أكد المتدخلون خلال ندوة نظمت، أمس الخميس بالرباط، أن "ربيع الثورات" الذي تعيشه غالبية دول المنطقة العربية، يعد "نتيجة حتمية ومآلا طبيعيا لاعتلال المناخ الديمقراطي وتراجع المكتسبات الاجتماعية وهشاشة البنيات الاقتصادية" بمعظم دول المنطقة. واعتبر المتدخلون، خلال هذه الندوة المنظمة من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حول موضوع "مسارات وآفاق الإصلاح في العالم العربي"، أن "الأفق المسدود" الذي حال دون استشراف الشباب العربي لمستقبل أفضل تتوفر فيه مقومات العيش الكريم، وكذا قصر نظر بعض النخب السياسية التي لم تقرأ دلالات الظرفية الصعبة التي تعيشها بعض المجتمعات العربية ، أفرزا هذا الحراك الغير مسبوق. وأوضحوا، من جهة أخرى، أن الشعوب العربية توصلت إلى قناعة مفادها أن "معظم دول المنطقة أضحت خارج الوتيرة الديمقراطية والحداثية التي تسير وفقها أنظمة العالم الحديث"، في مقابل بروز جيل جديد من الشباب تحذوه رغبة عارمة في الرقي بأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية. وقد أقبل هذا الشباب - يضيف المتدخلون - في لحظة انتابته فيها رغبة أكيدة حيال التغيير الإيجابي ضمن مناخ سلمي وهادئ، على الاستعانة بالوسائط التكنلوجية الحديثة، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، التي أتاحت له فضاء أرحب ومجالا أوسع للتعبير عن آماله وآراءه وتطلعاته. وفي نفس السياق، قال السيد فتح الله ولعلو، نائب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مداخلة له، إن من شأن هذه الثورات تحقيق مجموعة من المكاسب غير المسبوقة، التي تتمثل أساسا في إعادة الاعتبار للسياسة والثقافة والفكر، بالنظر إلى أن "بعض الأنظمة حالت دون ازدهار هذه المجالات الضرورية لتحقيق رقي الشعوب"، إلى جانب تغيير نماذج الحكم السائدة نحو أخرى أكثر ديمقراطية وانفتاحا وحداثة. وأشار السيد ولعلو إلى أن باقي المكاسب، تتمثل في خلق شروط فضلى للتعاون جنوب - جنوب، لاسيما على مستوى المنطقة العربية التي لا زالت تعاني من أعراض التفكك الاقتصادي، إلى جانب تغيير معادلة شمال - جنوب التي لطالما منحت دول الشمال الريادة في مجال اعتناق قيم الحداثة والديمقراطية، فضلا عن تغيير منهجية طرح القضايا العربية المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. من جهته، أكد السيد كمال عبد اللطيف، أستاذ الفلسفة السياسية والفكر العربي المعاصر في جامعة محمد الخامس بالرباط، في مداخلة مماثلة، أن الحراك الذي شهدته المنطقة العربية "أحيا الجدل السياسي البناء من جديد وأعاد صياغة تصور مختلف حيال مجموعة من المفاهيم"، كما "أعاد الاعتبار لحس المبادرة والجرأة في العمل السياسي"، ليتم بذلك تجاوز مرحلة من الركود يؤول نشوؤها بشكل كبير إلى طبيعة تركيب النخب السياسية العربية. وأوضح، في هذا الصدد، أن "جميع عوامل الانفجار كانت حاضرة في الوقت والمكان المناسبين، لتولد ثورة انتقلت بوتيرة سريعة من العالم الافتراضي إلى شوارع وساحات عدد كبير من الدول العربية"، مضيفا أن المواكبة الإعلامية لهذا الحراك غير المسبوق، لاسيما من طرف بعض المحطات التلفزيونية العربية، يظل ملتبسا وغير واضح من حيث الغايات والأهداف. من جانبه، أوضح السيد عيسى الورديغي، عضو المكتب السياسي للحزب، أن التقاعس عن تثمين مختلف المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المتوفرة لدى دول العالم العربي، إلى جانب الأوضاع السياسية المتوثرة بين معظم هذه البلدان، أوجدت التربة الخصبة لتأجيج شعلة هذه الثورات، على الرغم من تحسن مؤشرات التنمية البشرية خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بدول منطقة الخليج العربي. من جهة أخرى، وبعد إشادته بروح الانفتاح والحداثة والرغبة في التغيير الإيجابي التي تحذو شباب حركة "20 فبراير"، دعا السيد الورديغي إلى تكثيف الحوارات والنقاشات والمناظرات على جميع الأصعدة، بما يتيح تسريع وتيرة الإصلاح الديمقراطي على ضوء الخطاب الملكي ل9 مارس الجاري. وفي سياق متصل، أكد الأستاذ الجامعي، عبد الحي المودن، أن مفهوم العالم العربي كوحدة إقليمية متجانسة ومتكاملة كان قد دخل مرحلة التلاشي، مع بزوغ مفاهيم إقليمية جديدة من قبيل، دول شمال إفريقيا ومنطقة الحوض المتوسطي، إلا أن هذه الثورة أحيت من جديد مفهوم العالم العربي، كنطاق جغرافي متواصل يوحده الانتماء واللغة والدين. في نفس الإطار، أوضح الأستاذ الجامعي، السيد عبد الصمد بلكبير، أن مطالبة شعوب المنطقة بتغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه، جعل "القضية تنتقل إلى أصحابها بعد أن كانت المطالبة بالإصلاح حكرا على النخب السياسية"، موضحا أن هذه النخب تظل مع ذلك سباقة إلى طرح عدد كبير من هذه المطالب التي ألهمت الشعوب.