عفو ملكي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    اطلاق ثلاث خطوط جوية جديدة تربط الصويرة بباريس وليون ونانت ابتداء من أبريل المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    طنجة : الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة للثقافة والإعلام    المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    مراكش... توقيف مواطن أجنبي مبحوث عنه بموجب أمر دولي بإلقاء القبض    حرائق لوس أنجلوس .. الأكثر تدميرا والأكثر تكلفة في تاريخ أمريكا (فيديو)    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    توقيف شخصين في مراكش بتهمة النصب والاحتيال وتزوير وثائق السيارات    "الباطرونا" تتمسك بإخراج قانون إضراب متوازن بين الحقوق والواجبات    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    الملك محمد السادس يوجه برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنان الراحل محمد بن عبد السلام    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    أحوال الطقس يوم السبت.. أجواء باردة وصقيع بمرتفعات الريف    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    توقف مؤقت لخدمة طرامواي الرباط – سلا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إيداع 10 علامات تجارية جديدة لحماية التراث المغربي التقليدي وتعزيز الجودة في الصناعة الحرفية    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    فيلود: "المواجهة ضد الرجاء في غاية الأهمية.. وسنلعب بأسلوبنا من أجل الفوز"    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، محطة نضالية بارزة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية وتحقيق السيادة الوطنية    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    ميناء الحسيمة يسجل أزيد من 46 ألف من المسافرين خلال سنة 2024    جماعة طنجة تعلن نسبة تقدم أشغال تأهيل معلمة حلبة ساحة الثيران    من هو جوزيف عون الرئيس الجديد للبنان؟    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    ملفات ساخنة لعام 2025    تحذير رسمي من "الإعلانات المضللة" المتعلقة بمطارات المغرب    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتحاد كتاب المغرب.. برهان "الثقافي" قبل "السياسي"
التئام الشمل
نشر في مغارب كم يوم 13 - 11 - 2012

شكل المؤتمر الوطني الثامن عشر، لاتحاد كتاب المغرب، الحدث الأبرز واللحظة القوية أثناء "الدخول الثقافي والسياسي" للعام الجاري بالمغرب، لاعتبارات شتى، ضمنها تداخل الشأنين، طوال مسار المنظمة الثقافية، التي مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن .
ولم يفلح “الاتحاد” في الوصول إلى محطة المؤتمر الأخير، إلا بشق الأنفس، عقب تأجيلين اثنين للمؤتمر، لدرجة أن كثيرين توقعوا استحالة التئام شمل الكتاب المغاربة، إن لم ينفرط عقدهم، بمجرد لقائهم في قاعة المؤتمر، إثر بروز دلائل على مرض المنظمة أو احتضارها، وقد فقدت الكثير من الوهج في السنوات القليلة الماضية، وتحديدا منذ الولاية الأخيرة التي تقاسمها الناقد عبد الحميد عقار، قبل الانتفاض ضده وإقالته، ليتولى نائبه عبد الرحيم العلام، الإشراف على تسيير شؤون المنظمة لمرحلة انتقالية، بمعية من سانده من أعضاء المكتب التنفيذي، إذ سرعان ما دب الخلاف فيما بينهم ورئيس الاتحاد، على خلفية صراعات مبهمة، لم تخل من مطامع شخصية وتنافس على اقتسام الأدوار، بات معها مصير الاتحاد من جديد على كف عفريت، حتى إن بعض الكتابات الصحافية شيعته إلى مرقده الأخير.
ومما أرخى ظلالا من الشك على المؤتمر الأخير قبيل التئامه، الموقف “الحائر” الذي اتخذه حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” فقد تباينت آراء مثقفيه والمتعاطفين معه، بين الدعوة إلى رفع المظلة الحزبية عن الكتاب وتركهم، يقررون مصير منظمتهم بأنفسهم، من دون توجيه أو ضغط وحتى إغراء، انسجاما مع التحولات الديمقراطية العميقة التي عرفها المجتمع المغربي، والتي أضحت تسائل المثقف، اعتبارا لكون الكتاب يشكلون “نخبة المجتمع المتنورة وطليعته”.
وفي السياق نفسه، عارض آخرون التفريط كلية في هذه المنظمة الثقافية، وتركها لرياح المجهول، ملحين على ضمان استمرارها مع حد أدنى من تمثيلية حزبية، مضمرة أو معلنة، في الهيئة المنتخبة، تتيح لحزب الاتحاد الاشتراكي وهو في المعارضة، إسماع صدى صوته عبر القناة الثقافية، بعد أن تقلصت صورة الحزب في المجتمع وتراجعه المتوالي في الاستحقاقات الانتخابية، مع أنه التنظيم السياسي الذي عانى مناضلوه الكثير من الويلات، دفاعا عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وإنجازا لإصلاحات الدستورية والمؤسساتية في المغرب الحديث، على مدى أربعة عقود من المعارضة الشديدة لنظام الملك الراحل الحسن الثاني، منذ بداية العقد الستيني من القرن الماضي حتى مشارف القرن الحالي، حين نادى القصر الملكي على، عبد الرحمن اليوسفي، أمين عام الاتحاد الاشتراكي، ليقود أول ائتلاف حكومي، كان للمعارضة فيه نصيب محترم من المناصب، في إطار صفقة سياسية تاريخية أمكن عقدها، بعد مخاض تفاوضي عسير، بين الملك الراحل وأحزاب ما دعي “الكتلة الديمقراطية” التي ضمت أحزاب: الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا).
تداخل السياسي بالثقافي
سار اتحاد كتاب المغرب منذ تأسيسه، بداية الستينات بمحاذاة السياسة، لا يقرب بابها ولكنه يمارس نشاطه غير بعيد عن حياضها، تحت أنظار الفاعلين في مشهدها، وأغلبهم من أحزاب المعارضة صاحبة المصلحة الحقيقية في دعم المثقفين والمبدعين ومساندتهم لها في معاركها السياسية المحتدمة مع النظام، مستثمرة القوة الرمزية لحملة الأقلام ومنتجي الأفكار وصناع المعرفة، في بيئة سياسية لم تكن ناضجة وواضحة بالكامل خلال سنوات البناء الوطني الأولى.
ومن المفارقات الدالة أن مؤسسي منظمة الكتاب الأولى في البلاد، اختاروا لها تسمية مستوحاة من القاموس السياسي ومن التطلعات الجماهيرية في تلك المرحلة التاريخية الرومانسية “اتحاد كتاب المغرب العربي”، في إشارة ودعوة لكي يضطلع الكتاب بدور القاطرة الدافعة لقطار وحدة المغرب العربي، خاصة وأن الإعلان عن الهيئة تم بعد مضي حوالي سنتين على مؤتمر طنجة لأحزاب المغرب العربي، الذي حضره ممثلو القوى الرئيسة التي قادت مرحلة التحررالوطني من الاستعمار، في كل من المغرب وتونس والجزائر.
وكتأكيد على ذلك التوجه الوحدوي، ضم مكتب “الاتحاد” الأول، اسم كاتب جزائري مرموق هو الأديب مولود معمري، كما فتح اتصالا مع كتاب تونس وليبيا للغاية نفسها.
وبدل أن يقوي استقلال الجزائر الأمل في إمكانية تحقيق شكل من أشكال وحدة المغرب العربي لدى المثقفين، نشب خلاف سياسي على الحدود بين المغرب وجارته الشرقية حديثة العهد بالاستقلال، سرعان ما تطور إلى نزاع مسلح فألقت تلك الأجواء مجتمعة بظلالها القاتمة على مستقبل المنظمة الفتية، فتراجعت معها فكرة إنشاء رابطة للكتاب، تضم ممثلين عن البلدان المغاربية، لحشدهم، إلى جانب السياسيين، في معركة استكمال الاستقلال والبناء الوطني.
وفي ظل مناخ سياسي غير مشجع، نأى الرئيس الأول للاتحاد، الفيلسوف المغربي الراحل محمد عزيز الحبابي، بالمنظمة الفتية عن خضم المعترك السياسي، وأقام مسافة بينه، مهادنا النظام في بلاده، ما أثار عليه العناصر اليسارية الشابة في المكتب المسير للاتحاد، مشهرة معارضتها ناقلة الخلاف مع الرئيس من جدران “دار الفكر” مقر الاتحاد إلى رحاب الصحافة ما أحدث تعثرا في مسيرة اتحاد الكتاب وشد وجذب ومقاومة من الرئيس “الحبابي” الذي استجاب على مضض لعقد المؤتمر الثاني، بعد سبع سنوات، في صيف 1968، انتهى بغلبة التيار المعارض له وسيطرته على مكتب المنظمة، برئاسة الروائي عبد الكريم غلاب، الشخصية المؤثرة فكريا وإعلاميا في حزب الاستقلال المعارض، بينما انتخب نائبا للرئيس الناقد محمد برادة، المنتسب من جهته لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اليساري. والحزبان معا كانا ينسقان نشاطهما ومواقفهما السياسية في جبهة المعارضة.
واجهة ثقافية
مع ازدياد احتقان الأوضاع السياسية في المغرب وتأزم العلاقة بين النظام والمعارضة الحزبية، بدءا من النصف الثاني لعقد الستينات، وجد اتحاد كتاب المغرب نفسه، راضيا أو مكرها في خندق المعارضة، كون غالبية أعضائه منتمين أو متعاطفين مع قطبي المعارضة الرئيسين: الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وما تبقى منهم موزعون على تشكيلات اليسار الأخرى الحليفة للحزبين أو الدائرة في نفس الفلك.
سار الاتحاد خلال فترة ولاية “غلاب” بمحاذاة السياسة، معتمدا خطابه الثقافي ووفق قاموسه الخاص، لكنه يصب في خاتمة المطاف في نهر المعارضة الحزبية المتدفق في المغرب آنذاك.
وضع أقلق الملك الراحل الحسن الثاني، الذي فكر في الحد من ضجيج المجموعة المهيمنة على “اتحاد الكتاب”. هكذا تم حث من ينعتون بالكتاب الرسميين، على الحضور والمشاركة بكثافة في أشغال المؤتمر الرابع في ربيع عام 1973 لعرقلة إعادة انتخاب “غلاب”على رأس المنظمة كهدف أدنى، وراج حينئذ أن الحسن الثاني، متضايق من الكتابات المنتقدة التي تنشر في جريدة “العلم” لسان حزب الاستقلال بقلم مديرها غلاب.
تضايق الملك الراحل من رؤية غلاب، وهو يتصدر المشهد الثقافي والإعلامي، يمارس تأثيرا في الرأي العام بالمغرب، فسعى إلى إزاحته من رئاسة منظمة الكتاب بطرق بدت في حينها مرتبكة وتحريضية، إذ قاد الحملة أعضاء لا يتمتعون بمصداقية كبيرة بين المثقفين، لذلك فشلوا في مسعاهم والتف غالبية المؤتمرين وتوحدوا حول اسم “غلاب” المعارض سياسيا والجريء فكريا، لكنه سينال “العقاب” لاحقا حين حيكت ضده تهمة سياسية “إهانة الجيش”، فحوكم وأدخل السجن، وهو رئيس اتحاد كتاب المغرب ومدير جريدة “العلم” ونقيب هيئة الصحافة والأديب الأكثر شهرة ومقروئية في المغرب.
استمر غلاب على رأس المنظمة لغاية عام 1976، حيث سيحدث “انقلاب تنظيمي” تحمس له الناقد محمد برادة، بدعم من الأعضاء الشباب الذين تنامى عددهم في الاتحاد، وباتوا يشكلون كتلة ناخبة مؤثرة.
أقر المؤتمر الرابع، تغيير نمط انتخاب الرئيس من المؤتمرين مباشرة، وعوض بانتخاب مكتب يتولى اختيار الرئيس من بين أعضائه، ما يضمن الرئاسة للمرشح المتفق عليه سلفا، وما يسهل أيضا ترضية الحساسيات والمطالب الحزبية الممثلة في الاتحاد، والإيحاء بأن المنظمة تسيرها قيادة جماعية لا ينفرد فيها الرئيس بالقرار وحده.
اعتمدت المؤتمرات اللاحقة نفس النهج الجماعي التوافقي، بين الحساسيات الثقافية والحزبية وظل اتحاد الكتاب، محافظا على استقلاله النسبي إلى حد كبيرعن الأحزاب، مقيما مسافة بينة من النظام الحاكم، مركزا أنشطته على تنظيم التظاهرات الثقافية والاهتمام بالنشر، واستقطاب الكتاب الجدد الذين أقبلوا تباعا على الساحة الثقافية. هكذا تبلور مع الزمن تيار من الأدباء والمبدعين والدارسين الشباب تخرجوا من الجامعات، وأفصحوا عن مواهبهم وقدراتهم في الكتابة والإبداع، من خلال النشر في المنابر الإعلامية والثقافية المغربية والعربية، حيث يقترب عدد الأعضاء المسجلين الآن في سجلات المنظمة من 500 عضو.
ويعود الفضل للناقد محمد برادة في استقطاب الأعضاء الشباب وجرهم إلى الاتحاد، على مدى الولايات الثلاث التي أمضاها رئيسا لها، ليتركها إلى زميله أحمد اليابوري، في كلية الآداب بفاس والرباط، والأقرب مثله إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، لكنه كان أقل قدرة على الحركية والنشاط والاتصال مع أفواج الكتاب الجدد الذين راهنوا على “الاتحاد” للأخذ بيدهم وإسماع صوتهم.
اقتصر “اليابوري” على ولايتين مهدت الظروف والأسباب للشاعرمحمد الأشعري للترشح لرئاسة الاتحاد، وهو الأصغر سنا في ذلك الوقت ممن سبقه في الاضطلاع بذات المهمة، حيث ظل في موقعه خلال ثلاث ولايات مثل برادة.
اجتهد الأشعري وكان إلى جانب برادة في مكاتب سابقة، من أجل استعادة حضور الاتحاد في الساحة الثقافية بالمغرب والخارج، ثم أخلى الكرسي لزميله الشاعر عبد الرفيع جواهري، الذي انتخب ليقود مرحلة تحول اتحاد الكتاب، من جمعية إلى ما يشبه “المقاولة الثقافية”، على اعتبار أن الرئيس الجديد ذو خلفية قانونية، تمكنه من البحث عن مصادر التمويل للاتحاد من المجتمع والدولة.
تزامنت رئاسة جواهري لاتحاد الكتاب، مع إرهاصات التحول الديمقراطي في المغرب، نحو مزيد من الانفتاح والانفراج وتطبيع علاقة الدولة بالمثقفين، لذلك مرت رئاسته هادئة وخذله في مهمته مكتب غير منسجم الأعضاء، فآثر الرئيس عدم تكرار التجربة.
حسن نجمي، هو الشاعر الثالث الذي آلت إليه رئاسة الاتحاد، بعد الأشعري وجواهري. بدأ ولايته باندفاع الشباب وحماسه، فاتحا أبواب المنظمة للأصوات الشابة الجديدة، فارتفع في عهده منسوب الانخراط في اتحاد الكتاب، لكنه سيكون آخر رئيس قريب من حزب الاتحاد الاشتراكي، فاسحا المجال لرئيس تقدم للمسؤولية في رداء المرشح المستقل في شخص الأستاذ الجامعي والناقد عبد الحميد عقار، الذي أمضى ولايته الأولى في هدوء نسبي، من دون أن يكون في مستوى الانتظارات التي راهن عليها من شجعوه وساندوا ترشيحه، لقيادة الاتحاد، ولذلك اصطدم بعراقيل في بداية الولاية الثانية، لينتهي به الأمر إلى إقالته.
أجواء ساخنة
أعاد المؤتمر الأخير، أجواء النقاش الساخن الذي ميز الكثير من المؤتمرات السابقة، فقد برزت خلاله مواقف وتصورات متباينة، مستعيدا تلك التعددية في الآراء، زيادة على النقاش الحاد، ما تجلى في كثرة الترشيحات للرئاسة أولا ثم لعضوية المكتب التنفيذي في جولة الاقتراع الثانية.
أسفرت المنافسة عن فوز الناقد عبد الرحيم العلام، بأكثرية الأصوات، متخطيا بكثير المرشح الثاني الشاعر محمد بودويك، الذي كان إلى جانب “العلام” في المكتب المنتهية ولايته.
استفاد الرئيس الجديد من تجربته المديدة، في مكاتب الاتحاد، حيث تولى مهمتي أمانة المال ونائب الرئيس واستطاع، بكل ما أوتي من شبكة علاقات واسعة مع الكتاب، ومرونة في المواقف والإيحاء أنه قريب من الجميع، وبأنه “المرشح المثالي”. لكن الفضيلة التي تحسب له أكثر من غيرها، أنه حافظ على الاتحاد من الانهيار. ورغم أنه لمح أكثر من مرة بالانسحاب جراء إحساسه بالتعب، فإن وقوفه في وجه “التيار الغامض” صان هيئة الكتاب المغاربة من الضياع، بل يمكن القول إن المؤتمر الأخير هو الأفضل ضمن مؤتمرات أخرى، إذ تحققت فيه نقلة تنظيمية نوعية، وجدد المكتب المسير بالكامل، وصعدت الكاتبات بحصة غير مسبوقة، تطبيقا لمبدأ “المحاصصة” والمساواة بين المرأة والرجل.
ماذا يستطيع الاتحاد في صيغته المجددة، أن يفعله في سياق ثقافي مغربي متحول، وفي ظل تسابق على تأسيس الجمعيات الثقافية، وقد أصبح متحررا من تغطية الأحزاب السياسية وتحديدا الاتحاد الاشتراكي؟
لا يمكن مصادرة المستقبل، لكن من الحكمة القول كذلك، إن المسيرة الجديدة قد تصادف إشكالات من نوع مغاير، بينها أن غالبية أعضاء المكتب من خارج العاصمة الرباط، ما يطرح مشكل التطوع وانتظامه والجاهزية للعمل. والخوف أن يقع عبء التسيير والتدبير على مجموعة ضيقة قد تعلن تعبها مع مرور الأيام.
ويكمن الإشكال الثاني في القانون الجديد للاتحاد الذي يخول الرئيس صلاحيات كبيرة، وتلك السلطة الرمزية أو المعنوية يمكن أن تثير حفيظة بعض أعضاء المكتب الذين ينظرون إلى الأمور من منظار الذات، ما يحتم على الرئيس “العلام” أن يكون منتبها مصغيا ومرنا وواسع الصدر، للتوفيق بين الرغبات الذاتية ومصلحة الاتحاد العامة.
توزيع المهام؟
وكان اقتسام المهام الاختبار الأول لقياس مدى الانسجام الحاصل بين أعضاء مكتب الهيئة، الآتين من مشارب فكرية مختلفة. تم التوافق والتراضي بينهم بسهولة، والمؤمل أن يوفي كل عضو بما التزم به أمام المؤتمرين من تغليب المنفعة المشتركة لسائر المنتسبين للاتحاد بما يخدمه ويدعم حضوره المشع في المجتمع المغربي، خاصة وأن الاتحاد الجديد، فتح ورشات مهمة ستعطي إن نجحت، معنى ملموسا لصفة المنفعة العامة التي منحتها له الدولة منذ سنوات، من دون أن ينجح في تنزيلها وتفعيلها على أرض الواقع وتجعله في قلب المجتمع.
وفي هذا الصدد، عقد اتحاد الكتاب شراكات مع قطاعات حكومية، تبدو أنها بعيدة عن الانشغال بالشأن الثقافي مثل قطاع السكك الحديدية، في مشروع لتعميم القراءة بين مستعملي القطارات في فترات محددة. كما اتفق المكتب الجديد مع لجنة الوقاية من حوادث السير، لإصدار سلسلة كتب توعية من مخاطر الآفة التي تقتل كل يوم العشرات في طرق المغرب، وذلك في قالب تربوي ولغوي مشوق للأطفال والناشئة.
هذا، إضافة إلى توطيد التعاون مع شركاء الاتحاد التقليديين مثل وزارة الثقافة وصندوق الإيداع والتدبير، وبعض مجالس البلديات في المدن.
ويخطط الاتحاد كذلك لتنشيط حركة النشر حتى يستفيد كثيرون من أعضائه، وذلك بالانفتاح أكثر على القطاعين الحكومي والخاص لجلب تمويل مجمل المشاريع الثقافية المأمولة.
ولكي ينجح الاتحاد في كسب رهاناته، على المكتب المسير أن يبقي على تماسكه أولا ويشمر عن ساق الجد، إذ لم يعد اتحاد الكتاب بمفرده في الساحة الثقافية ولا يحق له أدعاء أنه الممثل الشرعي والوحيد للكتاب المغاربة. صحيح أنه البيت التاريخي المتعدد لأكثر من نصف قرن، حيث تعايشت وتجاورت أغلب التيارات والحساسيات الثقافية والإبداعية.
لقد تعب الآباء المؤسسون وتركوا الأمانة لمن آلت إليهم. يبقى على هؤلاء أن يثبتوا جدارتهم وأهليتهم حتى يحتفي من سيأتي بعدهم بمرور قرن على تأسيس اتحاد كتاب المغرب.
إنهم يرونه يعيدا ونراه قريبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.