احتفى المشاركون في المهرجان الوطني للمسرح في دورته ال13، مساء أمس الإثنين، بالمسرحي بوسلهام الضعيف عبر حفل توقيع مسرحيته "مسك الليل" التي ألفها وأخرجها ثم أصدرها في كتاب. وكانت الفرقة المسرحية لجهة مكناس-تافيلالت قد قدمت مسرحية "مسك الليل"، التي صدرت مؤخرا ضمن منشورات "الشامات" عن دار (أنفو فرانس)، سنة 2001 إلى جانب أعمال ركحية ناجحة ك"الخادمات"، و"رأس الحانوت" و"نعال الريح". ونجحت الفرقة آنذاك من خلال تشخيص فاطمة عاطف ولطيفة أحرار وفاطمة مستعد، في تجسيدها حيث شكلت حينها موضوعا جديدا في الأوساط المسرحية لما تميزت به من اشتغال على المحكي واللغة واستحضار الماضي، بما يتلاءم والكتابة المسرحية وقناعات المخرج الذي اختار تلمس طريق إنصات المتلقي إلى هواجس دفينة محفورة في الذات المغربية. واعتبر الأستاذ الباحث يونس الوليدي في تقديمه لمسرحية "مسك الليل" بحضور ضيوف المهرجان وعدد من الباحثين والمهتمين بأب الفنون، أن المسرحية "متميزة" خاصة وأنها طرحت موضوعا اعتبره الكثيرون "غريبا وجديدا" يتمثل في محاكمة ثلاث بنات لأبيهن المتوفى ومن خلاله للماضي والأفكار والتقاليد البالية. وأبرز أن أهمية النص تكمن، أيضا، في كون مخرج شاب كبوسلهام الضعيف كتب نصه وجعل منه مشروعا مفتوحا ليس فقط للقارئ بل حتى للمخرجين المسرحيين الذين فسح لهم المجال لإعادة إخراجه بطريقتهم الخاصة ومن زوايا مختلفة. وأضاف الأستاذ الوليدي أن المخرج بوسلهام الضعيف النخبوي في أعماله، متمرد على مجموعة من القواعد في كتابة النصوص المسرحية لذلك جاء عنوان مسرحيته "مسك الليل" مناقضا تماما لمضمون المسرحية المتسمة بجانب كبير من لغة العبث والسوداوية، لكن أيضا بمتعة القراءة ولذة العرض. وأشار في السياق ذاته إلى أن النص المكتوب يعطي أيضا للدارسين والباحثين والنقاد إمكانية قراءته من زوايا متعددة، معتبرا أن العروض المسرحية يواكبها النقد خلافا للنصوص التي تحتاج إلى الوقت لذلك تكون كتابتها فرصة متميزة للعودة إليها وقراءتها بآليات نقدية. من جانبه اعتبر بوسلهام الضعيف أن إصدار نص "مسك الليل" يأتي من باب الحفاظ على ذاكرة مسرح "الشامات" وتوثيق أعماله وخلق علاقة أخرى مع جمهور المسرح على اعتبار أن هناك قصور في الاهتمام بالنص المسرحي في المغرب ونشره. ومن جانب آخر، أوضح الضعيف أن "مسك الليل" تلك النبتة الجميلة التي لا تعطي الرائحة إلا بحلول الليل، تمثل ذلك البوح بالمكنونات وتلك الأصوات التي لا تنطلق إلا في وقت الأزمة للتعبير عما بالدواخل، مشيرا إلى أن المسرحية تعبر عن علاقة المغاربة بالماضي، وعلى بكائيتهم على هذا الماضي والعلاقة مع "الأب الرمزي" والمجتمع الذكوري ومحاكمته. وتحكي مسرحية "مسك الليل" قصة أربع أخوات طردهن الأب في فجر بارد، فعدن بعد عشر سنوات، إلا الأخت الصغرى، ليحكين لوالدهن عن معاناتهن بعيدا عن البيت، لكنهن وجدنه قد توفي للتو تاركا رائحة الموت منتشرة في المكان، إضافة إلى رائحة قديمة أيقظت ذاكرة الماضي التي تسكنهن. وتحاول المسرحية أن تستفز حواس المتلقي، لأن الحكاية ليست حكاية نساء عذبن من قبل أب متسلط، بل هو حديث عن مجتمع بأكمله يشتكي من علله، مجتمع علاقته بالماضي ملتبسة، إلى جانب إثارة المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمعات الذكورية، والمشاكل التي تعرفها المجتمعات العربية التي مازالت تحت رحمة أغلال هذا النزوع. وقد فازت مسرحية "مسك الليل" بجائزة النقاد المصريين كأحسن نص مسرحي عربي في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الدولي سنة 2001، كما صور العرض في القاهرة. وحاز بوسلهام الضعيف على مجموعة من الجوائز منها الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح بمكناس عن مسرحية "رأس الحانوت"، وجائزة أحسن إخراج في المهرجان الوطني الثاني للمسرح بمكناس عن مسرحية "نعال الريح".