في زيارته إلى تركيا تحدثت دوائر سياسية واقتصادية تونسية عن نجاح حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية في استقطاب جانب مهم من الدعم السياسي والاقتصادي لتونس ما بعد الثورة. فالزيارة توجت بتوقيع إعلان سياسي لبعث مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بإشراف رئيسي حكومة البلدين ينعقد مرة في السنة بالتناوب بين تونس وتركيا. وستكون من أولى مهام هذا المجلس الذي يتم بعثه لأول مرة في بلد أفريقي أو من بلدان المغرب العربي، تعميق التشاور السياسي ودعم التعاون بين البلدين في مختلف القطاعات. كما توجت الزيارة بتوقيع اتفاقية ثنائية في المجالين التربوي والثقافي تقضي بإحداث مركزين ثقافيين للبلدين حيث أمضى الاتفاق كل من رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسية وأحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي. وتعمل تركيا على الاستفادة المثلى من علاقاتها التاريخية مع دول الربيع العربي وخاصة تونس التي تربطها علاقات تاريخية متينة مع الأستانة. وقد اتخذت زيارة الجبالي طابعا اقتصاديا بامتياز حيث التقى ممثلي رجال الأعمال وأوساط الأعمال التركية وألقى كلمة أمام الجمعية العامة لاتحاد الغرف الاقتصادية التركية. والتقى خلال الزيارة الرئيس التركي عبد الله غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وجميل تشي تشاك رئيس المجلس الوطني. وبدأ زيارته إلى تركيا بالتنقل إلى ضريح الزعيم التركي كمال أتاتورك صاحب التأثير القوي على برنامج تحديث تونس بعد الاستقلال بقيادة الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق الزعيم التاريخي لتونس. حول تلك الجوانب الاقتصادية للزيارة قال سعد بومخلة (أستاذ علم الاقتصاد بالجامعة التونسية) إن تركيا التي حققت خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية أرقام نمو هائلة قدرت بنحو 8% تسعى إلى توسيع نطاق استثماراتها. وأضاف أن فرصة الثورات العربية في «مستعمراتها» القديمة إن جازت العبارة قد تكون تاريخية للرجوع إلى الساحة السياسية من خلال الاستثمارات الاقتصادية. واعتبر أن استفادة تونس من «شراهة» المستثمر التركي قد تكون مجدية للطرفين. وكان رجب طيب أردوغان التركي قد أشار خلال ندوة صحافية إلى أن السنة الجديدة 2013 ستشهد عقد أول اجتماع وزاري للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين وتوقع أن يعقد الاجتماع خلال شهر مارس (آذار) القادم. وفي باب دعم العلاقات بين تونس وتركيا عبر أردوغان عن ارتياحه لتلك العلاقات خاصة بعد إدراج اللغة التركية في المناهج التعليمية التونسية بالإضافة للسماح ل300 طالب تونسي بمزاولة تعليمهم الجامعي في تركيا. وعبر الجبالي من ناحيته عن أهمية إحداث المجلس الأعلى للتعاون الثنائي وقال: إنه «سيدشن عهدا جديدا في العلاقات الثنائية التي تستمد جذورها من التاريخ المشترك بين البلدين». ويذهب الجبالي إلى أكثر من التعاون بين تونس وتركيا ويرى أن التعاون بينهما سيكون بداية لقطب حضاري يضفي توازنا أكثر على العلاقات الدولية بحكم روابط تركيا مع روسيا وأوروبا وأميركا وكذلك منطقة البلقان هذا من ناحية، وللعلاقات المميزة لتونس مع بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان الأفريقية. ولم ينس الجبالي الإشارة إلى تحسن الجوانب الأمنية في تونس وحرص الحكومة على تجاوز مجموعة من التحديات والصعوبات خلال المرحلة الانتقالية. ولطمأنة الجانب التركي قال: إن الحكومة تعمل على ضبط جدول زمني محدد وواضح يحمل مواعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة وقال أيضا إن ذاك الموعد قد لا يتجاوز شهر يونيو (حزيران) 2013. أما الجوانب الاقتصادية فقد حظيت بدورها باهتمام مشترك ترجمته عملية توقيع اتفاق على إحداث تونس منطقة صناعية لفائدة رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك. ولدعم المرحلة الاقتصادية الانتقالية في تونس، ستقدم تركيا مساندة على جميع المستويات السياسية والمالية وذلك بتوفير اعتمادات مالية لا تقل عن 500 مليون دولار أميركي (نحو 1000 مليون دينار تونسي) من بينها 100 مليون دولار على شكل هبة. وكان الجبالي قد ألقى محاضرة يوم الثلاثاء أمام مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الأتراك أكد من خلالها على وجود بوادر فعلية لإنجاز بعض المشاريع الاستثمارية التركية ذات القيمة المالية والمردودية الاقتصادية العالية من أبرزها مشروع المنطقة الصناعية بإحدى ضواحي العاصمة التونسية. وقال: إن هذا المشروع سيكون عبارة عن قرية صناعية تحتكم إلى مواصفات عالمية مما يسهل إقبال المستثمرين الأتراك على تونس. وكان الجبالي قد عرض تفاصيل حول الاقتصاد التونسي وقضايا التنمية أبرزت التحسن الملحوظ المسجل على مستوى الكثير من المؤشرات الاقتصادية حيث بلغت نسبة النمو السنوي حدود 3.5% خلال النصف الأول من السنة الحالية رغم حالة الركود الاقتصادي التي يعرفها الفضاء الأوروبي أكبر مستورد للبضائع التونسية. وقال كذلك أن نسبة البطالة قد تراجعت من 18.9% إلى 17.6% كما سجل الاستثمار الخارجي زيادة لا تقل عن 27% خلال التسعة أشهر الأولى من السنة الجارية بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. وطرح الجانب التونسي إمكانية استثمار رجال الأعمال الأتراك في مجالات السياحة والصناعة والفلاحة والخدمات على وجه الخصوص.