بقلم: كريمة حاجي - الرباط 7-1-2010- لا تخفي غالبية البلدان العربية قلقها بسبب النسبة المرتفعة للأميين والتطور الخجول لمستويات محو الأمية بمجتمعاتها، مع كل ما يترتب عن ذلك من آثار سلبية ستؤدي، بالتأكيد، ثمنها الأجيال المقبلة، التي من المفترض أن تنمو وتبني شخصيتها داخل أسرة متعلمة واعية بحقوقها وواجباتها. فعلى الرغم من اعتماد البلدان العربية لبرامج واستراتيجيات مشجعة للتقليص من عدد الأميين بها، فإن عدم تسجيل انخفاض هام في هذا العدد يؤشر على وجود مواطن خلل وقصور يتعين تحديدها بدقة، بهدف إيجاد الحلول المناسبة لها. ورغم وجود اختلاف طفيف بين البرامج المعتمدة للقضاء على هذه الآفة في العالم العربي، من حيث مراعاتها لخصوصيات كل بلد على حدة، إلا أنها تتفق على ضرورة تخليص المجتمعات العربية من هذه الإشكالية التي تعيق الكثير من جهود التقدم والتنمية، وتؤدي إلى تراجع ترتيب عدد من الدول العربية في مجال التنمية البشرية على الخصوص. وترتكز غالبية هذه البرامج على فرض إلزامية التعليم للذكور والإناث على حد سواء، بالموازاة مع الاستمرار في تنفيذ خطط تعليم الكبار التي اعتمدتها بعض الدول العربية منذ سنة 1970، مع العمل على نشر الوعي في صفوف مجتمعاتها حول خطورة الأمية على الفرد والأسرة والمجتمع ككل. وفي هذا الصدد، يعد اليوم العربي لمحو الأمية (الثامن من يناير من كل سنة) يوما هاما بالنسبة للقائمين على شؤون محو الأمية بالعالم العربي، باعتباره مناسبة للوقوف عند ما تحقق على أرض الواقع من منجزات وتقييم حصيلة البرامج المعتمدة، وكذا فرصة لتعميق النقاش على الصعيد العربي حول ما يمكن القيام به للمساهمة في التقليص من حدة هذه الآفة. + حوالي 60 مليون أمي، والمرأة في مقدمة المستفيدين من برامج محو الأمية+ يقدر عدد الكبار المصنفين في فئة الأميين بين سكان المنطقة العربية، حسب منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، بنحو 60 مليون شخص. وحسب المنظمة الأممية، فقد ارتفع ما بين فترتي 1985 - 1994، و2000 - 2006، المعدل المتوسط لمحو أمية الكبار من 58 في المائة إلى 72 في المائة، مبرزة أن ارتفاع المعدل كان أقوى بين النساء إذ انتقل من 46 في المائة إلى نسبة فاقت 61 في المائة بقليل. وعلى الرغم من ذلك، أكدت اليونيسكو أن المعدلات بالمنطقة العربية بقيت دون المعدل المتوسط لمحو أمية الكبار في البلدان النامية (79 في المائة)، مشددة على أن محو أمية النساء، على وجه التحديد، يولد أثرا جد إيجابي على تعليم الطفل وصحته. وأبرزت المنظمة أنه بالاستناد إلى الاتجاهات الحالية، فإن 72 من أصل 101 بلدا أعدت تقديرات بشأنها لن تنجح بحلول سنة 2015 في تحقيق الهدف الرابع ضمن أهداف الألفية للتنمية، الذي يتمثل في زيادة مستويات محو أمية الكبار بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2015 عما كان عليه في عام 2000. وفي السياق العالمي، تفيد تقديرات اليونيسكو بأن عدد الكبار الذين يفتقرون إلى المهارات الأساسية لمحو الأمية على مستوى العالم يبلغ 776 مليون نسمة، تمثل النساء ثلثيهم، وبأن معظم البلدان لم تحقق إلا قدرا ضئيلا من التقدم في هذا الشأن في السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أنه إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه، سيبلغ عدد الكبار الذين يفتقرون إلى مهارات محو الأمية في عام 2015 أكثر من 700 مليون نسمة.( + المغرب.. انخفاض نسبة الأمية إلى حوالي 32 في المائة سنة 2009 + لمواجهة إشكالية الأمية بالمغرب، تعتمد الحكومة منذ سنة 2004، استراتيجية مندمجة من أجل التقليص من حدتها. وقد مكنت الجهود المبذولة من طرف الدولة في هذا المجال من خفض نسبة الأمية من 43 في المائة سنة 2004 حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى إلى حوالي 32 في المائة سنة 2009 حسب آخر التقديرات. كما يعرف عدد المستفيدين من برامج محو الأمية ارتفاعا مهما من سنة إلى أخرى، حيث انتقل من 180 ألف خلال الموسم 1998- 1999 إلى 286 ألف خلال الموسم 2002- 2003، ليصل إلى 656 ألف خلال الموسم 2008- 2009. وخلال الست سنوات الأخيرة (2003- 2009)، بلغ العدد المتراكم للمستفيدين من برامج محو الأمية حوالي 4 ملايين شخص وهو ضعف العدد المتراكم خلال عشرين سنة ما بين 1982 و2002 (مليوني مستفيد)، مما يعني ارتفاع وتيرة المنجزات بشكل ملموس. وتمثل النساء أكثر من 80 في المائة من مجموع المستفيدين من برامج محو الأمية التي تستهدف الساكنة الأمية البالغة 15 سنة فما فوق، مع إعطاء الأولوية للنساء والفئة العمرية 15- 45 سنة والوسط القروي (50 في المائة من المستفيدين هم من الوسط القروي). في هذا السياق، قال مدير مديرية محاربة الأمية بوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي السيد الحبيب ندير إن من نتائج ارتفاع هذه الوتيرة تسجيل انخفاض ملموس لنسبة الأمية التي انتقلت من 43 في المائة سنة 2004 إلى 32 في المائة سنة 2009، أي بتراجع حوالي 5ر2 نقطة في السنة، فيما لم يكن هذا التراجع يتعدى نقطة واحدة في السنة من قبل. وعزا السيد ندير، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، هذه النتائج المشجعة إلى تعدد المتدخلين البالغة نسب تدخلاتهم 44 في المائة بالنسبة للجمعيات، و43 في المائة بالنسبة للقطاعات الحكومية (الأوقاف، التعاون الوطني، الشباب،....)، و12 في المائة بالنسبة للتربية الوطنية وأقل من 1 في المائة بالنسبة للقطاع الخاص. وأبرز أن هذه النتائج المشجعة نالت اعتراف المجتمع الدولي بإحراز المغرب على جائزة اليونيسكو للقرائية (كونفوشيوس) برسم 2006 وباهتمام العديد من الدول الشقيقة بالتجربة المغربية في هذا المجال حيث زار المغرب عدد من الوفود، ولا سيما من مصر والعراق واليمن والجزائر والسنغال، وموريتانيا. وأوضح المسؤول أنه من أجل تمكين المغرب من القضاء على الأمية في الآفاق المحددة، فإن خطة العمل للسنوات القادمة تهدف إلى تجاوز المعيقات التي تواجه هذا الورش الوطني والتي يتفق الجميع على صعوبتها وتعقدها. وتقوم هذه الخطة على مجموعة من الإجراءات التي تتمحور حول أربعة مجالات أساسية تتمثل في الرفع من سرعة الإنجاز عبر تحقيق وتيرة سنوية في التسجيلات لا تقل في المتوسط عن 800 ألف مستفيد(ة) في السنة، مع استهداف ثلاث فئات (فئة 15-24 سنة، فئة 25-44 سنة وفئة 45 سنة فما فوق)، حيث أن لكل فئة برنامج ومضامين تلائم حاجياتها. كما ترتكز على توسيع دائرة التدخل، عبر التأكيد على خصوصية محو الأمية كورش وطني تقع مسؤولية الاضطلاع به على كافة الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين، والانتقال التدريجي من منطق العرض إلى منطق الطلب، وإرساء شروط الالتقائية بين برامج محو الأمية ومختلف برامج التكوين والتأهيل، وبين مشاريع محو الأمية ومختلف مشاريع التنمية المحلية ومحاربة الفقر والإقصاء، بالإضافة إلى تحسين جودة الخدمات، من خلال تنويع المقاربات والبرامج والأدوات تبعا لتنوع حاجيات المستفيدين، وإرساء نظام الإشهاد، وخلق ممرات بين برامج التكوين والتأهيل، وكذا تنويع آليات التتبع والتقويم. ويتمثل المجال الرابع في توفير الشروط اللازمة لنجاح الخطة، عبر توفير التمويل الضروري وتنويع مصادره، وتبسيط المساطر جهويا وإقليميا، وكذا إرساء شروط الحكامة الجيدة عن طريق تدعيم التدبير اللامركزي واللامتمركز، وتفعيل التدبير المتمحور حول النتائج، وتوسيع وتنويع نظام الشراكة. يبدو من خلال الإنجازات التي حققتها مختلف البلدان العربية في مجال محو الأمية، والتي انطلقت منذ عشرات السنين، أن الطريق ما زالت طويلة أمام الحكومات العربية للقضاء على إشكالية الأمية، في وقت أصبح فيه المفهوم التقليدي للأمية متجاوزا في ظل الطفرة العلمية والتكنولوجية التي يعرفها العالم.