فتحت المملكة العربية السعودية باب عصر اقتصادي جديد مبنى على التنوع والمعرفة، بعد إطلاق جامعة الملك سعود صناعة السيارات بشكل تجاري خلال ثلاث سنوات من الآن. وبدأت قصة هذه الصناعة في مؤتمر صحفي كشف فيه مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله العثمان، في نهاية ديسمبر الماضي، عن سعي الجامعة، عبر ذراعها الاستثمارية "شركة وادي الرياض للتقنية" برأس مال 100 مليون ريال، للدخول في صناعة السيارات بعد أن نجحت الجامعة، بجهودها الذاتية، في تصنيع النموذج الأول من السيارة السعودية الأولى "غزال " وعرضت في (معرض جنيف الدولي) فكانت محل إعجاب القدرات العربية العلمية الشابة في التصميم والتصنيع، والحصول على براءات اختراع في قطع منها. إثرها أكدت جامعة الملك سعود جديتها في هذا المجال بتأسيسها شركة سعودية للسيارات برأسمال 500 مليون دولار لإقامة مصنع يتم تنفيذه خلال ثلاث سنوات من الآن لتصنيع سيارة "غزال" سيدان (1) من الفئة الاقتصادية لتناسب احتياجات المملكة ودول الخليج العربية ودول شمال إفريقيا والمنطقة العربية، لتكون السيارة الاقتصادية الجديدة بسعر يتراوح ما بين 35 ألف إلى 45 ألف ريال وتتسع لخمسة ركاب. وفي خطوات متلاحقة، أعلنت جامعة الملك سعود تأسيس شركة (غزال لصناعة السيارات وقطع الغيار) حددت رأسمالها وإسهامها فيها بنسبة 15 بالمائة من رأسمالها من خلال ذراعها الاستثمارية "شركة وادي الرياض للتقنية القابضة" إلى جانب مساهمة شركة (ديجم) الكورية لصناعة السيارات الكورية بنسبة 30 بالمائة لتترك الفرصة متاحة للمستثمرين للمساهمة في رأسمال الشركة الجديدة. ولم يمض يومان حتى بادر مستثمر سعودي واحد بتغطية 55 بالمائة من رأسمال الشركة ليدخل شريكا مؤسسا في الشركة الجديدة، وهو الأمر الذي كان محل ثقة المستثمرين بجدوى هذا المشروع ودعمهم له. وأعلنت الشركة الجديدة من خلال الشركاء الثلاثة المؤسسين ل`(شركة غزال) فتح الباب أمام جميع الصناديق الحكومية الراغبة في الدخول في الشركة الجديدة عن طريق الاستثمار في حصة معينة لا تتجاوز 10 بالمائة للصناديق الراغبة وتنازلهم من حصصهم القائمة لهذه الصناديق، فيما كشف المؤسسون النقاب عن أنه ليس من المستبعد طرح الشركة بعد قيام المصنع وإنتاج السيارات بشكل تجاري في اكتتاب عام بعد عدة سنوات. وأوضح مدير جامعة الملك سعود كيف نجحت الجامعة في الدخول إلى معترك الصناعة المتقدمة من خلال صناعة السيارات بنسبة مكون محلي وبراءات اختراع مرتفع استفادت مما تحقق في النموذج الأول (غزال 1) عن طريق طرح فئة جديدة من السيارات الاقتصادية المناسبة للأجواء في المملكة ومنطقة الخليج والمنطقة العربية في مسعى منها "لتوطين التقنية والاقتصاد القائم على المعرفة". واعتبر توقيع الاتفاقية بمثابة المرحلة الثالثة من مشروع صناعة سيارة (غزال) في المملكة، ونقلة نوعية لصناعة السيارات في المملكة، معبرا عن فخر كل جامعة عربية بريادتها على مستوى البحث العلمي القائم على طرح براءات اختراع يمكن الاستفادة منها في مجالات صناعية عديدة، وهو ما تم في النموذج الأول الذي بنيت (غزال سيدان 1) الاقتصادية عليه. وبذات الجدية، أعلنت هيئة المدن الصناعية والتقنية "مدن" بالمملكة العربية السعودية عن تخصيص نحو مليون متر مربع لإقامة مشروع (شركة غزال لصناعة السيارات وقطع الغيار) في إحدى المدن الصناعية القائمة بالمملكة. وبتوقيع جامعة الملك سعود على تأسيس هذه الشركة الجديدة بات بمقدورها، من خلال شركتها القابضة "وادي الرياض للتقنية"، الحصول على قروض من صندوق التنمية الصناعية في الفترة القادمة، وكذلك التوسع في صناعة قطع الغيار للسيارات التي تعد السوق السعودية سوقا رائجة لها. وكالة الأنباء السعودية (واس) استطلعت البداية الأولى لمشروع السيارة، فالتقت رئيس الفريق العلمي لمشروع غزال الدكتور سعيد درويش، حيث استعرضت معه قصة (غزال) التي تكاتف لانطلاقتها 55 شابا سعوديا جامعيا في تخصصات متعددة عكفوا، بكل إرادة، على تحقيق الإنجاز باستخدام أحدث الأساليب الفنية والعلمية للصناعة عن طريق الاستفادة من إدخال الأذرع الآلية وإجراء الحسابات الفنية عبر السوبر كمبيوتر واستخدام الماسحات الرقمية وتقنيتها لتصميم النماذج حتى حققوا هذا النجاح. أما التطوير فقال عنه "إن مشروع تطوير السيارة بدأ منذ نحو عامين وانتهى في يونيو 2010 ليدخل مرحلته الجديدة بطرح (غزال سيدان 1)، وتم البناء على ما تحقق في النموذج الأول لسيارة غزال عن طريق الاستعانة باستشاري أجنبي، وكان الهدف هو بناء سيارة اقتصادية مطابقة لمواصفات الأمان الأوروبية لتكون عملية واقتصادية ومحققة للكثير من متطلبات الأمان، وتم اختبار النموذج الأولي للسيارة مئات الاختبارات بالمعايير الأوروبية إلى أن تمكن النموذج من تجاوز تلك المعايير والاختبارات التي تضمنت إجراء الحسابات والتصاميم حتى يمكن تجاوز المعايير في صناعة السيارات ليتم في مرحلة لاحقة الاعتماد على القدرات الذاتية وهي مرحلة متقدمة". وأكد أن التصميم الشكلي للسيارة الاقتصادية (غزال سيدان) جديد كليا، حيث لم يسبق طرح التصميم من قبل الشركات المصنعة إذ روعي فيه "الربط بين معنى اسم غزال ومسماها"، لافتا النظر إلى أنه تم الانتهاء من التصميم الخارجي للسيارة الاقتصادية والانتهاء بين 60 إلى 70 بالمائة من حسابات التصميم للسيارة الجديدة بقدرات ذاتية ودون الحاجة للاستشاري الأجنبي. وبرؤية سيارة غزال، يتضح ما تم إنجازه من تصميم خارجي وتصميم داخلي ثمرة لاختبارات خاصة بالسلامة والعوامل الإنسانية تمثل 60 بالمائة من إجمالي مهام تصميم السيارة الكاملة، فيما تم أيضا إجراء اختبارات مقاومة الهواء والدينامية والحرارية والهندسية بشكل عام. وكان ضمن مشروع غزال مجموعة من المصممين المحترفين الذين قدموا عدة تصاميم مختلفة، وتم اختيار النموذج المصمم عن طريق الاستعانة بتقييم خبير عالمي دون الاستعانة بشريك خارجي إلى أن تم التوصل إلى الشكل النهائي. وأوضح الدكتور سعيد درويش أنه تمت مراعاة أن تكون السيارة متعددة الاستخدامات ومتوافقة مع تعدد الاستخدامات وتتسع لخمسة ركاب. وأثنى على عطاء الشباب العربي السعودي، مبينا أن من قام بتصميم السيارة هم مجموعة من المصممين الشباب الذين لديهم دراية بما يلبي متطلبات الأسرة السعودية والشباب السعودي والعربي في السيارات الموجودة في السوق. وعن المكون المحلي المستخدم في صناعة السيارة الاقتصادية سواء من المواد الخام أو المواد المصنعة محليا بجهود ذاتيه، أوضح أن "المحرك سيكون ذو تصميم وإنتاج سعودي" عن طريق نقل التقنية والعمل على إنتاج سلسلة محركات يمكن أن تعمل في داخل أي طراز مستقبلي، وقال "تم في المرحلة الأولى من غزال توفير تقنية تصنيع السيارات وفي المرحلة الثانية سيتم توفير تقنية تصنيع المحركات وهو ما سيفتح آفاق صناعات كثيرة مستقبلا". وركز رئيس الفريق العلمي لمشروع غزال في حديثه عن المواصفات الفنية على أنه تم اعتماد متطلبات السيارة الاقتصادية في حجم المحرك وسعته ونسبة الاستخدام الأكثر بين السيارات من ذات الفئة وناقل الحركة. وأضاف أن المشروع "يسير في خطين متوازيين، الأول يتضمن إنشاء المصنع الذي سيستغرق ثلاث أعوام تقريبا وخلال هذه السنوات الثلاث سيتم افتتاح المصانع التي ستغذي المصنع ومتطلبات إنتاج السيارة لتكون البنية التحتية جاهزة للإنتاج قبيل افتتاح المصنع وبدئه في العمل التجاري". وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الصناعات المحلية القائمة في مجال تصنيع قطع غيار السيارات بالمملكة العربية السعودية، وهي صناعات قائمة وتنتج مثل فحمات الفرامل والإطارات والزجاج وصناعات البلاستيك التي ستوفرها شركة سابك وصناعة المحاور ونقل الحركة وصناعة السيور والكابلات والقطع الالكترونية وغيرها من الصناعات الخفيفة التي تدخل في صناعة السيارات، وستكون تلك القطع المصنعة مطابقة للمواصفات المعمول بها في السيارة. وقال الدكتور درويش إنه سيتم توضيح المواصفات الفنية والمعايير الخاصة بالسلامة لأي قطعة تدخل في صناعة السيارة "غزال" وفحصها عبر الكمبيوتر لضمان مطابقتها لمعايير السلامة، وبالتالي عدم السماح لأي قطعة في صناعة السيارة غير مطابقة للمواصفات الفنية. كما أن أي عملية ربط أو لحام أو لصق في السيارة سيتم عبر حسابات خاصة قامت بها مجموعة العمل قبل الإنتاج التجاري، وهو ما سيضمن، بمشيئة الله، الإنتاج وجودة المنتج. ورسم رؤية مستقبلية لعمليات الإنتاج بطريقة آلية عبر الإنسان الآلي والأذرع الآلية ليتم الإنتاج الفعلي للمصنع بعد الانتهاء من الخطة النهائية للمشروع حيث سيتم الانتهاء من بناء المصنع عام 2013م أو بداية عام 2014م. وقال "إن فريق العمل سيستفيد مما تحقق في المشروع الأول من خلال تصميم خط إنتاج يقوم بتجميع القطع المصنعة بجهود ذاتية وتركيبها في السيارة فيما حصل خط الإنتاج المحلي الصنع على موافقة من شركة رينو الفرنسية لصناعة السيارات وتم اعتماده وتصنيفه بدرجة احترافية". وألمح إلى أن فريق عمل المشروع قام بتصميم ومحاكاة الأذرع الآلية والإنسان الآلي المستخدم في خط الإنتاج وإنتاجه عن طريق مصادر محلية وهو ما دعا الشركة الأجنبية المصنعة له إلى تخفيض سعر الربوت الآلي إلى أكثر من نصف سعره بعد نجاح الفريق العلمي في نقل تقنيته وإنتاجه محليا وهو من بين مزايا الاقتصاد المعرفي وإجراء الحسابات الفنية الخاصة بذلك الأمر الذي وفر على الفريق القائم على المشروع الكثير من الجهد والمال. وأفاد أنه "تم تأمين المعالج الخاص بإجراء الحسابات وهو من نوع السوبر كمبيوتر بقدرات فائقة حيث حققوا تقدما تقنيا على بعض دول أوروبا في هذا المجال ومكن من إجراء الحسابات الخاصة بالمشروع داخل المملكة" بحيث لا يمكن تركيب أي مسمار أو قطعة أو مكون للسيارة دون إجراء حسابات فنية للمطابقة والتأكد من المواصفات. وأكد أن الأهم في المشروع هو وجود الإرادة والإقبال على الدخول في معترك التحديات والعمل الجاد مشددا على أن تلك الرغبات مجتمعة موجودة لدى المؤسسات العلمية الأكاديمية العربية والسعودية خاصة ومنها جامعة الملك سعود ممثلة في شركة "وادي الرياض للتقنية" وموجودة لدى فريق العمل. وبين أن سيارة (غزال) الاقتصادية وما سيتبعها من طرازات مختلفة ستكون، إن شاء الله، "نموذجا للإرادة العربية القائمة على العلم والمعرفة التي تجد بيئة عمل مناسبة لتبدع طاقات الشباب العربي من مهندسين وفنيين". ورأى أن الإمكانيات لوحدها لا يمكن أن تقوم بعمل مبدع كصناعة سيارة وما يتطلبه ذلك من عمليات نقل للتقنية وتوطينها وإقامة صناعة رديفة لها ما لم تكن هناك إرادة حقيقية للنجاح وهو ما توفر للجامعة وفريق عمل غزال بدعم من قيادة حكيمة ذات رؤية طموحة. وبين أن الأجمل في سيارة (غزال) أنه يمكن تخصيص طرازات منها لاستخدامات عديدة في قطاعات مختلفة، مشيرا إلى أن من أهداف إنشاء مركز التصنيع بجامعة الملك سعود بالرياض إعداد المملكة العربية السعودية لتكون منافسا صناعيا لدول كبرى وناشئة لأن الصناعات المنتجة عبره ستكون صناعات قائمة على المعرفة والتقنية وامتلاك قدرات "التصنيع الرقمي" التي تختزل الكثير من الجهد والوقت لإنتاج أي منتج والاستفادة من قدرات "الناسخ الرقمي" لصناعة أي قطعة مطلوبة حتى ولو كانت معقدة عن طريق إدخال حساباتها إلى الكمبيوتر الذي يقوم بإجراء الحسابات ومن ثم تحويلها فيما بعد إلى قطعة مصنعة. تجدر الإشارة إلى أن الجدوى الاقتصادية التي قام بها فريق العمل بمشروع غزال قد أثبتت في نسختها الأولية نجاح المشروع لعدة أسباب من بينها الطاقة الرخيصة ومناسبة الأجور للأيدي العاملة مقارنة بالدول الأخرى ووجود بنية تحتية بالمملكة تفوق نظيراتها في الدول الأخرى. وتجولت وكالة الأنباء السعودية في أقسام فريق العمل واطلعت على العديد من الأعمال التي يقومون بها خاصة في أقسام الدراسات والحسابات والتصاميم الداخلية للسيارة ووجدت فريقا متجانسا حمل شعار التحدي وإثبات الذات والعمل على اكتساب المزيد من الخبرة وتوظيفها، ويتطلع إلى إقامة المصنع السعودي الأول لإنتاج أول سيارة سعودية في غضون ثلاثة أعوام من الآن. ولمست (واس) الطموح والحماس لدى فريق عمل السيارة (غزال) رغم أن ما يقومون به ليس صناعة عادية، وتطلعهم لجعل المملكة العربية السعودية مستقبلا منافسة لدول صناعية كبيرة في هذا المجال. وينتظر السعوديون أن تجوب أولى سيارات (غزال) التجارية شوارع ومدن ومناطق المملكة بمشيئة الله في نهاية عام 2013 أو مطلع عام 2014 حسب البرنامج الزمني المرسوم.