على خطى رفيقيه محمد ولد شبرنو ومعروف ولد الهيبه لم يبال سيدي ولد سيدينا بالحكم بالإعدام الصادر في حقه من محكمة جنايات نواكشوط، في جلسة النطق بالحكم في ملف مقتل السياح الفرنسيين الأربعة في الخامس والعشرين مايو الماضي. الجدل حول المراحل الدراسية التي وصل إليها سيدي ولد سيدنا المطلوب الأمني الذي غادر السجن في أكثر عمليات الهروب إثارة في تاريخ الأمن الموريتاني.. لكن المعلومة الصحيحة هي أنه أنهى الابتدائية وغادر التعليم النظامي رغم أنه كان حاد الذكاء. ظل عاطلا عن العمل وغير مؤمن بضرورة الالتحاق بصفوف الدراسة..بعدها حاول الالتحاق بالجيش، ولمّا يبلغ بعد السن القانونية حسب مصدر من العائلة. وبعد وساطات واتصالات تحصل الشاب على تاريخ ميلاد جديد وهو 1983 والحقيقة أنه من مواليد 1987. خلع البزة العسكرية هاربا من لهيب الجيش، حين كان التسرب من الثكنات عادة انتشرت نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، نظرا للظروف الصعبة التي عاشتها القوات المسلحة..وعندما أعادته العائلة إلى قيادة الأركان قسرا تفطنت قيادته إلى أنه لا يزال بعد طفلا غير قادر على حمل البندقية والتدريبات القاسية..وبالتالي رفضوا تجنيده. في ال15 من العمر حسب السن المفترضة عند العائلة التحق ولد سيدن بشقيقه الشيخاني، وهو من مواليد 1974، و يعتقل حاليا بتهمة تهريبه من السجن..التحق به بهدف المتاجرة في غينا بيساو، وحسب عائلته فقد نجح نجاحا ملحوظا في مهنة يمارسها لأول مرة. لكن حمى الملاريا التي ألمت به كانت تختط له طريقا آخر غير طريق الكسب العادي، وعاد إلى موريتانيا بعد أن عجز عن مقاومة المرض الذي أرهق صحته... بعد أشهر قرر ولد سيدينا من صميم نفسه انه سيعود للدراسة، لكنها دراسة من نوع آخر على خط حرج يلتقي فيه المسلم المتعلم لدينه ولغته والمسلم الأخر الذي لا يحبه الكثيرون.. مع شقيقيْه الصغيريْن مكث فترة وجيزة في محظرة "انتفاشيت" شمال واد الناقة في الجنوب الغربي لموريتانيا.. وأثناء إحدى زيارته لأهله في العاصمة نواكشوط تم اعتقاله فيما عرف حينها باعتقالات الإسلاميين أثناء حكم العقيد أعل ولد محمد فال المدير العام السابق للأمن،.. بعد سنة وشهرين برأته المحكمة من تهمة الانتماء للتيار الحامل للسلاح والمصحف. ولد سيدنا سيطر في مرحلة معينة على شوارع المنطقة التي يقيم بها أهله..وكان حسب الكثيرين يمنع الناس من الإخلال بالذوق الإسلامي حسب وجهة نظره الشخصية..وقد تسبب له مداهمة خلوة شخصين (رجل وامرأة كان لوحدهما) في مشكلة كبيرة انتهت بعد ذلك دون التسبب بأضرار لأحد الطرفين. المقربون يؤكدون أنه كان "كثير المشاكل".. لكنها مشاكل الطفولة العادية التي يمر بها كل المراهقين، وعكس ما يروج لم يدخل السجن بسبب جناية ولا جنحة متعلقة بالسرقة أو الحرابة.. وبحسب العائلة دائما فقد كان طيب الأخلاق ويحترم الكبار و صدوق وظريف وأخلاقه عالية.. و كل أصدقائه كانوا من جيرانه، ما عدى معروف ولد الهيبة تقريبا وهذا الأخير هو أول معتقل في صفوف من يوصف أنه الجناح المسلح للحركة السلفية في نواكشوط بعد مواجهات ابريل الماضي، التي حركت غريزة الأمن في مواجهة خطورة الموقف. ولد سيدينا كان يمتلك أعدادا كبيرة من الحمام، وله طقوس خاصة في تربيته ويهتم به كثيرا، ولم يكن يبيعه، بل يذبحه ويطبخه ويشويه. وهو خبير في إعداد لحوم الحمام إلى درجة كبيرة، كما أنه اكتشف وجبة "الطبزة" التي يعدها لنفسه ولا يستبدلها بأي وجبة إطلاقا وهي مكونة من "البطاطس- البصل –الطماطم مع الماء والقليل من الزيت والملح وبدون لحوم" وهذه هي الوجبة المفضلة عند ولد سيدن، وتقدم في الصحن على شكل معجونات..وإذا وُجِدَت علبة من لبن "الرائب" المحلي وكمية من اللبن المجفف "سليا" أو "سفت" لإعداد "ازريق" واتبع ذلك بكأس من الشاي، حينها تكون الأمور بخير مع سيدي ولد سيدينا. لم يتحصل ولد سيدن على أية أموال في الواحد والعشرين عاما المنصرمة من عمره... وظلت العائلة تصرف عليه طوال الوقت وهو غير مدخن إطلاقا، وغير مُكَلِف ماديا ويقتنع بالقليل. وبعد قدومه من غينا بيساو نقلت مصادر خاصة أن أخته "الزهرة" أعطته مبلغا ماليا يقدر ب10 آلاف أوقية رفض أن يأخذها وقال لها "لا أغراض لدي ولا احتاج أي شيء" رغم أنه عاد من غينا بيساو بجيب خاو، على الأقل بعد تفتيش عناصر الأمن له في مطار غينا بيساو.. لا ديون في حياة ولد سيدن.. ويمكنه القيام بكل الأعمال المنزلية بدون استثناء كالطبخ والغسيل..الخ لا يقود السيارات، ولم يسبق أن تحصل على رخصة قيادة. بعد أن خرج بالبراءة إثر محاكمات يوليو 2007 بعد اعتقاله في المرحلة الانتقالية.. بدأ أهله في التخطيط للزواج، وكان ذلك بهدف جعله أكثر هدوءا والتزاما وإحساسا بالمسؤولية، ووافق ولد سيدن على الزواج، واشترت الأسرة صالونا خاصا لاستقبال زوجة الابن التي ستفتح بابا جديدا مليئا بالمسؤولية والاتزان، لكن ولد سيدينا الشاب العنيد كان على موعد مع العمل في مدينة لعيون. وحسب الأخبار التي وصلت العائلة فإن ابنهم عمل في متجر لبيع الأحذية، وكان في بعض الأحيان يضطر لحمل الأحذية على منكبه ويتجول بها في الشارع... كما عمل في المتاجرة بالماشية.. ثم عاد إلى نواكشوط وقال إنه انتهى من التجارة، لكن إدارة الأمن ترى ان تلك الرحلة الى لعيون لم تكن سوى رحلة الى معاقل الجماعة السلفية لتلقي تدريبات عسكرية.. وكان في وضعية غير مريحة، كما لو كان عليه ضغط كبير من جهات مجهولة، ولم يشرح وضعيته لأحد، أهله تنبهوا فعلا لهذه المرحلة من حياته (هنالك من ضغط على ولد سيدينا قبيل عملية ألاك..). يوم مقتل السياح الفرنسيين في 26 ديسمبر 2007 اتصل ولد سيدينا على والدته في منتصف الليل وأخبرها انه سيأتيها في الصباح، لكنه لم يعد إطلاقا إلا إلى السجن قادما من من غينيا بيساو التي اعتقل فيها..وفي السجن زاره كل أفراد عائلته. يمتاز ولد سيدينا دائما بخفة المتاع.. يمتلك حقيبة قديمة فيها أزياء بسيطة ومعجون أسنان وبعض الصابون، وهو على خلاف الصورة التي يشكلها حوله الرأي العام. شاب نحيف من المتضررين من تسوس الأضراس، وأصيب بالحصبة في صغره ويعاني من السعال، والربو المعروف محليا ب"الظيك"، كما عانى لفترة من ورم في الرأس، بعد ضربة تأديبية في لحظة غضب من والده وقد تعالج عن هذا الورم لفترة طويلة. ومن المفارقات أن اعتقال ولد سيدنا أفرح أهله كثيرا..لأنه على الأقل يعني انه لم يمت في مواجهات السلفية مع الأمن.