مسكينة كلمة «ثورة».. يتلاعب بها الكثيرون لأسباب وغايات خاصة، فيسيئون أيما إساءة لها.. أتذكر أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهي تصرخ في اتصال هاتفي من باريس لإحدى المحطات الإخبارية الفضائية محذرة من فصائل فلسطينية تآمرت على زوجها، فتختم حديثها بصوت عال «ثورة.. ثورة»، ولم يسمع منها أحد بعد ذلك كلمة واحدة لليوم. وطبعا خرج علينا مؤخرا معمر القذافي بخطابه الكاريكاتوري الذي ختمه في مشهد «راقص» وهو يصيح «ثورة.. ثورة».. «إلى الأمام»، وها هو اليوم يختفي في الأقبية ليحمي نفسه (مؤقتا) من غضب شعبه ومن انفجار المجتمع الدولي ضده. هناك غصة كبيرة في حلق زعماء وحكام إيران اليوم؛ فهم حاولوا منذ أيام الثورة الخمينية بشتى الطرق والأساليب تصديرها لمحيطها المباشر؛ مرة عبر وجوه «ثقافية» مثل خاتمي، ومرة بوجوه عربية مثل حسن نصر الله.. وغيرهما، ولكن لم يكتب للمحاولات النجاح، فلجأت للوسائل السفلية غير الظاهرة والمليئة بالسرية والدعم المادي السخي والخفي كما بات معروفا في العراق ولبنان وغزة وسورية واليمن والسودان والمغرب والكويت والبحرين، ولذلك لا أستبعد «ازدياد» الدعم الإيراني لبعض الحركات المعارضة في المنطقة (البحرين ولبنان يبقيان المثالين الأكثر وضوحا الآن)، لسحب البساط من تحت جماليات الثورة العربية الشبابية التي سرت في العالم العربي واستلهمت من الاحتجاج الصارخ الذي أطلقه «الرمز» محمد البوعزيزي؛ الشاب التونسي العاطل عن العمل الذي تحول إلى أيقونة الثورة العربية الكبرى من موديل2011 ! شاب تونسي بسيط بصدقية وعفوية وفي لحظة صادقة من الزمن، اكتسبت «ثورته» الصدقية، ونالت الاهتمام، وحازت التقليد، وبات هو المرجعية لها. البوعزيزي أصبح آية من آيات الله في خلقه وفي التدبر كيف تكون النار من مستصغر الشرر، ليقول عن ذلك جهابذة الفيزياء وعلوم التأثير: «أثر الفراشة»؛ بمعنى لو أن فراشة حركت أجنحتها بشكل زائد عن حركتها العادية قليلا، لتغيرت طبقات الجو تدريجيا، فقامت بالتالي رياح وأعاصير في الصين نتاج ذلك الأمر. شتان ما بين الثورتين؛ ثورة إيران الخمينية التي لم تصدر للمنطقة إلا الفتن ووبالا من الاضطرابات، لأنها تصر على أنها طائفية بامتياز، وتروج لأفكار هي غير قادرة على تنفيذها داخل بلادها نفسها، وبين ثورة البوعزيزي التي ولدت الأمل، وكسرت حواجز الخوف والذل، وأضاءت نور المستقبل، ومكنت الضعيف، وواجهت الفساد وكل مستبد، واليوم تواصل ثورة البوعزيزي مدها في ليبيا وفي اليمن بشكل مبهر. لم يستطع الخميني ولا خامنئي أن يقولا إن ثورة الخميني قدمت خيرا لبلادهم ولا لغيرها، ولكنها حتما كرست جذور الفرقة الثقافية بين العرب والفرس، وعمقت الخلاف بين أهل الخليج على ضفتيه، وضاعفت المشكلات بين السنة والشيعة. ثورة البوعزيزي في لمحة صدق ألهمت العالم بأسره، وليس العالم العربي وحده، بأن الأمل ممكن، والشعب قادر، وهو ما حاولت ثورة الخميني بيعه وتسويقه وترويجه للناس بكل الأساليب، وفشلت في ذلك فشلا ذريعا.