أكد الوزير الأول السيد عباس الفاسي، اليوم الأربعاء بباليرمو، أن الوقت قد حان لتحديد هدف أكثر طموحا يتجاوز إرساء منطقة للتبادل الحر في الفضاء الأورو متوسطي. وقال السيد عباس الفاسي، في كلمة له خلال الأيام الدراسية حول الشراكة الأورو-متوسطية، المنظمة من طرف الحزب الشعبي الأوروبي بالبرلمان الأوروبي بباليرمو من 4 إلى 6 ماي الجاري ، إن "الفضاء الأورومتوسطي قد بلغ اليوم، نسبة من الاندماج التجاري والالتقائية القانونية لدرجة أنه حان الوقت لكي نحدد هدفا أكثر طموحا يتجاوز إرساء منطقة للتبادل الحر". وأضاف في تدخله ضمن المحور الأول من هذه الأيام الدراسية والمتعلق ب`"إعادة بناء شراكة قوية في منطقة المتوسط : رد على الأزمة في العالم العربي وشمال إفريقيا"، أن الغاية الطموحة تتمثل في خلق فضاء اقتصادي مشترك، مستوحى من القواعد والمساطر التي تضبط الفضاء الاقتصادي الأوروبي. وأشار إلى أن "النمو المطرد للمهن الجديدة كالخدمات عن بعد، تعبر عن مؤهلات التكامل بين الاقتصاديات الأورومتوسطية، لدرجة أن مفهوم الترحيل قد أصبح متجاوزا بالنسبة للواقع الاقتصادي الأورومتوسطي". ويتعلق الأمر في الوقع ، حسب الوزير الأول، بإعادة الانتشار داخل نفس الفضاء الاقتصادي، وبالتآزر بين اقتصاديات تخضع لنفس القواعد والمعايير وتتنامى في نفس المحيط القانوني. وشدد على أن هدف إقامة حوض المتوسط كقطب تنافسي وجذاب، يمر كذلك عبر إدخال ملائم لاقتصاديات الضفة الجنوبية في استراتيجية لشبونة، وتصور متوسطي بديل للسياسة الفلاحية المشتركة، والعمل على توسيع بعض السياسات القطاعية المشتركة المعمول بها في إطار البحث التنموي واقتصاد المعرفة، وإعداد أنشطة متشاور بشأنها في مجال الطاقة، وإطلاق مشاريع جهوية في مجال النقل والتنمية المستديمة. وفي نفس السياق، اعتبر السيد الفاسي أن المعطى البيئي، فضلا عن جوانبه الإنسانية، يجب أن يؤخذ في امتداداته الاقتصادية والديموغرافية، بل وحتى الأمنية، ذلك أن المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية أمر واقع، وتداعياتها أصبحت مؤثرة في المردودية الفلاحية ، وفي الحركات البشرية، وفي الأداءات الاقتصادية بصفة شمولية. كما أبرز أن التعمير السريع، لاسيما في المناطق الساحلية، والزيادة القوية المرتقبة للسياحة، تتطلبان أعمالا حازمة وآليات تدبير تشاوري وتضامني للمعطى البيئي في حضيرة الفضاء الأورومتوسطي. وفيما يتعلق بالبعد البشري، أكد الوزير الأول أنه يتعين معالجة معطى الهجرة وفق مقاربة تشاركية، على قدم المساواة بين بلدان الأصل والعبور والاتجاه، وترتكز على المسؤولية المتقاسمة والتضامن والتنمية المشتركة. وأضاف أن الغاية من ذلك تتمثل في تصور سياسة للهجرة تستهدف في نفس الوقت، دعم النمو الاقتصادي وتصحيح الفوارق الديمغرافية، مشددا على أن هذه السياسة ينبغي أن تدخل لزوما مراقبة الحدود ومحاربة الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر. واعتبر في هذا السياق أنه بهذه الوسيلة سيمكن إفشال ردود انقباض الهوية أو الانغلاق الطائفي، وتمكين الهجرة في النهاية، من بناء جسور بين الثقافات وتجميع رأسمال بشري مفيد للجميع. وفيما يخص البعد الثقافي، قال إن "عملنا الجماعي ينبغي في نفس الوقت، أن يستجيب لحاجة التربية وتحرر الفرد، وأن يعكس ضرورة مناهضة عدم التسامح وإنعاش احترام المعتقدات". وأشار في هذا الصدد، إلى أن الرهان يتمثل في معرفة تدبير تعددية الانتماء الثقافي، بمساعدة السكان المهاجرين على إيجاد توازن للهوية، بإدماج أبعاد جديدة للجذور الأصلية للمهاجر، وهذا ما يعني بناء نظام ثقافي يجمع في نفس الوقت، الخصوصية والكونية. وأضاف أنه في عالم يتسم ببروز قدرات علمية وتكنولوجية جديدة، فإن إقامة فضاء أورومتوسطي للبحث أمر أساسي لإنعاش اقتصاد الإبداع، معتبرا أن استثمار الرأسمال البشري الذي يعد أساس التنمية، لابد أن يمر عبر سياسات تربوية ناجعة وتعليم عال ذي جودة. وعبر في هذا الصدد، عن عزم المغرب على بلورة مشروع جامعة أورومتوسطية بفاس، كموجه لحركية الطلبة والباحثين والأفكار، مؤكدا أنه بالموازاة مع ذلك "يتعين إنعاش توأمات افتراضية بين مدارسنا وثانوياتنا، لتمكين شبابنا وفتياننا من تقاسم المعرفة والانفتاح على الثقافات الأخرى". من جهة أخرى، أكد السيد الفاسي أن الحركات الكبرى التي تشهدها البلدان العربية منذ بداية هذه السنة، تحمل آمالا عريضة في مُواطن متجدد، وتطلع ديمقراطي، وانفتاح اقتصادي وتنمية بشرية، وتؤكد أن المجتمعات العربية هي كذلك في حاجة إلى انفتاح اقتصادي بقدر ما هي في حاجة إلى ديمقراطية سياسية، مضيفا في هذا السياق أن هذه القفزة الرائعة التي تعيشها المنطقة يتعين دعمها ومساعدتها وتشجيعها بمقاربة تشاركية أكثر تبصرا، وأكثر طموحا، وأكثر تضامنا. لكن هذا الطموح الذي نرغب فيه، يشدد الوزير الأول، لايمكن تحقيقه دون إحلال مناخ للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة، الذي يبقى رهينا بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية التي لايرى المغرب أي بديل لها إلا بإحداث دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وتتمتع بالسيادة على مجموع أراضيها بالضفة الغربية وغزة، بعاصمتها القدس. وأكد على أن الانطلاقة الحقيقية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية تمر بالضرورة عبر احترام مبادئ الشرعية الدولية، ومقررات مجلس الأمن، والمبادرة العربية للسلام، مذكرا في هذا الصدد بجهود المغرب من أجل الحفاظ على النظام القانوني للقدس وأماكنها المقدسة، لاسيما المسجد الأقصى. على صعيد آخر، اعتبر السيد عباس الفاسي أن حوض المتوسط مطالب بتنمية تعاون مدعم على الصعيد الإقليمي، لاسيما على مستوى اتحاد المغرب العربي. وفي هذا السياق جدد التأكيد على التزام المغرب بانطلاقة صادقة وجادة للبناء المغاربي ولبناء مستقبل مشترك يرتكز على احترام السيادة والوحدة الترابية للدول، وعلى حسن الجوار، داعيا الأطراف الأخرى إلى الاستجابة لنداءات مجلس الأمن وللالتزام لصالح تسوية سياسية للنزاع المفتعل المتعلق بالوحدته الترابية للمملكة على أساس حكم ذاتي موسع لجهة الصحراء. ويتضمن برنامج هذه الأيام الدراسية بحث عدد من المواضيع من بينها "المقاولات الصغرى والمتوسطة، المقاولون الشباب والخدمات : النسيج الاجتماعي للمتوسط "، و"منطقة المتوسط والأمن : دور الاتحاد الأوروبي" ،و"التعاون القضائي، محاربة الجريمة المنظمة، وتبييض الأموال وترويج المخدرات" ،و"المتوسط والبيئة : دور الاتحاد الأوروبي". وسيقوم بتنشيط هذه الندوات مجموعة من المتدخلين من البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية والحكومة الإيطالية والحكومة المستقلة لصقلية والبلدان المشاركة.