أكد السيد عمر عزيمان، عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، أن مشروع الدستور الجديد، الذي سيعرض على الإستفتاء يوم فاتح يوليوز المقبل، جاء "ليعطي نفسا ثانيا لمسلسل الدمقرطة والتحديث" الذي تشهده المملكة. وقال السيد عزيمان، في حديث لصحيفة "لوماتان الصحراء والمغرب العربي" نشرته اليوم الجمعة، إن "الإصلاح الدستوري جاء كاستجابة ملكية عظيمة لإعطاء نفس ثان لمسلسل دمقرطة وتحديث البلاد". وأضاف "لقد كانت تجربة محمسة وشاقة. محمسة من حيث غنى النقاشات وتنوع المساهمات، ومن حيث خطورة وحساسية اللحظة، ومن حيث طبيعة وأهمية الرهانات، وكذا من حيث ما تتيحه من إمكانية التأثير في مجرى الأحداث، والاسهام في بناء مجتمع أفضل". وتابع "وهي تجربة شاقة ومرهقة من حيث ثقل التكليف، وحجم المسؤولية، وتعقد المهمة، وتعدد الانتظارات، والتنوع الكبير في القضايا التي يتعين معالجتها، وضغط الجدول الزمني، والتطلع إلى تسوية كافة الأمور، وضرورة تفادي تخييب الآمال". وأبرز السيد عزيمان، في هذا الاطار، أن مشروع الدستور الجديد يعد ثمرة عمل جماعي، مشيرا إلى أنه "كانت هناك بالفعل اختلافات: فلكل عضو من أعضاء اللجنة تكوينه وتجربته وحساسيته وتصوراته وانشغالاته وقناعاته وتطلعاته، ورأيه حول مستقبل البلاد. ثم إن كل شخص يحدد السقف عند المستوى الذي يبدو له ملائما أكثر، كل يوجه المؤشر نحو الاتجاه الذي يبدو له حاسما أكثر، وكل يأمل أن يجد أفكاره في الصيغة النهائية" لمشروع الدستور. "ولحسن الحظ، يقول السيد عزيمان، فقد مهد الخطاب الملكي ليوم تاسع مارس، الذي كان بمثابة خارطة طريق والذي سهل العمل إلى حد كبير، الطريق للتفكير. كما تميز مجال التفكير بالمساهمات العديدة للتشكيلات السياسية والمركزيات النقابية والمنظمات غير الحكومية، والجمعيات المهنية، ومنظمات الشباب". وفي هذا السياق، يضيف عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، فإن الرئاسة "أبانت عن أناة ومهارة حتى يتغلب الحوار والنقاش ، شيئا فشيئا، على الذاتيات والمواقف المتصلبة، وحتى تفضي إلى التقريب بين المواقف الأكثر تباعدا وإلى فتح الطريق أمام توافقات مشرفة". وأشار الى أن "عمل الفريق هو تمرين ممتاز للتواضع. إذا كانت الرغبة قائمة من أجل التوصل الى اتفاق، فيجب أن تكون القناعات الشخصية نسبية وأن تتم التضحية بالاحلام والأوهام من أجل عمل فعال والمساهمة في تشييد هذا الصرح المشترك". وأعرب السيد عزيمان عن اعتقاده بأن "الحل الذي تبناه المغرب والمتمثل في لجنة جماعية مكونة من خبراء وطنيين مستقلين يتمتعون بالمواطنة الكاملة، ومعززة بآلية للتشاور مع الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، ومدعومة بخطوة منفتحة وتشاركية على نطاق واسع، يبدو لي بدون أدنى شك أكثر ذكاء وحكمة وأكثر واقعية وأكثر خصوبة ومطابقة لمتطلبات اللحظة". وأوضح أن القول بأن من تم تعيينهم من قبل الملك يكونون تحت أوامره ينم "تجاهل أو طمس لحقيقة لا جدال فيها وهو أن العديد من المؤسسات المستقلة التي يسيرها أشخاص معينون من قبل الملك يشتغلون بكل استقلالية ويؤدون مهامهم على النحو المحدد في القانون بكل حرية وبما يمليه عليهم ضميرهم المهني". وقال إن لجنة مراجعة الدستور لا تشكل استثناء من هذه القاعدة كما هو الحال بالنسبة للجنة الجهوية المتقدمة، إذ حددت هاتان اللجنتان بحرية كيفية اشتغالهما ومنهجية عملهما، كما أن أعضاءهما تدارسوا بحرية جميع القضايا التي ضمنوها أنفسهم جدول أعمالهم وحددوا بحرية خيارهم وموقفهم. وفي معرض تطرقه للعلاقات بين اللجنة والآلية السياسية للمتابعة، أوضح السيد عزيمان أنه في نهاية المطاف "كانت مساهمات التشكيلات السياسية والمركزيات النقابية هامة باعتبار أن هذه الهيئات تمكنت من تمرير عدة تعديلات والحصول على تحكيم ملكي لصالحها في العديد من القضايا". وقال " لا يمكنني إلا أن أعبر عن ارتياحي لسير العمل هذا. فقد كانت العملية تشاركية على نطاق واسع خلال كل فترة المسلسل. وكان انخراط الفاعلين السياسيين والإجتماعيين والاقتصاديين وفاعلي المجتمع المدني قويا جدا من البداية وحتى النهاية، مما يفسر التوافق الواسع السائد حاليا". وأضاف أن "المبادرة الملكية لإصلاح الدستور تجاوبت مع مطالب الشباب والرياح الثورية التي هبت على العالم العربي"، مشيرا إلى أن إصلاح الدستور يندرج ضمن روح العهد الجديد، وأن بعض الأحزاب السياسية كانت تطرح بين الفينة والاخرى هذه القضية خلال السنوات الأخيرة، وأن هيئة الإنصاف والمصالحة وضعت توصيات وافق عليها جلالة الملك، ويقترن إقرار بعضها بإصلاحات دستورية. وأشار في السياق ذاته إلى أن تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة جعل من مراجعة بعض المقتضيات الدستورية مفتاحا لتحقيق اللامركزية الديمقراطية، مبرزا أنه "تم الانصات لمطالب الشباب وجرى تفهمها، وجاءت مراجعة الدستور كاستجابة ملكية عظيمة لاعطاء نفس جديد لمسلسل دمقرطة وتحديث البلاد". وأكد، في هذا الاطار، أن "بعض أعضاء اللجنة كانوا على تواصل منتظم مع حركة 20 فبراير وكانوا يتابعون تطورها عن كثب"، مبرزا فضل الشبان في التحفيز على تجديد مضمون مشروع الدستور. وخلص إلى أنه "لذلك كان يتعين علينا تشريح دستور 1996 وبناء هندسة جديدة قادرة على استيعاب ليس فقط الإصلاحات والتغييرات ولكن أيضا رؤية مجددة ونفس ديمقراطي. وهو ما يعني أن الأمر أبعد من مجرد مراجعة دستورية بسيطة، بل يتعلق بدستور جديد ومجدد، يطبع تاريخ المملكة.