بالنسبة للكثير من الأوروبيين فإن الإرهاب قد ظهر له وجه جديد، وهو عبد الحميد أبو زيد الملقب ل«أمير الجنوب». وأبو زيد، الذي يعرف أيضا باسم عبيد حمادو، وهو جزائري ذو لحية سوداء في العقد الخامس من عمره ويتولى قيادة واحدة من المجموعتين التابعتين لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والنشطة خارج حدود الجزائر. وخلال السنوات العشر الماضية، يقوم مقاتلو أبو زيد، الذين يرتدون العمائم والذين تعود أصولهم إلى الجزائر وعدد من دول شمال أفريقا والمتحالفون مع أسامة بن لادن، بعمليات سلب ونهب عبر الصحراء القاحلة في منطقة الساحل على طول حدود مالي والنيجر وموريتانيا والجزائر. وبسبب عددهم الصغير، الذي يقدر ببضع مئات، وانتشارهم في مناطق متباعدة في الأطراف غير المأهولة في الصحراء، اعتبروا لفترة طويلة أقل خطرا من فرع تنظيم القاعدة الرئيسي الموجود في الجزائر، الذي يعتبر أقل خطورة من أفرع «القاعدة» الأكثر ارتباطا بأسامة بن لادن في باكستانوأفغانستان. وعلى سبيل المثال، فإن حالة التأهب خوفا من وقوع هجمات إرهابية والتي أعلنت مؤخرا في أوروبا كانت مبنية على تقارير استخباراتية قادمة من باكستان. ومع قيام جماعة أبو زيد باختطاف عدد من الرهائن الأوروبيين خلال السنوات القليلة الماضية وتسمية العمليات الإرهابية التي تتم في منطقة الساحل باسمه، برز أبو زيد كتهديد كبير للاستقرار في منطقة شمال غرب أفريقيا الغنية بالمعادن. ووفقا لتقييم بعض الخبراء فمن المتوقع صعود أبو زيد لقيادة تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ويقول ماثيو غودير، المتخصص في شؤون الإرهاب في منطقة شمال أفريقيا بجامعة جينيف ومؤلف العديد من الكتب حول التطرف الإسلامي: «هذا الرجل آخذ في الصعود». وقد جذبت أنشطة أبو زيد اهتمام سلطات مكافحة الإرهاب في الولاياتالمتحدة أيضا. وقد أشارت الجماعة، في بعض البيانات التي صدرت مؤخرا، إلى أنها رصدت وجود أميركيين في قاعدة عسكرية جزائرية تقع في مدينة تمنراست وعلى الحدود مع مالي حيث يوجد مقر أبو زيد، وهو ما يشير بوضوح إلى قيام الولاياتالمتحدة بمساعدة الحكومات المحلية في هذه الدول على متابعة تحركات تنظيم القاعدة في المنطقة. وقال غودير، الذي يتابع نشاط تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على الإنترنت، إن الولاياتالمتحدة سلمت فرنسا ما لديها من معلومات إلكترونية عن أبو زيد لمساعدتها على اقتفاء أثر الرهائن الفرنسيين. ومن الواضح أن مختصين أميركيين في مكافحة الإرهاب موجودون في أو يمرون عبر تمنراست يشاركون في هذه العملية. وردا على ذلك، أصدر أبو زيد مؤخرا قرارا بمنع مقاتليه من القيام باتصالات هاتفية عبر الأقمار الاصطناعية لأنها عرضة للاعتراض والمراقبة بواسطة الأقمار الاصطناعية والطائرات بدون طيار الأميركية. وقد رفض مسؤولو الجيش الأميركي ووكالة الأمن القومي التعليق على التقارير الأخرى. وفي تعليق عام، قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية لفتنانت كولونيل تامرا باركر: «لقد أظهرت بلدان شمال وغرب أفريقيا قيادة مهمة في التعامل مع ظاهرة الإرهاب في المنطقة، والولاياتالمتحدة تدعم جهود هذه البلدان لتحسين قدراتها في مكافحة الإرهاب على المدى البعيد». وعلى الرغم من أن المختصين في مكافحة الإرهاب يتابعون منذ فترة نشاطاته، فإن أبو زيد جذب انتباه معظم الأوروبيين منذ أسبوعين فقط، عندما ظهر في تسجيل مصور وهو يرتدي زيا عسكريا وجلبابا أبيض وعمامة كبيرة ويقف على يسار الرهائن الفرنسيين الخمسة الذين تم اختطافهم في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي من منجم يورانيوم تقوم بإدارته شركة فرنسية في شمال النيجر. وقد قام أبو زيد بنشر هذا التسجيل المصور ليثبت للحكومة الفرنسية أن الرهائن لا يزالون على قيد الحياة. أما المقاتلون الآخرون في مجموعته فقد ظهروا في التسجيل وهم يضعون عمائم على وجوههم لإخفائها، باستثناء فتحة صغيرة فقط لأعينهم ليتمكنوا من الرؤية. ولكن إظهار أبو زيد لوجهه كاملا في التسجيل وتحديقه في عدسات الكاميرا قد يشير إلى رغبته في إعلان توليه القيادة وإظهار التحدي. وعلاوة على ذلك، فقد لاحظ غودير، أن البيان الذي أصدره تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ليعلن عن اختطاف الرهائن الفرنسيين سمى - على غير العادة - أبو زيد كقائد للعملية، مشيدا به، ووصفه ب«الشيخ» ووصف رجاله المائة «بأسود الإسلام». وقد فصلت هذه الإيماءات أبو زيد عن زميله الرئيسي، مختار بلمختار، الذي يقود الفرع الرئيسي لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في الجزائر. وقد قلل خبراء مكافحة الإرهاب الأوروبيون من التهديد الذي يشكله بلمختار، وهو جزائري فقد إحدى عينيه أثناء محاربة السوفيات في أفغانستان، لأنه، كما يقولون، يركز على جمع المال من خلال حماية عمليات تهريب السجائر والكوكايين المزدهرة في تلك المنطقة أقل من تركيزه على الأنشطة الجهادية. وقد علق أحد المسؤولين المحليين على ذلك وهو يمازح صديقا أوروبيا قائلا: «هؤلاء الرجال يمارسون الجهاد في النهار وتجارة مارلبورو في الليل». لكن سجل أبو زيد لا يحتوى على مزاح. ووفقا لمسؤولي مكافحة الإرهاب الأوروبيين، فقد أمر أو نفذ أبو زيد عمليات إعدام الرهينة البريطاني أدوين دايرز، في عام 2009 والرهينة الفرنسية ميشال غيرمانو، 78 عاما، في يوليو (تموز). وبصورة عامة، اتهم أبو زيد بالتورط في اختطاف أكثر من 20 رهينة أوروبية في بلدان الساحل منذ عام 2008، وقد أطلق سراح الكثير منهم مقابل الحصول على ملايين الدولارات التي يستخدمها في تمويل عمليات الجهاد في المنطقة. وقد أعلن التنظيم إعدام الرهينة الفرنسية غيرمانو بعد مساعدة القوات الخاصة الفرنسية للقوات الموريتانية في محاولتها الفاشلة لتحرير الرهائن الذين حرموا من الدواء. وقد قرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القيام بالهجوم جزئيا بناء على معلومات استخباراتية عن مكان معسكر «القاعدة» حصل عليه عن طريق المراقبة الإلكترونية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة، وذلك بحسب مختصين في مكافحة الإرهاب في باريس. وقد قتل سبعة من أتباع أبو زيد خلال المناوشات، وفقا للسلطات الموريتانية، وتعهد بسرعة بالانتقام من ساركوزي. ولاحظ المراقبون أن عملية اختطاف الرهائن السبعة – خمسة مواطنين فرنسيين واثنين من زملائهم الأفارقة الذين يعملون في منجم في 15 سبتمبر (أيلول) في هجوم وقع في ارليت، النيجر، جاءت ردا على هذه العملية. والقائد العام لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» هو عبد الملك دروكدال، وهو جزائري عمره 40 عاما ويعرف باسم أبو مصعب عبد الودود. وقد كان دروكدال زعيم «القاعدة» بلا منازع منذ توليه قيادة الجماعة السلفية بالجزائر في 2004 وتحالفه مع تنظيم القاعدة في 2006 تحت اسم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». * خدمة «واشنطن بوست» خاص ب «الشرق الأوسط»