المضيق-الفنيدق .. حجز أزيد من 640 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك منذ بداية رمضان    العامل المرزوقي يقود بنجاح اجتماعًا موسعًا لإيجاد حلول لأزمة الاكتظاظ في ميناء طنجة المتوسط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    في مؤتمر صحفي بالفجيرة.. إعلان رسمي عن أكبر دورات مهرجان المونودراما    مؤسسة لالة زهرة اليملاحي للتنمية العادلة وإحياء الثرات تعلن عن تنظيم رمضانيات ليكسوس لإحياء الثرات    فوزي لقجع يواصل تمثيل المغرب في الفيفا بانتخابه لولاية ثانية في اللجنة التنفيذية    وزير التربية يكلف مكتب الدراسات SoLab بتقييم مدارس الريادة ويدعو الفاعلين لمساعدته    مصر تطالب إنفانتينو بالمشاركة في استضافة مونديال السعودية    الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يحذر من تراجع المكتسبات الحقوقية ويدين "التغول الأمني"    مصطفى بنرامل ل"رسالة 24″ : نسبة ملء السدود بلغت 34 ,30 بالمائة بفضل التساقطات المطرية الأخيرة    مطالب برلمانية بالكشف عن خلفيات إعفاء وزارة التعليم ل16 مدير إقليمي    لماذا لم تفعل السلطات قانون نزع الملكية قبل تهديم البيوت؟    المغرب يترأس دورة لجنة أممية    الاتحاد الإفريقي لكرة القدم يعيد انتخاب موتسيبي رئيسا بالتزكية    13 مليون مشاهد خلال الإفطار.. تفاعل قوي للمغاربة مع برامج رمضان للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    تقرير دولي: المغرب والجزائر يتصدران قائمة مستوردي السلاح بإفريقيا    إعادة انتخاب باتريس موتسيبي رئيسا للاتحاد الإفريقي لكرة القدم    إحباط عملية تهريب 26 كيلوغراما من "الشيرا" بميناء الناظور    أنشيلوتي: "أثق بقدرة الريال على إقصاء أتلتيكو"    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الشرقاوي: وكالة بيت مال القدس نفذت أزيد من 200 مشروع كبير لفائدة المقدسيين    يسار يقدم "لمهيب" في الدار البيضاء    لجنة العدل بمجلس النواب تشرع في مناقشة لمشروع قانون المسطرة الجنائية    أخنوش يؤكد مواصلة الحكومة تحسين العرض الصحي استجابة لمتطلبات ورش الحماية الاجتماعية    روسيا تقصف سفينة "قمح جزائري"    القضاة يحاصرون نتنياهو والأخير يخرج عن طوره أثناء المحاكمة    المعارضة تكتسح انتخابات غرينلاند    أوروبا تؤكد الرد على رسوم ترامب    توتر في باماكو بسبب ترحيل المهاجرين غير النظاميين من موريتانيا    بعد أزيد من 40 يوما من الاعتصام.. مسيرة ليلية ببني ملال احتجاجا على استمرار طرد حراس الأمن بالمستشفى الجهوي    رياض مزور يوقع اتفاقية شراكة مع "التجاري وفا بنك" لتعزيز رقمنة التجار    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    دراسة: التغذية غير الصحية للحامل تزيد خطر إصابة المولود بالتوحد    انهيار منزل بحي العكاري يخلّف حالة من الهلع ووفاة سيدة    الذهب يستقر في هذا المستوى    استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا وموسكو لا تستبعد التواصل مع واشنطن بشأن اقتراح الهدنة    هل سيكون مبابي حاضرا في المباراة الحاسمة أمام أتلتيكو؟    الأسلحة والمعادن ‬وإنهاء ‬نفقات ‬المينورسو‮!‬ (‬(3    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    الصين: ارتفاع في إنتاج ومبيعات السيارات في فبراير 2025    تصوير الأنشطة الملكية.. ضعف الأداء يسيء للصورة والمقام    انطلاق مسابقات تجويد القرآن الكريم في إطار رمضانيات طنجة الكبرى    زلزال إداري يهز قطاع التربية الوطنية بعد إعفاء 16 مديرا إقليميا    أنفوغرافيك | المغرب ومؤشر القوة الناعمة العالمية لعام 2025    الحقائق تنتصر والشائعات تتلاشى    موكوينا يدخل في صراع مع جماهير الوداد    مغرب الحضارة الضرورة التاريخية : شركات عمومية للأمن الغذائي    الناصيري ينفي الإساءة إلى حجيب    صيدلاني يشجع الشك في "الوعود الدعائية" للعقاقير الطبية    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    المسرح يضيء ليالي الناظور بعرض مميز لمسرحية "الرابوز"    كيف يؤثر الصيام في رمضان على الصحة ويحسنها؟    تناول السمك يتيح تطور الشخصية الاجتماعية عند الأطفال    برعاية إبراهيم دياز .. أورنج المغرب تطلق برنامج Orange Koora Talents    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



50 عاماً فشلت في «مسخ الهوية التونسية»
نشر في مغارب كم يوم 27 - 01 - 2011

إذا أراد الله شيئاً هيَّأ له أسبابَه، فقد كان من دعاء سيِّدنا عمر رضي الله عنه (اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فعجبَتْ حفصةُ رضي الله عنها، كيف تكون الشهادة في المدينة! عقر دار الإسلام!
فسألَته: وأنَّى ذاك؟ فأجابها (إنَّ الله يأتي بأمره أنَّى شاء)، ومن أعجب دعائه رضي الله عنه قوله (اللهم لا تجعل قتلي بيد رجلٍ صلَّى لك سجدةً واحدة يحاجُّني بها عندك يوم القيامة).
ومن لطيف ما جرَت به الأقدار أنَّ قيام أهل تونس كان على مَن كان هَمُّه إضاعةَ الصلاة، ومنْع الناس منها، ناهيك بما دونها، من تكميم للأفواه وقتلٍ للنفوس وهتك للأعراض ونهب للأموال، فبِمَ يُحاجُّهم عند الله حين طردوه.
دخل الإسلامُ تونسَ في عهد سيِّدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكان أوَّلُ مَن رحل لطلب العلم منها عبد الرحمن بن زياد المعافري، وكان رفيقاً لأبي جعفر المنصور في التعليم، فتلقى العلم على كبار التابعين، وتلاهُ في الرِّحلة الكثير، منهم عليُّ بن زياد، وهو أوَّل من أدخل موطأ الإمام مالك بن أنس، ومنهم قاضي تونس الفقيه البطل أسد بن الفرات فاتح صقلية، ثم أنجبَت تونس بعد ذلك أئمةً ارتفع بهم صرحُ الفقه كعبد السلام بن سعيد الملقب «سحنون» فعبد الله ابن أبي زيد القيرواني فعبد الحميد ابن الصائغ فتلميذه أبو عبد الله التميمي المازري - شيخ القاضي عياض - الذي أظهر للناس حلاوةَ الفقه، فابن عَرَفةَ الورْغمي وزميله في الطَّلب عبد الرحمن بن خلدون، وهكذا توارث أهلُ تونس علومَ الشريعةِ كابراً عن كابر، من عبد الرحمن بن زياد إلى الطاهر بن عاشور.
وجاء عهد الاستعمار بآلامه المريرة، وخرج بعد أنْ أَفسد الحرث والنسل، وأسلَمَ البلاد لمن تنكَّر لأمَّتِهِ ودينه، وجعل من هدم الدِّين تقدُّماً وحضارة، وجعل مِن قتل الأبرياء قصاصاً وعدالة، وجعل من السِّفاح كفاحاً ورجولة، ثلاثون عاماً بعد الاستقلال، قضتها تونس في رحلةٍ تغريبية مؤلمة، وتمَّ تمديدها لعقدين من الزمان تحت ما يسمَّى بعهد التغيير البائد الذي بدأ في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1987، فاكتملت السنون نصف قرن من الزمان، رأى الناسُ فيها البُغاثَ بأرضهم يَستنسرُ، وكان لسانُ حالِ تونس، ما قاله شاعرها محمد بن شَرَف:
تقلَّدتني الليالي وَهْيَ مدبرةٌ
كأنني صارمٌ في كفِّ منهزم
فضُيِّقَ على الناس في الصلوات في مساجدهم، بل أُغلق بعضها، كجامع المركَّب الجامعي وغيره، ومُنع الناس من نشر العلم ومن التدريس في المساجد، كما فعل العبيديون في القرن الرابع، بل إن قراءة درس في علوم الشريعة يُعدُّ جريمة يعاقب عليها بالقانون، ولو في أحد البيوت، ومُنِع العلماءُ والدعاة من دخول تونس عبر منافذ الحدود، حتى أدخلهم اللهُ إلى البيوت هبوطاً من السماء عبر الفضائيات، ولله في خلقه حكمة.
جامع الزيتونة الذي بناهُ حسانُ بن النُّعمان سنة 79 هجرية وصار أقدم جامعة إسلامية، تهيَّب الاستعمار الاقتراب منها، فأغلقها عهدُ الاستقلال، وأمام غضبة الشارع اضطُرَّ لافتتاحها قبيل عهد التغيير.
إنني حين أتحدَّث عن تونس لا أدري من أين أبدأ ولا إلى أين أنتهي:
أأتحدث عن جامعة الزيتونة التي لم تسلم مناهجها من التحريف والتبديل، ولم يتولَّ قيادتها أحدٌ من أهلها، وحين وَلِيَها رئيسٌ فاضل وزيتونيٌ أصيل وهو الأستاذ الدكتور أبولبابة حسين، فما هي إلا شهور وأُقيل، وبدأ بعدها التضييق فأُغلق المصلَّى ثم أغلقت قاعة الأساتذة، للحيلولة دون لقاء الطلاب بأساتذتهم، والحديث عن الزيتونة يطول ويطول.
أأتحدَّث عن دور النشر والمكتبات التي أغلقت، حتى أَدرك رجلُ الشارع البسيط مغزى إغلاقها، فقد مررتُ يوماً بشارع قرطاج بوسط العاصمة، فسألت صاحب سيارة الأجرة سؤالاً لأقف على وعْيه، فقلت له: ههنا مكتبة كبيرة كنت رأيتها مِن قبلُ، فأين هي الآن؟ وكنت أُشير إلى مكان «الشركة التونسية للتوزيع»، ففاجأني بقوله: أصبحنا نغلق المكتبات ونستبدلها بحانات!
أأتحدَّث عن الجامعات، حيث تقف عند مدخلها سيارات الأمن، وعلى بابها حارس وفي الداخل غرفة مخصَّصة لرجال الأمن، وكأنك داخلٌ لثكنة عسكرية، وأذكر أني ذهبت لكلية الآداب، فمنعني رجل الأمن بحجة أنه لا يدخلها إلا طلاب كلية الآداب وأساتذتها وموظفوها! وبعد إصراري أَذِنَ بعد أن سجل اسمي ورقم الجواز!
أأتحدَّث عن الأمن في الطرقات، حيث لا يأمن الإنسان على نفسه، وما أكثر ما يُستدعى المارّ في الطريق إلى مخفر الشرطة بلا سبب، وقد أخبرني العديد من الطلاب العرب أنّ أوَّل سؤال يوجه لهم: هل تصلِّي؟ وهو ما حدث مع فقيهين فاضلين أَتَيا من البوسنة لإكمال دراستهما للدكتوراه بالزيتونة، وهما الدكتور عزَّت تارزتش والدكتور شفيق كارديتش، قال لي أحدهما، وأظن هذا عام 1995: بالأمس كنا نمشي في الطريق فاستدعانا عَونُ أمن، وبدأ التحقيق بالسؤال عن الصلاة! إنها فضيحةٌ أن تكون الصلاةُ تهمة!
أأتحدَّث عن كثير من الشباب الصُّلحاء الأتقياء الذين حكوا لي صور تعذيبهم، والأساليب الشيطانية في الإساءة لهم، فقد جالست الكثير، والحافظ هو الله، فمنهم من حدَّثني عن صور تعذيبه الجسدي والنفسي حتى انهار بالبكاء أمامي، ومنهم شاب أصيب بخلل في دماغه من شدة التعذيب، وقد كان قليل الكلام، طويل الصمت، حسن الخشوع، حافظاً لكتاب الله تعالى، لم أظفر منه بخبر عما أصابه، وتوفي بعدها بأيام رحمه الله وجمعنا به في مستقر رحمته.
أأتحدَّث عن المرأة وكيف أُسيء إليها، فكم من طالبة جامعية تخفي عن زميلاتها أنها تصلِّي، لتكون أبعد مِن مظانّ التهمة، وكم من فتاة استدعيت لمخفر الشرطة وهي في طريقها من مدرستها أو جامعتها إلى بيت أبيها، وكم وكم وكم، إنها قصص واقعةٌ أعرف الكثير منها.
كانت البلاد تسير في طريق معاكس لطريق الأخلاق، ومُنافٍ لمعاني الفضيلة، وكان وضع البلاد الاقتصادي يتجه ليجعل عُشر الشعب مُترَفاً، والبقية تتسوَّل، في بلدٍ من أغنى بلاد الله، إنْ في ثرواتها المعدنية أو النباتية أو الحيوانية أو البحرية.
لقد مرَّ عهد التغيير بثلاث مراحل، مرحلة الشعارات، ثم مرحلة الاستبداد التام، ثم مرحلة ظهور الفضائيات، وما تبعها من التخفيف من بعض القيود، وظهور بعض مظاهر الحريات الدينية، كبناء بعض المساجد، وانتشار الحجاب في الأسواق العامة وفي الجامعات، بعد أنْ كنتَ لا تراه في الأحياء الشعبية، فتونس عام 2000 ليست تونس عام 2010.
إنَّ الاستبداد، وتكميم الأفواه، ومنع الحرِّيات العامة، وأعظمها حرية التديُّن، والسعي لقطع الأرزاق، لَمِن أعظم أسباب سقوط الدول.
إنَّ الحديث عن الماضي أليم على القلب، وقد انقضى بآلامه ومِحَنِه، وانطوت أيامه ولياليه، فطوبى لمن ابتُلِيَ فصبر، وهذا شأن المؤمن يبذل الأسباب، ويجتهدُ في بذلها غاية الاجتهاد، ثمَّ يَكِلُ النتائج إلى مولاه، فلا عليه أن تكون كما يريد، أو بخلاف ما يريد، فلا تراه إلا في أُنسٍ مِن برد اليقين، من حيث غَرَقَ العصاة والمذنبون في صراع على متع الدنيا ولذَّاتها، فلا هُمْ سعدوا بتحصيلها، ولا هُم استغنوا عنها ولا زهدوا فيها.
وقد جالستُ كثيراً من الأخيار الصالحين في تونس والقيروان وسوسة والمنستير وصفاقس وغيرها، فلم أجد من الواحد منهم إلا حُسْن ظنِّه بربِّه، ويرى أنه متى أعطاه الله خيراً فقد أشْهدَهُ بِرَّه، ومتى مَنَعَه من شيء فقد أشهَدَهُ قهرَه، فهو على حالٍ واحدٍ من الرضا بما قضى الله، فكنت أسمع منهم أنَّ الله حين رزقهم طاعته والرِّضا به تعالى، فقد أسبغ عليهم نِعمَه.
وإذا كان لنا من الماضي شيء، فهو أخْذُ العبرة، ومن تلك العبر أني في عام 1988 سافرت إلى المنستير (160 كلم جنوب تونس) فخرجت من محطة القطار وأخذت سيارة أجرة، فسألني السائق: أتريد زيارة ضريح بورقيبة؟ وكان بورقيبة قد شرع في بناء ضريح ضخم في طرف مقبرة المنستير، فقلت له إني أتيت لزيارة القصور، لا حاجة لي في القبور، فنظر إليَّ بتعجُّب وقال: أين تريد؟ فقلت قصر المازري، فسألني أين هو؟ فقلت له توجَّه إلى جبَّانة المنستير، فأخذني إليها، فأشرت إلى قبر المازري وقلت له: هذا هو القصر، فقبور الصالحين أعظم وأوسع من قصور الدنيا، أما صاحبك بورقيبة، فلا يدري أين سيدفن، وهو الآن مشرفٌ على الموت، يقيم حبيساً في دارٍ ضيقة في المنستير، لا يزور ولا يُزار، لا مال ولا جاه ولا ولد ولا محبَّ له، حتى زوجته نبذته، وقد أدركَتْهُ دعوةُ أحد علماء تونس: اللهم اجعله يتمنَّى الموت فلا يجد الموت.
أُخرج بورقيبة من قصر قرطاج غير مأسوف عليه، بعد أن عافته النفوس، وثارت عليه، فاختطف الثورةَ تلميذُه، واستند التلميذُ في بقائه إلى كثير من الوعود، بشعارات أوَّلُها شعار (رَدُّ الاعتبار للدين الإسلامي) - وهي شعارات نسمعها اليوم من رجال العهد البائد - وفرَّ بعد ثلاث وعشرين سنة هارباً قبل أن يُخرَج كما أُخرِجَ أُستاذُه مِن قبل، فتبرأت منه فرنسا التي كانت الراعي الذهبي لحكومته، فهي أكبرُ مُنتفِعٍ به (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) فلجأ إلى موضع يَسمع فيه الأذان خمس مرات، وعلى رغم قبيح ما قدَّم، فإن رحمة الله واسعة، فأسأل الله له الهداية.
الشماتة ليست من خلق المسلم، فضلاً عن أنه لا ثمرة من ورائها، غير أنها العبرة التي يجب أن يعيها كلُّ مَن ولِيَ أمراً من أمور المسلمين.
إن خمسين عاماً من السعي الى مسخ الهويَّة التونسية لَمْ تنجح، ففشلت كلُّ الجهود أمام إرادة شعبٍ أبيٍّ حر، فخرج منها كما كان، وأشدُّ إن شاء الله تعالى، إن التغرير بالشعوب قد يستمر لسنوات، غير أنه لا يمكن أنْ يدوم.
وكأني بأهلنا في تونس، وهم يسمعون سَجْعَ الحمَام وصياحها على غصون أشجارهم الخضراء، بشارةً بفجرٍ جديد، يردِّدون مع شاعرهم علي بن العباس الإيادي:
قد وُلِدَ الصُّبحُ فمات الدُّجى
صاحتْ فلم ندْرِ غِناً أم نُواح
فليستبشروا بما أجراه الله على أيديهم، وليعلموا أنَّ صاحب الحق كما أنّ له حقاً، فإن عليه واجبات، أوَّل واجباتهم أن ينسوا خلافاتهم، وأن يُصْلِحوا أعمالهم، فقد قيل: ما أنكرتَ مِن زمانك، فإنما أفسدَهُ عليكَ عملُك، فالعمل كفيل بدفع الظالمين عن الناس، وليتمسَّكوا بمَا كان سبباً لعزِّهم، وبِهِ دخلوا التاريخ من أشرف أبوابه، وهو شريعة الله التي مَن التزمها كُفِيَ في رزقه، وأمِنَ على نفسه وماله، كما قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.