يواجه الليبيون تحدي صياغة دستورهم الاول بعد 15 شهرا على مقتل معمر القذافي الذي حكم البلاد 42 عاما لكن خلافات، خصوصا حول الشخصيات التي ستقوم بكتابته، تؤخر العملية التي يمكن ان تنهي حالة عدم اليقين وتؤمن الاستقرار. وبموجب الاعلان الدستوري الموقت الذي اقر في مارس 2011 بعد بداية الثورة وينظم العملية الانتقالية في ليبيا، يفترض ان تكون هناك لجنة متخصصة لكتابة هذا الدستور، وفق وكالة الأنباء الفرنسية. وهذه اللجنة ستحدد القضايا الرئيسية التي تنظم قوانين البلاد بدءا من نظام الحكم ولغة البلاد الرسمية الى وضع المرأة والاقليات (الامازيغ) ودور الشريعة الاسلامية في الدستور. لكن أعضاء المؤتمر الوطني العام لم يتوصلوا بعد الى توافق بشأن ما اذا كان سيتم انتخاب اعضاء هذه اللجنة من قبل الشعب، او تعيينهم من قبل المؤتمر الذي يضم مئتي عضو انتخبوا في يوليو 2012 ويعد حاليا السلطة التشريعية التي بامكانها تعيين حكومة واعتماد دستور يكون اساسا لاي انتخابات مقبلة. وقال مراقب للانتخابات يعمل في منظمة دولية مقرها في طرابلس "اعتقد انهم (المؤتمر الوطني) يتجهون نحو انتخاب اللجنة لانهم لا يريدون تحمل مسؤولية النتائج"،أو لانهم يريدون تمديد فترة بقائهم في السلطة. وأضاف المراقب طالبا عدم الكشف عن هويته "بتأخير الدستور تزداد حالة عدم اليقين بالاستقرار بسبب التشريعات والقوانين التي لا تستند الى الدستور، مما يؤثر ايضا على الاقتصاد والاستثمار بسبب القوانين المؤقتة التي تؤثر على كل شي". وكان رئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف صرح في ديسمبر الماضي ان "المؤتمر سيتخذ قراره بعد مشاورات مع منظمات المجتمع المدني وشريحة واسعة من الجمهور"، بدون ان يحدد إطارا زمنيا لهذه العملية. واشار الى ان الاعلان الدستوري الموقت كان ينص على تعيين اعضاء اللجنة من قبل المؤتمر وتم تعديله قبل ايام من انتخابات المؤتمر الوطني العام في يوليو. وأصبحت هذه الوثيقة بعد التعديل تنص على انتخاب لجنة صياغة الدستور من قبل الشعب. وفسرت هذه الخطوة على انها تنازل لدعاة التوجه الفدرالي الذين يطالبون بحكم ذاتي لاقليم برقة (شرق ليبيا) وهددوا بمقاطعة الانتخابات التي جرت في يوليو الماضي. ومن حيث المبدأ، ستتكون لجنة كتابة الدستور من ستين عضوا يمثلون بالتساوي الاقاليم "التاريخية" الثلاثة في ليبيا، برقة (شرق) وفزان (جنوب) وطرابلس (غرب). ويرى دعاة التوجه الفدرالي في برقة ان الانتخابات ستسمح لهم بضمان ثقل في لجنة كتابة دستور ينص على حكم فدرالي في البلاد، كما كان في اول دستور للبلاد اقر في 1951 ثم عدل في 1964 لالغاء الفدرالية. وأشار المقريف الى ان البعض الآخر يريد ان تتم كتابة الدستور من قبل خبراء معنيين بذلك بسبب "الطبيعة التقنية لهذه المهمة". واكد ان "المؤتمر وقبل اتخاذه اي قرار بطريقة او باخرى لا بد ان يفتتح حوارا وطنيا بكل شفافية ليستقر على الرأي الاخير مع اخذ رأي المواطن في الاعتبار". وقال المقريف لوكالة الأنباء الفرنسية ، ان "المؤتمر كلف لجنة خاصة بزيارة مختلف المدن والمناطق لتتحدث مع منظمات المجتمع المدني في محاولة لقياس الرأي العام". وصرح ابو بكر بعيرة احد قادة دعاة الفدرالية ان معسكره يريد ان يتم انتخاب لجنة مؤهلة من قبل الشعب مباشرة في اقتراع حر وعادل. وقال لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا نعرف الى اي حد يمكن ان نصل لكننا ضد مفهوم اختيار الشخصيات بالتعيين". لكن حسن الأمين الممثل المستقل لمدينة مصراتة في المؤتمر الوطني انتقد المبادرة ورأى ان المؤتمر "تأخر في حسم هذا الاستحقاق (...) انشغل بأمور تشريعية ليست من اختصاصاته و تجاهل اولوياته"، معتبرا ان "هذا التأخير غير مبرر". وأضاف ان "القرار الان بيد الشعب على عكس ما كان متوقعا ان تكون هذه المهمة هي مهمة المؤتمر باعتبارة هو ممثل الشعب الليبي". وتابع انه سيفكر "جديا في تعليق عضويته في المؤتمر (الوطني) ان لم يتم سريعا حسم هذا الاستحقاق الذي وصفة بالعاجل لمصلحة ليبيا". وقد انسحبت كتلة تحالف القوى الوطنية من الجلسة الصباحية للمؤتمر الوطني العام اليوم الاحد بسبب "فوات المدة القانونية المحددة" في الاعلان الدستوري لاختيار لجنة الستين المعنية بكتابة الدستور. وقالت الكتلة في بيان ان "هذا الانسحاب من الجلسة جاء لتاخر المؤتمر في البت في لجنة الستين". واكد الامين العام المكلف للتحالف صلاح البشاري لوكالة الأنباء الفرنسية، ان الانسحاب "تسجيل موقف على هذا التاخير وتبيان لاوجه القصور في اداء المؤتمر". ويضم التحالف العديد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الليبرالية ويشغل 39 مقعدا في المؤتمر الوطني. واشارت كلوديا غاتسيني المحللة في مجموعة الازمات الدولية في طرابلس الى "حكمة في هذا الاسلوب". وقالت "من الافضل التروي واخذ رأي الناس بدلا من الاندفاع في العملية واثارة نفور الرأي العام". من جهة اخرى، رأى المعهد الوطني الديموقراطي ومقره واشنطن مقرا له ان هناك "اجماعا واسعا على ان الدستور الجديد يجب ان يعتمد بشدة على الشريعة الاسلامية لكن هناك توافقا في الآراء بشان الحاجة الى تجنب التطرف في كتابته". ويرى محللون ان "الدستور الجديد هو مفتاح لتحرك العدالة الانتقالية الى الأمام والى تشجيع الاستثمار في العودة، لان من شانه ان يوفر اطارا للتشريع في المستقبل."