شهدت العلاقات المغربية البولونية خلال السنوات الأخيرة زخما غير مسبوق، تمثل في العزم الأكيد الذي يحذو المملكة المغربية وجمهورية بولونيا، للارتقاء بمستوى التعاون بينهما في كافة المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما يعكسه تواتر الزيارات بين مسؤولي البلدين لإعطاء هذه العلاقات مضمونا قويا يترجم مكانتهما في محيطهما الجيواستراتيجي. وتجسد الزيارة الرسمية التي يقوم بها الوزير الأول السيد عباس الفاسي إلى بولونيا، الذي من المنتظر أن يصل مساء اليوم الأربعاء إلى العاصمة البولونية، على رأس وفد وزاري هام يضم أيضا عددا كبيرا من مدراء و مسؤولي المؤسسات العمومية والفاعلين الاقتصاديين، هذه الرغبة الراسخة في المضي بالعلاقات بين البلدين إلى أفق أرحب وأكثر تطورا و تنوعا. وتكتسي هذه الزيارة، التي تستغرق ثلاثة أيام، أهميتها أيضا من كون المغرب وبولونيا احتفلا خلال السنة المنصرمة بمرور 50 سنة، على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما (يوليوز 1959). وإضافة إلى المباحثات السياسية التي سيجريها الوزير الأول مع المسؤولين البولونيين، خاصة مع رئيس الوزراء دونالد تاسك، سيتباحث السيد عباس الفاسي مع رئيس الغرفة الأولي في البرلمان البولوني، السيد برونيسلاف كوموروفسكي، ومع رئيس الغرفة الثانية، السيد بوغدان بوروزيفيتش، كما سيجتمع مع لجنة الصداقة البرلمانية المغربية البولونية. ويؤطر العلاقات بين المغرب وبولونيا، القائمة على روح الصداقة والاحترام المتبادل، عدد من الاتفاقيات تمكن من تطوير التعاون بينهما في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية، كما تتميز هذه العلاقات، على المستوى السياسي، بتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين وبتنسيق المواقف بينهما على مستوى العلاقات المتعددة الأطراف. وشهدت العلاقات في كافة المجالات بين المغرب وبولونيا، إيقاعا جديدا خلال السنوات الخمس الماضية، خاصة بعد انضمام بولونيا إلى الاتحاد الأوربي سنة 2004، الذي فتح أمام المصدرين البولونيين والمغاربة إمكانيات أوسع لولوج أسواق البلدين، كما أنها مرشحة لمزيد من التطور في إطار وضع المغرب المتقدم مع الاتحاد الأوربي.( ويعتبر المغرب حاليا، بفضل المبادلات التجارية بين البلدين التي حققت رقما مرتفعا خلال سنة 2008، ببلوغ 750 مليون دولار، الشريك التجاري الأول لبولونيا على صعيد القارة الإفريقية. وكان البلدان قد وقعا في يوليوز الماضي بفارسوفيا، من خلال الاتحاد العام لمقاولات المغرب وكونفدرالية أرباب العمل البولونيين، على اتفاقية للتعاون ولتطوير شراكة اقتصادية حقيقية بين المقاولات في البلدين، كما نظم خلال الشهر ذاته "المنتدى الاقتصادي المغربي البولوني"، بمناسبة الذكرى الخمسينية لإقامة العلاقات الدبلوماسية، أكد خلاله الجانبان على عزمهما تشجيع الشراكات في مجال الاستثمارات في القطاعات المتعلقة، على الخصوص، بالصناعة الكيماوية وصناعة السيارات وبالقطاع الفلاحي وصناعة المواد الغذائية. كما تمت دعوة المقاولات المغربية إلى الاستثمار في بولونيا في إطار عمليات الخصخصة الجارية بها. من جهة أخرى، يمثل الجانب الثقافي حقلا أساسيا في علاقات التعاون بين المغرب وبولونيا، من خلال تنظيم العديد من التظاهرات الثقافية في البلدين، ومنها معرض تشكيلي لفنانين من المغرب وبولونيا (قاعة باب الرواح، أبريل 2009) و"أيام الفيلم البولوني في المغرب" (أكتوبر 2010) ، وقبل ذلك "الأيام الثقافية البولونية الأولى في المغرب" (ماي 2007)، التي نظمت تحت شعار (بولونيا القريبة جدا). كما يندرج في السياق ذاته، مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين التي تتضمن بنودا أساسية منها، رفع وتيرة التبادل الثقافي الثنائي، خاصة على مستوى التعاون في مجال الفنون التشكيلية والبحث الأركيولوجي، واتفاقية الشراكة والتعاون الموقعة بين المكتبة الوطنية بالرباط، والمكتبة الوطنية البولونية، التي تفتح آفاقا رحبة للتعاون في المجالات الثقافية والمحافظة على التراث في البلدين. ويشمل تطوير وتنمية العلاقات بين البلدين أيضا، التعاون بينهما على مستوى لامركزي، من خلال الجهات والمدن المغربية والبولونية، حيث تقيم مدن كفاس وكراكوفي (جنوببولونيا) و الدارالبيضاء و سوسنوفييك (جنوب)، علاقات تعاون مشترك، كما يجري إعداد مشاريع توأمة أخرى بين مدن عديدة مغربية وبولونية. وكانت الرئاسة البولونية قد أشادت بمبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس المتعلقة بإقرار جهوية متقدمة في المغرب. وعبرت بولونيا، التي تضطلع بدور كبير داخل الاتحاد الأوربي لتحقيق الاستقرار والأمن بأوربا بصفتها عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي، باستمرار، عن موقف إيجابي في ما يتعلق بالقضية الوطنية، حيث أعربت عن مساندتها للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه بخصوص قضية الصحراء المغربية. كما أعرب مسؤولون بولونيون في مناسبات عديدة عن إشادتهم بالدور البناء الذي يضطلع به المغرب في السياسة الدولية.