في وقت تعكف فيه اللجنة الفرعية للإعلام والاتصال السمعي البصري، التابعة ل`(الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي) في تونس، على مناقشة مشروع "مجلة الصحافة والطباعة والنشر" (قانون الصحافة)، تتصاعد الانتقادات الموجهة لهذا المشروع، الذي يعتبر المهنيون أنه لا يفي بمتطلبات المرحلة الراهنة التي تعيشها تونس، وأنه يتضمن من الأحكام الزجرية أكثر مما يكفله من الضمانات لتحقيق حرية التعبير وحق الصحفي في الوصول إلى المعلومة، فضلا عن كونه يقوي سلطة الدولة على الإعلام ويكبل حرية الصحافة. ومن بين ملامح المشروع الجديد، إلغاء العمل بنظام التصريح لدى وزارة الداخلية لإصدار الصحف، وتعويضه بنظام التصريح لدى السلطة القضائية مع إضفاء الصبغة الآلية على التصريح حتى لا يبقى النشر رهينا بتسليم وصل عن التصريح من طرف الجهة المختصة. كما يتضمن المشروع، حسب رئيس اللجنة، رضا جنيح، إدراج أحكام خاصة ترمي إلى تكريس حق الصحافيين في الحصول على المعلومة من مصادرها ونشرها دون التعرض لأي شكل من أشكال المضايقة أو الضغوطات، مشيرا إلى أن النص تضمن كذلك أحكاما خاصة بالشفافية المالية بالنسبة للصحف الدورية ذات الصبغة الإخبارية الجامعة تفاديا لإمكانية سيطرة رؤوس أموال أجنبية عليها. وقال إنه تم أيضا في المشروع الجديد، مراجعة إجراءات تتبع جرائم الصحافة، من خلال إقرار إجراء الإحالة المباشرة وتخويل الجمعيات العاملة في مجال مناهضة جميع أشكال التمييز العرقي أو الجنسي أو الديني، بتحريك الدعوى ضد الجرائم المقترفة ضد فئة من الأشخاص بسبب انتمائهم إلى دين أو عرق أو جنس معين. كما تم إدراج أحكام خاصة بالعملية الانتخابية في مشروع قانون الصحافة الجديد، الذي من المنتظر أن يصدر في غضون أسابيع قليلة على شكل مرسوم قانون يوقعه الرئيس التونسي المؤقت، بالإضافة إلى تجريم استعمال بيوت العبادة للدعاية السياسية. واعتبر رضا جنيح أن المرحلة الجديدة التي تعيشها تونس أصبحت تتطلب مراجعة وإعداد نصوص جديدة تنظم المشهد الإعلامي بجميع أنماطه المكتوبة والمرئية والمسموعة لما لذلك من ارتباط وثيق بحرية التعبير والرأي التي لها أهمية قصوى في العملية الانتخابية. غير أن الصحفيين يوجهون انتقادات لأسلوب التعاطي مع مشروع القانون، مطالبين بتشريك المهنيين في صياغة القانون من أجل الأخذ في الاعتبار خصوصيات المهنة والإكراهات التي يواجهها الجسم الصحفي التونسي في هذه المرحلة الانتقالية. ويقول رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ناجي البغوري، الذي التقى الأسبوع الماضي ضمن وفد من النقابة، بالوزير الأول، الباجي قائد السبسي، إن النقابة تطالب ب`"توفير الضمانات اللازمة لتحقيق صحافة تعددية مستقلة"، معتبرا أن ملف الإعلام "لا يمكن أن يكون تحت إشراف الحكومة، لأن العمل الصحفي هو عمل مستقل وليس تابعا"، محذرا، في الآن ذاته، من محاولة من وصفهم ب`"قوى سياسية أو مالية استعمال الإعلام لصالحها". وأضاف البغوري أن وفد النقابة طرح خلال لقائه بالوزير الأول تصور النقابة للمشهد الإعلامي التونسي، خاصة ما يتعلق بمشروع قانون الصحافة الجديد، الذي قال إنه يجب أن يكون "مستجيبا لتطلعات أهل المهنة ومواكبا لمقتضيات المرحلة الجديدة التي دخلتها تونس". وأضاف أن قائد السبسي جدد، خلال هذا اللقاء، "تأكيده على دعمه لحرية الإعلام المهني والمحايد الذي يقوم بدوره وفق المعايير المطلوبة". وكانت حكومة الغنوشي الثانية المشكلة بعد سقوط النظام السابق، شكلت في شهر فبراير الماضي هيئة استشارية تحت اسم (لجنة إصلاح الإعلام والاتصال) برئاسة الصحفي التونسي كمال العبيدي، وتضم في عضويتها مهنيين ورجال قانون، وكلفت برصد المشهد الاعلامي التونسي وتطلعات العاملين بالقطاع وتقديم توصياتها للحكومة في أفق إعداد المشروع الجديد لمجلة الصحافة. وانتقد العبيدي، في لقاء عقد لمناقشة الموضوع، المشروع الذي تشتغل عليه اللجنة المنبثقة من الهيئة العاليا لحماية أهداف الثورة، لعدم إشراك أهل المهنة في إعداده "وهو ما يفسر، في نظره، طابعه الزجري وتضمنه لعقوبات تتجاوز في بعضها الأحكام التي تنص عليها المجلة الحالية (القانون)". ودعا الصحفيين إلى ضرورة "التحرك السريع" لتقديم مشروع قانون ينبع من الأسرة الإعلامية نفسها وذلك قبل أن تصادق الحكومة المؤقتة على مشروع اللجنة الفرعية للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة0. وقال إنه يتوجب على أهل المهنة ومنظمات المجتمع المدني المدافعين عن حرية التعبير، التحرك في اتجاه صياغة قانون "متطورة يكرس حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة ويتيح له النفاذ إلى مصدر الخبر"، محذرا من أن الصحافة التونسية سوف تجد نفسها "تتراجع إلى الوراء وسيدفع الصحافيون إلى السجون بسبب كتاباتهم ومواقفهم". وخلال نفس اللقاء، قالت القاضية كلثوم كنو باعتبارها عضوا في اللجنة أن نصف الفصول المتضمنة في المشروع الجديد لمجلة الصحافة تتحدث عن العقوبات، واعتبرت أن الأمر "يبعث على الاستغراب ويثير كثيرا من الريبة حول النظرة للإعلام ككل في تونس"، قبل أن تتساءل عن أسباب تخصيص باب كامل في المشروع الذي يجري إعداده "لتجنيح كتابات الصحفي"، وكذا عن الجدوى من ربط الحصول على ترخيص إصدار وسيلة إعلام من وكيل جمهورية عوضا عن وزارة الداخلية. من جانبه يرى المحامي محمد عبو أن المشروع الجديد "لا يستجب لتطلعات أهل المهنة في تونس لكونه جاء مكبلا بفصول زجرية لا طائل منها". وخرج المشاركون في هذا اللقاء بجملة من المقترحات تشدد على ضرورة صياغة قانون جديد للصحافة "يحمي الصحفي لا إلى قانون يجرم ممارساته، قانون خارجا عن نسق التطور الذي تعيشه تونس"، كما جاء في خلاصات النقاش.