سبق للملحقة الثقافية السعودية بالمغرب أن نظمت أسابيع علمية ثقافية مشتركة بكل من جامعة شعيب الدكالي بالجديدة ومحمد الأول بوجدة والقاضي عياض بمراكش وعبد المالك السعدي بتطوان، إلا أن اختيار إشرافها على تنظيم أسبوع مماثل بجامعة الأخوين بإفران كانت له خصوصيته المتميزة في أن وضع عنوانا جيدا للعلاقات التاريخية المتينة التي تجمع بين البلدين الشقيقين المغربي السعودي، ذلك من حيث أن جامعة الأخوين تبقى تلك الشاهدة الأخرى على الروابط الأخوية التي كانت تجمع بين الراحلين الملك الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز، وقد سميت ب «الأخوين» نسبة لهذين الملكين، وتعتبر هذه الجامعة، التي أنشئت بموجب ظهير ملكي عام 1992 وافتتحت رسميا في منتصف يناير 1995، من أشهر الجامعات في المملكة، وكما أنها تتميز بنظامها الأكاديمي الأنجلو ساكسوني، فهي توفر لطلابها وطالباتها كل وسائل التعليم العالي الذي يتماشى والتطورات العالمية المتلاحقة على مستوى العلم والمعرفة، ومستواها اليوم يضاهي معظم الجامعات العالمية، ويذكر أن الأمريكية جوليانا فورمان كانت أول طالبة حصلت على ماسترز من جامعة الأخوين، هنا بهذه الجامعة انطلقت فعاليات الأسبوع العلمي والثقافي السعودي المغربي المشترك، المنظم من طرف الملحقية الثقافية السعودية بشراكة مع جامعة الأخوين، في إطار مذكرة للتعاون العلمي والتعليمي موقعة بين المملكتين في الخامس من يناير الماضي، وقد حضر افتتاح هذه التظاهرة العلمية نائب وزير التعليم العالي السعودي، الدكتور علي بن سليمان العطية، ووزير التربية الوطنية والتعليم والعالي وتكوين الأطر المغربي، أحمد اخشيشن، وسفير المملكة العربية السعودية، محمد بن عبد الرحمن البشر، ورئيس جامعة الأخوين، إدريس اعويشة، فضلا عن الملحق الثقافي السعودي، عبد العزيز بن محمد الخنيزان، ومستشار وزارة التعليم العالي السعودية للمشاريع، مساعد السدحان، وعدد من الشخصيات من البلدين. وقد اختتم الأسبوع العلمي والثقافي السعودي المغربي المشترك بجلسة عمل مشتركة بين الطرفين السعودي والمغربي تلتها جولة حول المعالم السياحية لمدينة إفران والنواحي، ذلك بعد تواصله لمدة ثلاثة أيام، من الاثنين 12 إلى الأربعاء 14 أبريل الجاري، وتميزت هذه التظاهرة العلمية بمعرض للكتاب الجامعي السعودي، يفوق عدد عناوينه 500 عنوان، ومعرض لأشرطة وثائقية وصور جامعات في المملكة العربية السعودية. وضم الحدث العديد من الأنشطة التي شارك فيها عدد من الباحثين والأساتذة الجامعيين من المملكتين السعودية والمغربية، وانطلقت بعرض حول «التعليم العالي بالسعودية»، ثم محاضرة حول «الترجمة» وأخرى عن «الترجمة وقضايا التنمية» فندوة عن «التصحر وتحلية المياه» تناولت المستجدات والتقنيات الحديثة لتفعيل تبادل الخبرات المكتسبة من تجارب الدول والمنظمات العربية والإقليمية والعالمية، إلى جانب تنظيم محاضرة حول مبادرة عالمية للملك السعودي تتعلق ب«الحوار بين أتباع الأديان والثقافات»، كما اشتمل برنامج الأسبوع العلمي الثقافي على محاضرات عن الحاسب الآلي وعلومه ودوره في خدمة التنمية والأمن السيبراني، وأهمية هذه الوسائل التكنولوجية في مجال التربية والتعليم والحصول على المعرفة، وفي تقوية التفكير والبرهنة والإنتاج والتسيير الإداري، كما تميز الأسبوع بأمسية شعرية مشتركة بين الشاعرين السعودي الدكتور عبد الله بن سليم الرشيد، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمغربي عبد السلام الموسوي. إدريس اعويشة، رئيس جامعة الأخوين، لم يفته بالمناسبة اعتبار اللقاء مناسبة منحت قيمة مضافة قد تدفع بجامعة الأخوين نحو المزيد من الإشعاع على المستوى المعرفي، ومن التأصيل لثقافة الحوار الهادف، كما وصف ذات اللقاء بدليل آخر على عمق المشترك التاريخي بين المملكتين المغربية والسعودية، مركزا على الأهداف التي حدداها الملكان الراحلان لجامعة الأخوين، ومنها أساسا أن تكون حاضنة لمنتوج معرفي ذي جودة عالية منهجا وفلسفة وسلوكا، وملتقى للتسامح والتعايش بين مختلف الأديان والحضارات، وما عضوية هذه الجامعة في مجلس الإدارة لمركز الأندلس لحوار الأديان وتحالف الحضارات، ، يضيف إدريس اعويشة، إلا دليلا على هذا الانفتاح الذي ننشده جميعا، ولم يفت المتحدث التذكير بمركز آزرو للخدمات الاجتماعية والتنمية المحلية الذي تفضل الأمير عبدالعزيز بن فهد بتأسيسه. ومن جهته أبرز سفير المملكة العربية السعودية بالمغرب، محمد بن عبد الرحمن البشر، مدى حرص سفارة بلده على مد وتعزيز جسور التواصل والتجاوب البناء مع الاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وجلالة الملك محمد السادس لهذا القطاع الأكاديمي الحيوي، من أجل كسب رهان المعركة المفتوحة ضد التخلف والفقر والأمية، ليتوقف السفير السعودي بحديثه عن العلاقة القديمة التي تربط البلدين سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وقال بأن ما يميّز العلاقات التي تربط بين السعودية والمغرب هو أنها شراكة حقيقية، فالبلدان يتحاوران ويقرران معاً اتجاهات تعاونهما. أما نائب وزير التعليم العالي السعودي فقد دشن فعاليات التظاهرة بعرض شامل حول التعليم العالي في المملكة العربية السعودية، تطرق من خلاله لكل المراحل التي عرفت تطورا وتوسعا كبيرا على مستوى هذا القطاع بفضل الدعم الذي تقدمه الدولة السعودية، حيث انتقل عدد الجامعات من 8 جامعات إلى 24 جامعة في 86 محافظة تستقبل الطلبة والباحثين من مختلف التخصصات والعلوم والثقافات، ولم يفت الدكتور العطية التركيز على ما تمتاز به هذه الجامعات من مواصفات عالمية، قبل أن يتطرق المحاضر إلى ما تسعى إليه وزارة التعليم العالي بالسعودية من تغييرات لأجل هيكلة جديدة للجامعات تتماشى مع توجهات سوق العمل ومساعي الرفع من الكفاءات والمهارات الداخلية، مشيرا إلى الشراكات المبرمة بين وزارته ونظيراتها عبر مختلف بقاع العالم، وكيف يتم استثمار إنتاج البحث العلمي الجامعي مع المؤسسات العلمية الأجنبية وفق التغييرات والتحديات العالمية التي تقتضيها المنظومة التقنية والعلمية والحضارية المتقدمة، وأضاف الدكتور العطية بأن الوزارة لم تغفل جانب البحث العلمي حيث وضعت الوزارة مسابقة بين الجامعات وأنشأت مركز التميز بما يقارب 600 مليون ريال سعودي، وفي ذات السياق توقف نائب وزير التعليم السعودي عند نقاط أخرى مثل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وكيف كان عدد المبتعثين لا يتجاوز 2600 طالب مبتعث ليرتفع إلى أزيد من 40 ألف مبتعث جميعهم في تخصصات يحتاجها سوق العمل، قبل أن يتطرق لكيفية استقطاب الطلاب المتميزين، وواقع المدن الجامعية الجديدة، ومجمعات الكليات الجامعية، ورهانات الحكومة السعودية على تنمية وتطوير الكوادر المحلية وإعدادها لتتحمل مسؤوليتها. نائب وزير التعليم العالي السعودي، أشار إلى أن جميع مشاريع وزارة التعليم العالي بدأت بالإنشاء ومعظم الشركات المنفذة للمشاريع شركات سعودية والتصميم بأيد مهندسين سعوديين، بالإضافة إلى فريق استشاري من وزارة التعليم العالي يشرف على هذه الجامعات، كما أشار إلى أن التعليم الأهلي (التعليم الخاص) حظي أيضا بدعم الدولة من حيث تقديم القروض، ناهيك عن أن وزارة التعليم العالي تدفع ما نسبته 30 % من الرسوم الدراسية للطلاب الملتحقين في هذه الجامعات طالما تطبق الكليات بها المعايير الأكاديمية وتتوافق مخرجاتها مع سوق العمل بالمملكة، وأشار الدكتور العطية في ختام ورقته إلى حرص وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية على إنشاء أوقاف علمية بهدف الحفاظ على التمويل المادي الجامعي للبحث العلمي وانعكاس ذلك على تمكين الجامعات من تمويل ما تحتاج إليه من بحوث، قبل تقديم عرض مفصل، باستعمال الشاشة الضوئية، شرح من خلاله المهندس مساعد السدحان واقع الجامعات السعودية المشيدة والتي صدر قرار بإحداثها. وقد رفع الستار عن فعاليات الأسبوع العلمي الثقافي المشترك بكلمة لوزير التربية الوطنية والتعليم والعالي وتكوين الأطر المغربي، ذكر فيها بأواصر الأخوة والتعاون التي تربط السعودية بالمغرب على المستوى التعليمي، وبزيارات كان قد قام بها لأرض الحرمين الشريفين بغاية التوقيع على مذكرات واتفاقيات في مجال التعليم العالي، معتبرا مناسبة الأسبوع العلمي الثقافي المشترك فرصة لتبادل المعلومات والخبرات والمزيد من تقوية التعاون بين الشعبين الشقيقين. أما الملحق الثقافي السعودي فقد تناول في كلمته دور الملحقية الثقافية في مد جسور الثقافة والتواصل والعمل الأكاديمي بين المملكتين، وفي تمتين العلاقات الثقافية والعلمية بين المؤسسات التعليمية في كلا البلدين، وتوفير المناخات المناسبة لتبادل الخبرات المختلفة، ذلك إلى جانب مهمتها الأساسية في خدمة الطالب السعودي المتواجد بالمغرب، وقد برزت هذه الملحقية بفضل ما نظمته وتنظمه من أنشطة علمية وثقافية، وندوات وأيام دراسية وموائد مستديرة، على مستوى رحاب الجامعات المغربية، والإشراف على المشاركة السعودية بمعرض الدارالبيضاء للنشر والكتاب، فضلا عن مكتبتها العامة بالملحقية التي تعد من أبرز المكتبات الموجودة بالمغرب، وتحمل رفوفها المفتوحة ورصيدها الوثائقي أزيد من 90 ألف عنوان من كتب ومقالات ورسائل جامعية وكتب إلكترونية، وبذلك استطاعت أن تصبح من أهم المراكز البحثية التي يعتمد عليها الطلبة والباحثون في إنجاز بحوثهم ورسائلهم العلمية.