تكتلت جهود السلطات الروسية في الآونة الأخيرة لمحاربة ظاهرة استعمال أقلام الليزر بعد أن تكررت حالات تهدد السلامة الجوية وإجبار طائرات عديدة على الهبوط الاضطراري، وتفشي ظاهرة ما أصبح يعرف ب"الشغب الليزيري". فقد قرر البرلمان الروسي إصدار قانون خاص لزجر استخدام أقلام تأشير الليزر، الذي يهدد سلامة النقل الجوي، وسن إجراءات قانونية صارمة بعدما كثرت حالات تعرض الطيران الجوي الى إشعاعات ليزر موجهة من الأرض بلغت 41 حالة منذ بداية العام الجاري خاصة على مستوى وسط الفيدرالية الروسية . وشهدت مختلف مناطق روسيا في الشهور الماضية حالات خطيرة بعد أن وجه أشخاص، خاصة منهم مراهقون، أجهزة تصدر منها أشعة ليزر نحو الطائرات أثناء تحليقها أو أثناء هبوطها أو إقلاعها، وهو ما عرض طائرات وركابها الى خطر الهلاك. وأكد البرلمان الروسي بالمناسبة أن هذه الممارسات ستصبح بفعل القانون الجديد، الذي سيخرج الى الوجود قريبا، جرائم جنائية تصل عقوبتها الى 14 سنة أو أكثر إذا ترتب على ذلك وفاة أو إعاقة، باعتبار أن هذه الأفعال تهدد بشكل مباشر سلامة الملاحة الجوية وتسبب خطورة مباشرة على الطيران وسلامة مستعملي النقل الجوي. وشكل الحادث الذي وقع بداية الشهر الماضي نقطة تحول في التعامل مع هذه الظاهرة السلبية بعد أن اضطر قائد طائرة روسية في روستوف، جنوب غرب البلاد، للهبوط بعد أن أصيب بعمى لحظي جراء ضوء ليزر سلط عليه من مصدر مجهول على الأرض، الا أن الطائرة تمكنت من الهبوط دون تعرض ركابها ال97 لأذى. وإذا كانت السلطات الروسية قد غضت الطرف مؤقتا عن استعمال الليزر في الملاعب الرياضية واستخدام هذه التقنية ضد الللاعبين وخاصة حراس المرمى للتشويش عليهم أثناء مجريات المقابلات، فإن الوقائع الناجمة عن استخدام أقلام تأشير الليزر ضد الطائرات دفعت المسؤولين الروس إلى التدخل بشكل صارم وإلقاء القبض على الفاعلين وإجراء مراقبة مشددة على محيط المطارات. وأكثر من ذلك أصدرت الحكومة الروسية قرارا يقضي بمنع بيع أقلام الليزر الصغيرة، التي لا يختلف حجم بعضها عن حجم القلم العادي، خاصة وأن خبراء عالميين أكدوا أن التشويش على نظر الطيار لبضع ثوان يكفي لوقوع كارثة طيران قد تودي بحياة المئات من الأشخاص الأبرياء. وتسعى روسيا الى السير على منوال دول أوروبية وأمريكية وآسيوية، مثل ألمانيا التي تبنت قانونا يقضي بإصدار عقوبة تصل إلى عشر سنوات سجنا في حق كل من أساء استخدام هذه الأقلام في مناحي تهدد نظام الطيران. ويعتبر علماء اجتماع وخبراء في علم النفس بروسيا، أن هذه "المزحة الثقيلة" لم تعد ظاهرة للتسلي في مجالات محصورة قد ترتبط بالملاعب الكروية أو الحفلات الغنائية والموسيقية، بل أضحت تشكل "خطرا على المجتمع"، وتهدد سلامة الطيران الجوي ومستعملي الطائرات بشكل مباشر، خاصة وأن حوادث تحطم الطائرات تكون الأكثر فجاعة من حيث أعداد القتلى وقلة فرص النجاة. وأكدوا أن استعمال أقلام الليزر من طرف المراهقين خاصة ينطوي على خلفية اجتماعية وتربوية خطيرة بفعل التأثر السريع لهؤلاء بالظواهر الجديدة ورغبتهم في مماثلة أفعال أقرانهم أو الراشدين، وأحيانا دون نية التسبب في حوادث مميتة. وأشاروا الى أن مكافحة هذه الظاهرة لا يقتضي فقط إصدار قوانين زجرية والضرب بقوة على يد المشاغبين، بل أيضا تبني مقاربات تربوية وبيداغوجية تنبه المراهقين الى خطورة هذه الأفعال وعواقبها الوخيمة، وفتح حوار مجتمعي شامل وواسع يشارك فيه الآباء والمربون ووسائل الاعلام ورجال القانون والأمن وباقي الفاعلين في المجتمع. ويرى الخبراء الروس أن سهولة استعمال هذا النوع من الأقلام وانخفاض سعره، الذي لا يتعدى في روسيا 300 روبل (نحو 13 دولار أمريكي)، وسهولة الحصول عليه يدفع المراهقين وغيرهم الى الاقبال على شرائه، إلا أن الاخطر من ذلك أن بعض دول غرب آسيا استغلت الاقبال المتزايد على هذه الاقلام من طرف فئات معينة من المجتمع لتصديره على نطاق واسع بطرق ملتوية وعبر التهريب، خاصة وأن قدرة هذه الأقلام المهربة ترتفع إلى أكثر من 10 مليواط عوض أقلام اخرى بقوة 5 ميلواط تنتج في دول أوروبية وتستعمل في مجال التدريس والمحاضرات ولغايات أخرى نبيلة. ويبدو أن الخطر ماثل أكثر في روسيا مقارنة مع دول أوروبية أخرى، حسب الملاحظين، باعتبار شساعة جغرافيتها والاستعمال المكثف للنقل الجوي بها واحتمال لجوء متطرفين إلى مثل هذه الأفعال، الأمر الذي يجبر المسؤولين الروس على تعزيز إجراءات المراقبة في محيط وداخل المطارات وكذا بالطرق السيارة والسكك الحديدية. ولمواجهة هذه المخاطر التي تواجهها ليس روسيا فقط بل العديد من الدول الاوروبية وغيرها ، سيتعين على المجتمع الدولي وشركات الطيران والاجهزة الامنية القيام بإجراءات مشتركة لمحاربة الظاهرة من جذورها بدءا من التصنيع والبيع الى الاستعمال تجنبا للكوارث خاصة بالنسبة لوسائل التنقل التي تستقطب أعدادا كبيرة من المستعملين.