لايكلّ ولا يملّ.. فالأستاذ عز الدين ميهوبي كلما تعلق الأمر بالإنتاج والإبداع فهو دوما في حالة اعتكاف مع الكتابة، يطلق العنان لبنات أفكاره، محاولا تقديم الجديد والمفيد، بعيدا عن الثرثرة أو الإستنساخ. ولأنّ أعماله لا تحتاج إلى دعاية لأنّ لها القدرة على اختراق الحدود والأوطان، فإنّ الأستاذ ميهوبي يبقى متشبثا بهدوئه وبابتعاده قدر المستطاع عن الأضواء، بتواضعه الدائم، استقبل الأستاذ ميهوبي "المساء"بمكتبه، بالمكتبة الوطنية وتحدث إليها في اهتمامات شتى. المساء: علمنا أنك بصدد التحضير لأعمال ابداعية كثيرة، هل لنا أن نعرف منك بعضا منها؟ عز الدين ميهوبي: أنا حاليا بصدد كتابة رواية تحمل عنوان ”أرض الإثم والغفران” ولاتزال تتطلّب مني الكثير من البحث، إذ أريدها أن تكون عملا إبداعيا لتثقيف القارئ، علما أنّها تحمل إسقاطات سريالية مثيرة، على العموم، سأقدم تفاصيل عنها عندما أنتهي من كتابتها في الأيام القليلة القادمة، لي أيضا عمل جديد مودع الآن على مستوى التلفزة الوطنية وهو عمل درامي بعنوان ”المروحة والداي” (في حلقات) آمل في أن يحظى بقبول اللجنة، علما أنني رأيت أنّه لابد من تقديم أعمال تتناول المقاومة في بدايتها، أي في السنوات الأولى للإحتلال، والبداية بالمخططات التي حيكت ضدّ الجزائر منذ نابليون، ايماني كبير في أنّ التاريخ لا يمكن تجزئته بل لابد من الإلمام بكل الحقب التاريخية وابراز الشخصيات والرموز التي كان لها تأثير في مراحل معنية، وهو ما من شأنه أن يمنح الأجيال الجديدة فسحة لقراءة التاريخ بالصورة المثلى، لذا فإنني لا أفضل حلقات التاريخ عن بعضها، فمثلما كتبت عن ماسينيسا ويوبا الثاني كتبت عن المقاومة والحركة الوطنية وتناولت رموزا من الثورة الجزائرية، لأن هناك جامعا مشتركا بين هؤلاء يتمثل في المقاومة والرفض والتمرّد على سلطة المحتل، فمثلما تعاملت مع شخصيات في زمن نوميديا إلى المقاومة التي جاءت بعد غزو الجزائر (فرنسا) إلى بروز جيل الثورة المسلحة، فمن التاريخ يمكن أن نأخذ الذاكرة ونرمم الهوية ونجعل الإرتباط قويا بتاريخ الوطن. على ذكر التاريخ، كان لفيلم ”زبانا”حضور متميز، حدثنا عن تجربتك معه؟ إذا تأملنا تاريخ الثورة الجزائرية فإنّ الذين اشعلوا وقودها كانوا من الشباب، وبالتالي فهم أفضل من يكون نموذجا للجيل الجديد الباحث عن معالم في حياته. فلم لا يكون زبانا الذي ارتبط بوجدان الشعب الجزائري المثل في التضحية أفضل من مطربي الهيب هوب، لأنّ الذي يدفع حياته ليس بنفس القيمة التي يكون عليها بعض باعة الوهم والمتعة. زبانا هو واحد من آلاف المناضلين الذين لم يكونوا يحوزون على رصيد من المسؤوليات في الثورة إذ لم يكن من بين جماعة ال 22، ولا قائدا لولاية أو منطقة، إنما كان على درجة عالية من الإيمان بالتضحية ودفع الروح من أجل حرية الوطن، وهو الأمر الذي جعل البحث في سيرة زبانا صعبا، فالمصادر قليلة لذلك ركّزنا على المواقف والمحطّات القوية في حياته واعتمدنا على مراجع حقيقية تمت ترجمتها إلى مشاهد درامية راعت الجانب الفني وحافظت على الحقيقة التاريخية، رغم ادراكنا أنّ السينما تظلّ فن المتخيل وليست أداة لكتابة التاريخ. أبرزنا لحظة القبض عليه في غار بوجليدة ومدى مقاومته لزبانية الجيش الفرنس والتعذيب الذي تعرّض له والمحاكمة التي فضحت الخطاب الاستعماري وحياة المحكوم عليه بالإعدام ودور محاميي جبهة التحرير للدفاع عنه وكذا التجاوزات التي تمت أثناء الحكم بالإعدام ودور السياسيين الفرنسيين وفي مقدمتهم ”ميتران”، كل هذا جعل الفيلم ينال تقدير النقاد السينمائيين. إضافة، إلى أنّ ”زبانا” انتقل من الفيلم الدعائي الثوري إلى الفيلم الذي يستنطق الذاكرة، الفيلم مرشح للأوسكار وقد بدأ يقترب من أهم المهرجانات العالمية لفكرته ولطريقة تقديمه. ظهورك على الساحة بات محتشما فما سبب ذلك؟ ابتعادي عن الأضواء لايعني أنني لا أواصل الكتابة وتقديم الجديد في السينما والمسرح والأدب، بحورتي مالا يقل عن 12 عملا جاهزا للطبع، مع العمل على تحويل فصول رواية ”اسكريم” إلى السينما. حضوري الإعلامي كان مبررا إذ كانت المسؤوليات التي اسندت لي تتطلب حضورا طبيعيا، أمّا الآن فأنا أدير مؤسسة ثقافية لها تحدياتها ولست مطالبا بالظهور باستمرار في وسائل الإعلام، بالمقابل شاركت في الفترة الأخيرة في مهرجان دبي للسينما، كما ألقيت محاضرة في العاصمة الأردنية عمّّان، حول ”المثقفون والثورة” وقد نالت قسطا مهما من النقاش حول دور المثقفين الذين ارتبطوا بالثورة عضويا جزائريين كانوا أو فرنسيين أو غربيين، إضافة إلى موقف المثقفين العرب من الثورة الجزائرية، كما شاركت في ندوة دولية حول ”التطرف والإعلام” في أديس أبابا. من جانب آخر، فإنّ لي مساهمات في عديد الصحف العربية، منها مقال يومي في جريدة ”الوطن القطرية” بعنوان ”كلمة ونص”. كما طلب مني مؤخرا التحليل والتعليق على بطولة الخليج لكرة القدم، ضمن وجهة مغاربية تقيّم الرياضة الخليجية. يرى البعض أنّ المكتبة الوطنية تعيش سباتا، خاصة فيما يتعلق بالأنشطة الثقافية فما رأيكم؟ البعض ربط دور المكتبة الوطنية بالنشاطات الثقافية اليومية وهذا ليس بدورها، لأنها ليست مركزا ثقافيا يعني بتقديم مثل هذه النشاطات التي لها فضاءاتها الخاصة والمؤسسات التي تتكفل بها. للمكتبة الوطنية مهام معروفة منها: حفظ وترميم المخطوطات والكتب النادرة والوثائق. كما أنّ المكتبة الوطنية ليست فضاء للمطالعة العمومية فهناك مكتبات موجودة لهذا الغرض. يبقى القول أنه إذا ما كانت هناك نشاط تنظمه المكتبة، فيجب أن يكون مرتبطا بمهامها لا أن يزاحم مؤسسات أخرى في نشاطها الثقافي المعتاد. نشير إلى أنّ المكتبة الوطنية سطّرت برنامجا في إطار خمسينية الإستقلال وذلك ضمن برنامج قطاعي يتناول تاريخ المكتبة الوطنية الجزائرية ومهامها ومشاركة مكتبات عالمية للتعرف على تجاربها وكذا تنظيم ملتقى لابراز ما تتوفر عليه المكتبة من رصيد وكنوز. هناك أيضا المشروع الأكبر للمكتبة وهو رقمنة وعصرنة نظامها الإلكتروني للوصول إلى رقمنة أهم ما تتوفر عليه وإنشاء بنك للمعلومات يستفيد منه الباحثون. لك جمهورك الواسع داخل وخارج الوطن، كيف يمكنه التواصل معك أو الاطلاع على جديدك في حينه؟ أسعى دوما للإلتقاء بجمهوري عبر مختلف الفضاءات والمناسبات لأقدم له جديدي، خاصة المكتوب منه لكي يمكن لقرائي الأعزاء الولوج إلى موقعي الإلكتروني الذي استحدثته بنفسي (عزالدين ميهوبي-كوم) والذي يتضمن كل صغيرة وكبيرة عني منذ طفولتي وإلى غاية إجراء هذا اللقاء مدعما بالصور أكثر من 500 صورة وبالمؤلفات (كتب،روايات، قصائد، مقالات...) وكل أعمالي الفنية أوبيرات، أغاني، مسرحيات، أفلام، قراءات شعرية لي أو من أداء غيري، فمثلا على الموقع تقرأ قصيدتي مذيعة من الأم- بي-سي، نشرت (سدي) للجمهور وكذا حواراتي وتكريماتي بالجزائر والوطن العربي وأوربا وأمريكا وأهم الجوائز العالمية التي تحصلت عليها والتي رفعت بها رأس الجزائر عاليا، فتحية لجمهوري أينما وجد.