داخل غرفة مغلقة يملك الموفد الدولي كريستوفر روس وحده مفاتيح إدارة المفاوضات التي تجري بين جدرانها. بعيداً من الأضواء، دافع كل من المغرب وجبهة «بوليساريو» عن طروحاتهما المتباينة حول أفضل الصيغ الممكنة لحل نزاع الصحراء المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، فيما كان وفدا الجزائر وموريتانيا حاضرين تحت مظلة «التسوية الإقليمية» التي من دونها يصعب إحراز التقدم المطلوب. وعلى رغم تباعد المواقف المعلنة، فإن انصراف المغرب نحو معاودة شرح مزايا الحكم الذاتي في مقابل إبراز صعوبة إجراء استفتاء وفق ما يصفه ب «المقاربة المتجاوزة» (تجاوزها الزمن) يُعتبر تطوراً إيجابياً في حد ذاته، إذ يشير إلى أن الطرفين انتقلا إلى موقع الدفاع عن مواقفهما قانونياً وسياسياً وميدانياً بعدما كان كل طرف يتمسك برفض اقتراح الطرف الآخر. وقالت مصادر ديبلوماسية إن هذا الأسلوب الذي أراده روس لكسر حاجز انعدام الثقة لا يعني حصول اتفاق حول أرضية المفاوضات المقبلة، بقدر ما يشير الى إمكان استمرار الحوار الذي اتسم بنوع من القطيعة في وقت سابق. غير أن جديد الجولة الثانية من المفاوضات غير الرسمية التي تواصلت أمس في مدينة «أرمونك» في ضواحي نيويورك، يكمن في المبارزة القانونية حول الصيغ الممكنة لإيجاد حل سياسي مقبول من الأطراف كافة، بما في ذلك الجزائر وموريتانيا المعنيتان بمسار التسوية وآفاق تكريس السلم والاستقرار في المنطقة المغاربية برمتها. وذكرت مصادر مغربية أن وفد المملكة إلى المفاوضات سيعرض الى «الطابع المتجاوز لخطة الاستفتاء وعدم قابليته (الاستفتاء) للتنفيذ» كونه يتضمن خيارات قصوى مناقضة لمفهوم التسوية المقبولة، إضافة الى شرح مفهوم تقرير المصير الذي يشكّل الحكم الذاتي أحد منافذه الوفاقية «سيّما أن تجارب أوّلية أكدت سريان مفعوله واحترامه من خلال اللجوء الى مبدأ المفاوضات لحل النزاعات الإقليمية»، ما يُعتبر تطوراً في الموقف المغربي لا يُلغي تمسّك الرباط بمرجعية الحكم الذاتي التي وصفتها بأنها «جدّية وذات صدقية» وكانت وراء انطلاق دينامية المفاوضات في صيف 2007. وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي رحّب بعقد الجولة الثانية من المفاوضات غير الرسمية في نيويورك دعا الأطراف الى «إحراز مزيد من التقدم» من خلال «الانكباب على محادثات مثمرة وجوهرية». وفسّر ذلك بالدعوة إلى الدخول في صلب المفاوضات وإبداء التعاون مع جهود الموفد روس التي ركزت على استئناف المفاوضات. والبحث في تفاصيل خافية حول معاودة بناء الثقة وتكثيف برنامج تبادل الزيارات بين الأهالي عبر رحلات برية لإفادة أكبر عدد ممكن من السكان من صلة الرحم. إلى ذلك، صرّح مسؤول ليبي بأن بلاده تتابع باهتمام اقتراح المملكة المغربية لحل نزاع الصحراء والجهود المبذولة بهذا الصدد، وأوضح أمين الشؤون الخارجية في مؤتمر الشعب العام سليمان الشحومي في أعقاب لقاء مع قيادة حزب الاستقلال المغربي، أن مشكلة الصحراء «موضوع شائك يقف عائقاً امام تحريك مسيرة الاتحاد المغاربي» في إشارة الى تعليق القمم المغاربية منذ عام 1994، بسبب تداعيات الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر. وتوقعت مصادر حزبية أن يبحث وفد مؤتمر الشعب العام الليبي في عقد اجتماع الأحزاب المغاربية على غرار أول اجتماع التأم في طنجة منذ 50 سنة، إلا ان محاولات سابقة رعاها حزب الاستقلال بزعامة رئيس الوزراء عباس الفاسي لم تفلح في تبديد تلك الخلافات.