المحاكمات وخاصة القضايا التي يتابع فيها كل من زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وفتحي سرور الذي كان يرأس مجلس الشعب ، وصفوت الشريف الذي كان يرأس مجلس الشورى، وأحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني المنحل، وعلاء وجمال مبارك ، ووزراء ورجال أعمال متورطون في قضايا فساد، فلم تسجل هي الأخرى أي تقدم يذكر في اتجاه إدانة هؤلاء. وبرر خبراء قانونيون "تخبط القضاء المصري" في النظر في هذه القضايا بعدم وجود سوابق واجتهادات قضائية مماثلة بحيث ينظر القضاء في نظام بأكمله بدءا من رئيس الدولة فرئيسا مجلسي الشعب والشورى، فرئيس الوزراء ثم الوزراء ورجال الأعمال. وحذر هؤلاء من أن تؤدي هذه المحاكمات إلى اشتعال المشهد السياسي في مصر المتأزم أصلا بسبب الغموض الذي ما يزال يكتنف مستقبل البلد السياسي وحالة الشد والجذب بين ائتلافات شباب الثورة من جهة والمجلس العسكري ومجلس الوزراء من جهة ثانية، والجدل الدائر بين الأحزاب والهيآت السياسية بين مطالب بالدستور أولا ومطالب بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا. ولتطويق الموقف بادرت الحكومة المصرية أمس الاثنين بالإعلان عن إبعاد المسؤولين الذين شغلوا مناصب قيادية في فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك ومواصلة محاكمة المتهمين في قضايا فساد، والإسراع بتنفيذ إصلاحات أخرى، وذلك في محاولة لخطب ود المعتصمين بالميادين الذين بات غضبهم على مشارف أن يطال المجلس العسكري الحاكم نفسه. وكشف رئيس الوزراء عصام شرف عن تشكيل لجنة وزارية مكلفة بإدارة الأزمة التي تمر بها مصر حاليا، مجددا التأكيد على مبدأ علانية محاكمة جميع رموز النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس المخلوع. وكان المجلس الأعلى للقضاء في مصر قد أمر من جهته ببث محاكمة رموز النظام السابق على الهواء مباشرة على التلفزيون الرسمي لتخفيف الضغط على المحاكم، كما أوصى بتفرغ الدوائر المختصة بالنظر في هذه القضايا وعدم إحالة أية قضايا أخرى عليها في محاولة لضمان سرعة المحاكمات.