هربت سميرة وزوجها كمال إلى الجزائر مع ابنيهما في يوليو (تموز) الماضي من الحرب في بلادهم. حيث وجدا صعوبة في البداية في التكيف مع ظروف المعيشة الجديدة، حيث أقاما في مخيم به مئات اللاجئين بالعاصمة، وهما حاليا يبيعان ملابس وأقمشة ولوازم الخياطة في أهم الأسواق بالجزائر. في «ساحة الشهداء»، وهي أشهر الفضاءات العمومية بالعاصمة الجزائرية، أجر الزوج السوري الذي يتحدر من حلب فضاء تجاريا ملكا لأحد المسؤولين في البلاد، يتكون من ثلاثة محلات. أحدهم يبيعان فيه ملابس النساء والثاني ملابس الأطفال، أما الثالث فهو مخصص للوازم الخياطة. وتقول سميرة التي تشرف على إدارة المحلات ل«الشرق الأوسط»: «كنا نحو 30 عائلة عندما قررنا مغادرة سوريا إلى هنا، بناء على نصيحة من أصدقاء يتحدرون من الأمير عبد القادر الجزائري، ويحملون اسمه. قالوا لنا إن الجزائريين شعب مضياف؛ ومتعاطفون مع السوريين». واجهة المحلات حملت لافتة كبيرة: «محلات باب الحارة»، نسبة إلى المسلسل السوري الشهير الذي خطف قلوب ملايين الجزائريين وأبعدهم عن المسلسلات المصرية. وتقول سميرة إنها وزوجها تعمدا هذا العنوان للفضاء التجاري، «لعلمنا بولع الجزائريين بالمسلسل». وتشتغل سميرة وكمال مع (تجار شنطة) جزائريين، يعرفون أسواق دمشق وإسطنبول أكثر من أسواق بلدهم، ويحضرون لهما الطلبيات التي يريدانها مرة كل شهر. وتقول الحلبية إن ظروف أسرتها تحسنت كثيرا؛ قياسا إلى ما كانت عليه في الأسابيع الأولى من وصولها إلى الجزائر. وواجه اللاجئون المقبلون من سوريا صعوبات كبيرة، في البحث عن لقمة العيش. ولم تكن السلطات الجزائرية من جهتها، جاهزة لمواجهة «أزمة اللاجئين» لما تدفق الآلاف منهم إلى الجزائر بداية الصيف الماضي. وقضى الكثير منهم أياما طويلة في الساحات العامة، وأهمها «ساحة بورسعيد» المطلة على ميناء العاصمة. ومن بين هؤلاء الشاب ياسر المقبل من حمص، الذي قال: «قبل أن يغرق بلدي في العنف، كنت تاجرا مع والدي الذي توفي في عز الأزمة متأثرا بمرض عانى منه طويلا. غادرت سوريا أنا وشقيقتي الكبرى، بينما فضل شقيقاي محمد وعبد الله البقاء. لما وصلت إلى مطار الجزائر العاصمة، أخذتني سيارة أجرة إلى ساحة بورسعيد التي حدثني عنها ابن حارتي - الذي سبقني إلى الجزائر - إذ قال لي بأنها مأوى السوريين حينها». وعن سبب اختياره الجزائر، قال: «أولا لأنه لا توجد تأشيرة بين البلدين، وثانيا لأنها بلد مستقر نسبيا قياسا إلى بلدان أخرى تعيش أهوال الثورات مثل تونس. إذ لدي أصدقاء سافروا إلى تونس، ولكن المقام لم يطل بهم هناك فجاءوا إلى الجزائر.. وثالثا وهو الأهم أنني نجوت بأعجوبة من محاولة اغتيال على أيدي مرتزقة النظام». وياسر هو واحد من المئات، افترشوا الساحات العمومية بالعاصمة في البداية، قبل أن تنقلهم سلطات ولاية الجزائر إلى موقعين. أكبرهما «سيدي فرج»، وتحديدا إلى مخيم «الكشافة الإسلامية الجزائرية» الواقع بالضاحية الغربية للعاصمة. وموقع آخر يوجد ببرج الكيفان في الضاحية الشرقية. والموقعان يشرف عليهما «الهلال الأحمر الجزائري» الذي نشر المتطوعين على الموقعين لخدمة اللاجئين بتقديم وجبات الغذاء وكل لوازم العيش. وقد أحصت وزارة الخارجية الجزائرية 18 ألف لاجئ سوري يقيمون منذ الصيف الماضي في الكثير من المدن الجزائرية، لكن أغلبهم موزعون على الموقعين اللذين خصصتهما السلطات لهم بالعاصمة مؤقتا، والعشرات منهم يشتغلون بالتجارة، التي تجذب زبائن جزائريين تعودوا على الشراء من محلات دمشق، كالأقمشة.. وحتى الخبز السوري المعروف بدأ يلقى رواجا وسط العائلات الجزائرية. ويقول مراد، أحد المنتدبين من «الكشافة الإسلامية» ب«الهلال»، في لقاء به بسيدي فرج: «المخيمات التي يوجد بها الإخوة السوريون، لا يمكن أن تكون مقر إقامة دائمة لهم لأنها لا تتوفر على أهم ضرورات العيش، فلا يوجد هنا إلا دورتا مياه وحمامان مخصصان ل40 عائلة. ومع ذلك قبل الكثيرون بالإقامة هنا، فيما قرر الكثير مغادرة المكان للبحث عن شغل وتأجير بيت بضواحي العاصمة». ومن بين هؤلاء عبد القادر، الذي التقته «الشرق الأوسط» بالمخيم زائرا أصدقاء دمشقيين. يقول بخصوص حالته: «لما نفد ما كان لنا من مال، اضطرت زوجتي إلى بيع مجوهراتها، ونقيم حاليا بفندق صغير بباب الزوار (الضاحية الشرقية) ندفع في الليلة الواحدة 5 آلاف دينار (40 دولارا) ونقضي أيامنا في حديقة حي 5 يوليو بنفس الحي، رفقة عائلات سورية أخرى». وأوضح عبد القادر أنه وجد عملا في محل لبيع قطع غيار السيارات، وأن سكان الحي يحضرون وجبات ساخنة في أيام يناير الباردة، ويقدموها للاجئين بالحديقة. مشيرا إلى أنه «مدين للجزائريين الذين يساعدوننا بالمال والثياب، ومدينون كلنا للسلطات التي وفرت لأبنائنا مقاعد في المدارس». وتتلقى الأسر بمخيم سيدي فرج زيارات لاجئين سوريين إسلاميين ويساريين يعيشون بالجزائر منذ سنين طويلة، أغلبهم خرج هاربا من بلده بسبب اضطهاد نظام الرئيس السابق حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي. وأبرز وأنشط هؤلاء الدكتور فيصل، الطبيب المختص في الجراحة العامة بمستشفى «مايو» بحي باب الوادي الشعبي وهو من الإخوان المسلمين. والطبيب حلاق، وهو يساري كثير التواصل مع المعارضة في داخل سوريا وخارجها.. وآخرون استعانت بهم الدولة في إطار سياسة التعريب بعد الاستقلال (1962). ويجلس «اللاجئون الجدد والقدامى» في المخيم ليتعاطوا مع شؤون السياسة ومع مصير النظام في سوريا. ويتحاشى غالبية من تحدثنا إليهم، قدامى أو جددا، الخوض في الموقف الرسمي الجزائري الذي يوصف بأنه «داعم للنظام» في سوريا. وتقول أميمة وهي ناشطة بتنظيم طلابي: «أعتقد أن الكثيرين أساءوا تقدير الموقف الجزائري، فهو كما فهمناه من مسؤولين التقيناهم يبحث عن تجنيب سوريا التدخل الأجنبي، وإبعادها عن سيناريو شبيه بما جرى في ليبيا. وعلى هذا الصعيد أتفق مع الجزائريين. لكن ما يهمنا حاليا هو تضامن الجزائر حكومتها وشعبها معنا في هذه المحنة، وهو موقف لم نكن نتوقع غيره». وأبدى عبد الستار (50 عاما)، والمقبل من إدلب، خوفا من صدور قرار بطرده؛ لأن التدابير القانونية الخاصة بالأجانب الذين يدخلون التراب الجزائر من دون تأشيرة تفرض عليهم مغادرة البلاد في غضون ثلاثة أشهر. لكن مئات السوريين أمثال عبد القادر يقيمون بالجزائر منذ أكثر من ستة أشهر، ولم يتعرضوا للمضايقة من جانب السلطات. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر ب«الهلال الأحمر» أن وزارة الداخلية أمرت أفراد الشرطة بعدم اتخاذ أي إجراء ضد السوريين، في حال طلبوا منهم بالساحات العامة إظهار وثائقهم الرسمية. وجاء في التعليمات، الاكتفاء بالتأكد من الهوية والجنسية دون السؤال عن وثائق الإقامة. وأفاد المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حرص بنفسه على إعفاء اللاجئين السوريين من الإجراءات الإدارية الطويلة، المطلوبة للحصول على وثائق الإقامة. واستفادت العائلات السورية من مساعدات الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية، وأهمها «الإصلاح والإرشاد» المقربة من الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، و«شبكة الدفاع عن الحريات والكرامة» و«شبكة ندى»، التي تعمل في مجال حماية الأطفال من أشكال العنف، والتي يقول رئيسها عبد الرحمن عرعار: «منذ الأيام الأولى لانتشار الأشقاء السوريين في الأماكن العامة، خرج أفراد الشبكة إليهم لتقديم المساعدة. وبحكم طبيعة عملنا، سعينا لدى السلطات لتسجيل أطفال اللاجئين بالمدارس ووضعنا تحت تصرف اللاجئين مختصون في الطب النفسي لمساعدتهم على تجاوز الأزمة».