هل تستلزم الإعاقة تكفلا مدى الحياة، أم يمكن اعتبارها حالة تخفي وراءها إمكانات لا تنتظر إلا الإيقاظ والتحفيز والتثمين داخل المجتمع ... وتبقى الإعاقة، التي غالبا ما يرتبط مجالها بمفهوم التطوع والمساعدة الاجتماعية، رديفا للإقصاء في ما يتعلق بالتعليم والولوج إلى المؤسسات والاندماج المهني. ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة للشخص المعاق هو المساهمة الكاملة في الحياة الاجتماعية، وهو ما يجعل الإعاقة في جزء غير يسير منها إشكالية تقبل مجتمعي، ويثير في حد ذاته قلق شريحة هامة من الساكنة تخوض معركتها لانتزاع المساواة والاندماج. ومن هذه الزاوية، يفترض مقاربة القضايا المرتبطة بالإعاقة في الإطار الشمولي للتنمية البشرية، بتركيز الجهود على الإدماج المجتمعي وصون الحقوق الإنسانية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. إن ذوي الاحتياجات الخاصة أو "المعاقين"، كما هو متداول على نطاق واسع، متميزون بأدائهم، سواء على المستوى الرياضي أو الثقافي أو السيوسيو-اقتصادي، ويستحقون ما هو أكبر من النظرة الدونية التي ما يزال المجتمع مستمرا في تبنيها تجاههم. +الإعاقة في المغرب.. متى يكرس الاعتراف بإسهام ذوي الاحتياجات الخاصة ...?+ لا مناص اليوم من تشجيع مقاربة جديدة تجاه هذا المكون المجتمعي.. من المؤكد أن السياسات العمومية تندرج في التصور الجريء للنهوض بوضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، بيد أنها تظل غير كافية من أجل إقرار وصون حقوق ومصالح الأشخاص المعاقين، في إطار مندمج ومستديم. فإذا كانت إنجازات الرياضيين تتيح لأصحابها تبوء مراتب الشهرة والنجومية، فإن ما يحققه الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة من إنجازات يمر، في غالب الأحيان، في صمت يصل حد التجاهل. وهو ما يستدعي القيام بتحركات ومبادرات من أجل القطع مع هذه العقلية المجحفة تجاه المعاقين، وهو بالتحديد ما يسعى إلى تكريسه اليوم الوطني للأشخاص المعاقين (30 مارس)، رغم أن يوما واحدا لا يكفي للتذكير بضرورة إعادة إدماج كامل وشامل لهذه الفئة. ++تحسين الظروف الأساسية من أجل تكفل أفضل بالمعاقين ++ إذا كانت الوقاية من الإعاقة مرتبطة أساسا بمجموعة من السياسات القطاعية، فإن مكانة وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، يبقى محوريا ضمن هذا الجهد، إذ تسعى في أبرز مهامها إلى تحسين الظروف الأساسية من أجل تكفل أمثل بالإعاقة وتفعيل مبادرات وبرامج لفائدة هذه الفئة. وهكذا فإن عددا من المبادرات الهامة ذات الوقع الملموس تجاه هذه الفئة تم إطلاقها في إطار مقاربة تشاركية وبشراكة مع المجتمع المدني، وشملت عددا من الفاعلين بمختلف جهات المغرب. منذ المصادقة على الاتفاقية الدولية من طرف المغرب في مارس 2007، تم تعيين الوزارة كنقطة للاتصال والتنسيق حول القضايا المرتبطة بتطبيق هذه الاتفاقية وكذا تنسيق أشغال اللجنة الوزارية المكلفة بالتتبع. وفي هذا السياق، عملت الوزارة على بلورة مشروع قانون يعزز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، المحال على الأمانة العامة للحكومة في 13 فبراير 2009 والذي تم تقديمه أمام أنظار المجلس الحكومي في 11 مارس 2010. وقد حددت الوزارة، في إطار سياستها الإدماجية للأشخاص في وضعية إعاقة، العديد من التدخلات من بينها، على الخصوص، تعزيز السياسات العمومية في مجال الوقاية وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة، والنهوض بحقوقهم في مجالات الصحة والتربية والتكوين والتشغيل. وتسعى الوزارة أيضا، من خلال مخطط العمل (2008- 2012 )، إلى تحسين الولوجيات والتواصل والنقل، والنهوض بالأنشطة السوسيو- ثقافية والرياضية والسياحية والترفيهية، والمساهمة في إحداث بنيات وهياكل القرب مخصصة لهذه الفئة. كما ينص المخطط الاستراتيجي للوزارة على تعزيز التنسيق بين السياسات الحكومية في مجال إدماج الأشخاص المعاقين، بهدف إعطاء دفعة جديدة للبرامج التي تستهدف هذه الشريحة المجتمعية. وقد بلورت الوزارة أيضا مشروع قانون يهم تعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وفق مقاربة ترتكز على المشاركة الاجتماعية وحقوق الإنسان، في انسجام مع الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين التي صادق عليها المغرب في أبريل 2009. ويجري حاليا الانتهاء من مخطط عمل وطني من أجل إدماج المعاقين، خلال العشرية المقبلة، حتى يشكل إطارا محفزا للفاعلين العاملين في هذا المجال. + عناية ملكية دائمة للنهوض بأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة + شكلت وضعية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة محور اهتمامات صناع القرار والفاعلين المؤسساتيين. وقد أحاط صاحب الجلالة الملك محمد السادس دوما هذه الفئة بعنايته الخاصة التي تعكس الإرادة الثابتة لجلالته للنهوض بحقوقهم، وهو ما يبرز من خلال قرار جلالته المصادقة على الاتفاقية الدولية والبروتوكول الاختياري الملحق بها. وكان جلالة الملك قد أكد في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت 1999) "كيف يدرك تكافؤ الفرص وإتاحتها للجميع إذا كان المعوقون جسديا يهمشون ويبعدون من الميادين التي هم لها مكونون ومستعدون في حين أن الإسلام- وهو دين التكافل والتكامل- يدعو إلى الاهتمام بالمستضعفين ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع والأخذ بيدهم ليكونوا أعضاء فيه عاملين منتجين?". وتتجسد العناية الملكية على الخصوص من خلال تعدد المشاريع والمراكز الاجتماعية المخصصة لهذه الفئة، والتي يتم إطلاقها وتدشينها عبر ربوع المملكة، وخاصة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. يحق للمغرب إذن أن يكون فخورا بما يتوفر عليه من ترسانة قانونية وسياسة مؤسساتية لفائدة الأشخاص المعاقين، غير أن نجاح هذه الاستراتيجية يمر بالتأكيد عبر الإدماج الفعلي لهذه الفئة وأخذها بعين الاعتبار ضمن المنطق الشامل للتنمية البشرية.