أكد المتدخلون خلال ندوة نظمت، أمس الجمعة بالرباط، حول موضوع "خصوصية المنظور الثقافي عند الأستاذ عباس الجراري"، أن هذا العالم والمثقف والأديب، ساهم من خلال أبحاثه وأعماله الفكرية الغزيرة، في ترسيخ حضور الأدب المغربي وتكريس تنوع الموروث الثقافي للمملكة في إطار رؤية وحدوية متبصرة. واعتبر المتدخلون في هذه الندوة، التي نظمها المركز الثقافي المصري "مثمر"، في إطار برنامج "في دائرة الثقافة"، أن الأستاذ الجراري حرص، منذ بداية انشغاله بقضايا الثقافة والفكر، على النهوض بالأدب المغربي في مختلف تجلياته وجعله مادة أكاديمية تتيح بناء الهوية المغربية التعددية والمتنوعة، مشيرين إلى أن الأستاذ الجراري، الذي يعد أحد أبرز "عمداء الفكر المغربي المعاصر"، ظل يؤمن على الدوام بأن الثقافة، بالنسبة للشعوب، هي باقة من العناصر الأساسية المشكلة للهوية، والتي تتمثل، على الخصوص، في التقاليد والعادات والموروث واللغة. وأوضحوا، خلال هذه الندوة، التي استضاف خلالها المركز الثقافي المصري، رئيس وأعضاء "النادي الجراري"، أن الأستاذ عباس الجراري يعد أحد أبرز المدافعين عن الهوية العربية والإسلامية للمغرب، في الوقت الذي دعا فيه إلى الحفاظ على التنوع الثقافي للمملكة، لاسيما من خلال رد الاعتبار للمكون الأمازيغي، إلى جانب مناداته بالانفتاح على باقي ثقافات العالم واستنباط القيم الكونية الكفيلة ببناء مجتمع حداثي ومنفتح. وفي هذا السياق، قال مقرر أكاديمية المملكة، السيد مصطفى الزباخ، في مداخلة بهذه المناسبة، أن الأستاذ الجراري، الذي يعد أحد رواد حركة التنوير الثقافي بالمغرب، يولي الجانب القيمي أهمية بالغة في أعماله، ويدافع، من هذا المنظور، على مفهوم "الثقافة المواطنة"، التي تعد ضمانة أساسية للهوية المغربية المتينة. وأوضح السيد الزباخ، في سياق متصل، أن الأستاذ الجراري تمكن، بفضل شغفه وإلمامه العميق بعدد من مكونات الأدب المغربي الشعبي، من تسليط الضوء على هذا الموروث، لاسيما من خلال البحث في فنون القصيدة والملحون والموشحات، مضيفا أنه حرص كذلك على رد الاعتبار لعدد من رواد الحركة الأدبية المغربية، من خلال تثمين إسهاماتهم وإعادة البحث في الأعمال التي أثروا بها الساحة الأدبية بالمملكة. من جانبه، قال الأستاذ الجامعي جمال بنسليمان، في مداخلته، أن الأستاذ الجراري يؤمن بالوحدة في إطار الاختلاف، وهو من هذا المنطلق يدعو إلى تثمين مختلف مكونات الثقافة المغربية بمفهومها الشامل، وجعلها إحدى الروافد التي تغذي الهوية المغربية، سعيا إلى جعلها عصية على مختلف التأثيرات الناتجة عن اتساع دائرة العولمة. من جهة أخرى، أشار السيد بنسليمان إلى أن التوجه الديني للأستاذ الجراري يتميز بالتوازن والبعد عن مظاهر التعصب والانغلاق، مضيفا، في هذا السياق، أن هذا المفكر كان دائم الاعتراض على السجال الطائفي. بدوره، اعتبر الأستاذ بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، السيد محمد احميدة، أن الأستاذ الجراري كان ولا يزال أبرز من ناضل من أجل إدماج الأدب المغربي والتراث الشعبي في الجامعة المغربية، مشيرا إلى أن هذا المفكر ساهم كذلك في رد الاعتبار للثقافات الجهوية للمملكة. يشار إلى أن هذه الندوة، التي تندرج في إطار احتفاء المركز الثقافي المصري ب`"2011 عام الجودة في مركز مثمر"، عرفت حضور ثلة من الأدباء والباحثين والأساتذة الجامعيين، المغاربة والمصريين.