تجلى انقلاب 19 جوان 1965، الذي قاده العقيد هواري بومدين، ضد الرئيس أحمد بن بلة، بشكل إبداعي في رواية ''أصابع لوليتا'' لواسيني الأعرج. وجاءت الرواية محملة بحرقة الاستنكار، دون الوقوع في فخ العمى والكراهية التي تتخذ مواقف نضالية، رغم أن الرواية في حد ذاتها تتخذ من شخصية يونس مارينا، المثقف النقدي والمناضل المتعاطف مع الرئيس بن بلة والحركة اليسارية، كشخصية مركزية. يستعيد يونس مارينا، وهو في فرانكفورت بألمانيا، أحداث 8 مارس 1945، من خلال مأساة المحرقة التي ارتكبتها النازية في حق اليهود بأوشفيتز، مقولة هواري بومدين بخصوص موقفه من أحداث 8 ماي: ''في ذلك اليوم شخت قبل الأوان. المراهق الذي كنته أصبح رجلا. في ذلك اليوم تدحرج العالم''. ومن فكرة التدحرج وانزلاق السلطة السياسية عقب انقلاب 19 جوان، يستنتج واسيني مأساة روائية مأخوذة من التاريخ، وكأنها انتقلت بشكل مباشر إلى رواية ''أصابع لوليتا''، التي تعد رواية بوليسية (لأننا نعيش على وقع التحقيق الذي تجريه الشرطة بشأن تهديدات البطل- الكاتب بالقتل) ورواية سياسية (لأنها تتناول تجاوزات السلطة في مرحلة ما بعد الاستعمار، وتصل إلى غاية قضية عبان ولو بشكل عابر)، وهي رواية تقوم على التناص وتستحضر الروايات العالمية، بل تقوم على شخصية لوليتا (نوة التي جندتها الجماعات المسلحة لقتل يونس مارينا) التي خرجت من ''لوليتا'' الروائي الروسي (الأمريكي) فلاديمير نابوكوف، بعد أن حاور رواية ''دون كيشوت'' لسيرفانتيس في عدد من أعماله السابقة. كما تعتبر رواية - السيرة الذاتية التي تحكي جوانب كثيرة من حياة المؤلف. كما أنها رواية فلسفية تتخذ حواراتها المتعددة شكلا فكريا. يتخذ يونس مارينا، الروائي المقيم في فرنسا، فرارا من تهديدات التطرف السياسي والديني، موقفا صريحا من انقلاب العقيد بومدين، في إشارة واضحة إلى موقف المثقفين اليساريين الجزائريين من الظاهرة الانقلابية ومساندتهم للشرعية، كما عاهدناه في رواية ''التطليق'' لرشيد بوجدرة. صنع واسيني من هذه اللحظة التاريخية، فصلا مأساويا في روايته، اتخذ شكلا إبداعيا، ينطلق من المقولة التالية: ''يونس مارينا، لم يجد أي مبرر مقنع ليغفر للعقيد انقلابه العسكري ضد الرئيس بابانا'' (هي التسمية الشعبية للرئيس أحمد بن بلة). وكان على بطل الرواية، أن ينتظر لسنوات وأفول جزء من عمره، لكي يبحث عن مبررات. وكما صنع الانقلاب مأساة الرئيس بابانا في جوان ,1965 تغيرت حياة يونس مارينا، بدوره رأسا على عقب، فوجد نفسه قد تحول إلى صحفي يكتب مقالات ينشرها في جريدة سرية يسارية هي ''معذبو الأرض''، عبّر فيها عن استيائه مما حدث، فتشرّد عبر مدن الدنيا. وجاء تعاطفه مع الرئيس بابانا من عدة منطلقات، منها أن والده الشهيد ناضل معه، وهو ابن منطقته ''مارينا''. كتب يونس مارينا عن الانقلاب وعن طفولة الرئيس بابانا إلى درجة التماهي معه، بحيث ''كلما عجز عن التصوير وخانته المعلومات، عوضها بطفولته هو''. لقد دخل البطل (حميميد) في قلب المأساة، وأصبح اسمه يونس (جوناس)، وبذلك دخل بطن سمك الحوت بشكل رمزي (مصير المثقف النقدي)، وانغمس في المأساة. مأساة 19 جوان لم تصنع مأساة الرئيس بابانا لوحده، بل صنعت مأساة بطل الرواية، وهي التي جعلت منه روائيا، إذ حوّل جل مقالاته إلى روايات ترجمت إلى عدة لغات. ومن ذلك اتخذت حياته منحا مأساويا جعله يسأل ''لوليتا..هل تدرين كيف يتدرب الإنسان على حب قاتله؟''. واسيني الأعرج ''أصابع لوليتا''. رواية. منشورات الفضاء الحر. الجزائر العاصمة. 445 صفحة.