خصصت الدورة الثانية للقاءات المتوسطية حول السينما وحقوق الإنسان رابع نداوتها لموضوع حالات الاختفاء القسري في المنطقة المتوسطية للتأكيد على أن البحث عن الحقيقة يشكل حفظا للذاكرة ويضمن عدم تكرار ما جرى. وتناول المشاركون في هذه الندوة، التي نظمت عشية اليوم الجمعة برحاب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، موضوع الاختفاء القسري من خلال أربع تجارب قدمتها الجزائرية نصيرة ديتور واللبنانية وداد حلواني ومصطفى الريسوني من المغرب، ثم مانيل ريكسيس كورييلا من إسبانيا. وتوخت هذه الندوة تحديد الصعوبات التي تعوق البحث عن الحقيقة وحفظ الذاكرة وكذا استكشاف آفاق جديدة لمعالجة قضية الاختطاف القسري في المنطقة المتوسطية. وكانت البداية مع الجزائرية نصيرة ديتور مؤسسة تجمع عائلات المواطنين المفقودين في الجزائر الذي أنشئ سنة 1998، التي اختطف منها ابنها قبل نحو 14 سنة، بالسياق التاريخي لظاهرة الاختفاء القسري والمفقودين في الجزائر وبالكيفية التي تتعامل بها السلطات الجزائرية مع هذا الملف، وكيف كان الجزائريون يخافون الحديث عن هذا الموضوع، ويصعب عليهم تكوين لجنة أو جمعية تشتغل عليه. وأكدت أن ملف المفقودين لن يقفل لرفض السلطات الجزائرية الإجابة على تساؤلات عائلات المفقودين وكشف حقيقة ما جرى، منتقدة ميثاق السلم والمصالحة الذي تسعى السلطات إلى تطبيقه، وما تضمنه من مواد تمنع أسر المفقودين من تقديم شكاوى ضد المتورطين في هذه القضايا. وجاءت تجربة لبنان على لسان وداد حلواني عن لجنة أهالي المخطوفين في لبنان التي خطف زوجها في شتنبر 1982 بالعاصمة اللبنانية بيروت. وقد نجحت حلواني في توحيد أهالي المخطوفين ضمن هذا الإطار بالرغم من انتماءاتهم المختلفة ومن تعدد الجهات المسؤولة عن خطف أبنائهم. وحكت حلواني من خلال شريط وثائقي أعدته حول أوديت أديب سالم عن معاناة أهالي المفقودين والمخطوفين ببلادها، وعن أوديت التي توفيت بعد أزيد من عقدين في انتظار ابنيها ريشار وماري كريستين، في خيمة اعتصام أهالي المعتقلين والمخطوفين والمفقودين التي نصبت في حديقة جبران وسط بيروت. وقبل ذلك نوهت بتجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبترتيبه للقاءات المتوسطية حول السينما وحقوق الإنسان وغيره من اللقاءات مشيرة إلى التجربة المغربية تظل نقطة الضوء الوحيدة في الوطن العربي لمواجهة هذا الملف المقلق الذي يظل دون أي تعامل بجدية في أي من بلدان المنطقة. وتحدث النقيب مصطفى الريسوني بإسهاب عن التجربة المغربية في مجال حقوق الإنسان مشيرا إلى أن الاختفاء القسري لم يظهر إلا بعد الاستقلال، وما ترتب عنها من مآسي، ثم الكيفية التي عالج بها المغرب هذا الموضوع من خلال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة وجلسات الاستماع ثم إنصاف المختفين وتعويض ذويهم. وذكر بالعمل الذي قام به المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة واللجان المختصة التي تمكنت من استجلاء العديد من ملفات ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وتحديد عدد الذين مازالوا مجهولي المصير وباللقاءات التي عقدت في مقر المجلس حول هذا الموضوع وما تمخض عنها من قرارات وتوصيات وملتمسات. وقورنت التجارب العربية في مجال الاختفاء القسري بالتجربة الإسبانية، التي قال عنها مانيل ريسكيس كوربيلا أنه بدأت سنة 1936 واندلاع الحرب الأهلية بعد الانقلاب على النظام السائد في البلاد حينها، وقيام الديكتاتورية، مشيرا إلى أن هذه الفترة عرفت أزيد من 115 ألف حالة اختفاء كان وراءها كل أطراف الصراع التي سلكت أساليب إبادة في حق معارضيها. وأشار إلى أن هذا القمع الوحشي سيتمأسس عن طريق المجلس العسكري، لكن الاختفاءات ستتراجع في حين ستستمر الاغتيالات، إلى عودة الديمقراطية الذي كانت أولى قوانينها إصدار عفو شامل شكل خطوة نحو المصالحة الوطنية والتي كان لها أثر إيجابي على مستقبل إسبانيا، "التي مازال عليها القيام بالكثير فيما يتعلق بالأرشيف ومعرفة الذاكرة الوطنية". وكانت ندوة اليوم الثالث من فعاليات هذه اللقاءات التي سيسدل الستار عليها غدا السبت قد تمحورت حول "تعليم فتيات بالعالم القروي"، باعتباره حقا من حقوق الإنسان نصت عليه العديد من المواثيق الدولية وتشتغل عليه الكثير من المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وباعتباره عنصر فاعل في رقي الأمم وعامل أساسي وحاسم في التقدم الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.