خرج المغرب عن صمته اتجاه الانقسام الذي يشهده الصف العربي منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ليعرب عن استياءه من التردي والانحطاط الذي وصله العمل العربي المشترك ويقدم رؤيته الخاصة بشأن العجز الذي تعيشه الدول العربية اتجاه قضية العدوان على غزة. فبعد أن أعلن عن مشاركته في القمتين العربيتين اللتين ستجريان بالدوحة والكويت، قرر المغرب تخفيض مستوى تمثيليته بهاتين القمتين بعد أن أعلن جلالة الملك محمد السادس رسميا عدم حضوره لأي منهما انطلاقا من «حيثيات موضوعية، واعتبارات مؤسفة، متمثلة في الوضع العربي المرير، الذي بلغ حدا من التردي، لم يسبق له مثيل في تاريخ العمل العربي المشترك». وأسهب بلاغ للديوان الملكي في تحليل أسباب العجز العربي وعدم قدرته على صياغة قرار وموقف مشترك اتجاه ما يجري في غزة، مستغربا من تحول القمة العربية الاستثنائية إلى قضية تثير صراعات ومزايدات تتحول أحيانا إلى خصومات بين البلدان العربية. ويعتبر هذا البلاغ الأول من نوعه تقريبا في تاريخ المشاركة المغربية ضمن القرار العربي الذي ينكب بالتحليل على الواقع العربي ويسلط الضوء على مكامن الضعف فيه، بعد أن كان المغرب يميل دوما إلى عدم تشتيت الصف العربي وتفضيل خيار الاجتماع ولو بدون جدوى في أغلب الأحيان. وذهب هذا البلاغ بعيدا في تحليل المواقف العربية التي أضحت تعيش جوا مطبوعا بمحاولات الاستفراد بزعامة العالم العربي، أو خلق محاو ومناطق استقطاب، و«هو المنحى الذي يرفض المغرب دوما الخوض فيه». وبينما عبر المغرب في وقت سابق عن موقف واضح وحازم مما يجري في غزة حيث اعتبره «جريمة ضد الإنسانية» تستدعي تدخلا دوليا وتكاثفا عربيا للحد منه، لم يتردد البلاغ الملكي في توجيه نقد موضوعي وصريح للأدوار العربية التي فشلت في صياغة قرار مشترك ولن تسهم بقمتيها في صد العدوان الإسرائيلي على غزة. ولم يكتف البلاغ بتحليل الواقع وتشخيص مكامن الخلل فيه، بل دعا إلى وضع استراتيجية عربية محكمة وتحرك عقلاني مضبوط وتضامن ملموس ونبذ التفرقة والتجزئة والحسابات الضيقة. وقد بدت هذه الحسابات الضيقة جلية منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي حيث انقسم الصف العربي بين مؤيد لعقد قمة عربية استثنائية دعت إليها دولة قطر، ومعارض لعقد هذه القمة لأن التحضير لها لم يتم مفضلا مناقشة العدوان في القمة العربية الاقتصادية المرتقبة في الكويت، وهو الطرح الذي دافعت عنه مصر والسعودية بقوة. وتضمن البلاغ إشارة واضحة في خاتمته تحيل على إمكانية عدم مشاركة المغرب في قمة الدوحة المرتقبة اليوم، حيث أكد أنه انطلاقا من كل المعطيات الموضوعية السابقة «ستشارك المملكة المغربية في أشغال القمة العربية الوشيكة بدولة الكويت الشقيقة»، دون إشارة إلى قمة الدوحة.