الحوار مع الأستاذ والكاتب الكبير عبد الكريم غلاب، هو حوار يسائل محطات مختلفة في علاقة الرجل باتحاد كتاب المغرب، وهي محطات لا تخلو من طبيعة مراحلها السياسية والثقافية، والتي يتحدث عنها عبد الكريم غلاب من موقعه السياسي والثقافي، ومن موقعه كجيل له تحليلاته وفهمه للمعطيات وسير تدبير المراحل. { حوارنا الأستاذ غلاب، على هامش انعقاد مؤتمر اتحاد كتاب المغرب، يجر العديد من الأسئلة حول هذه المؤسسة الثقافية، التي تقلد فيها ضيفنا الرئاسة لثلاث فترات متتالية، وعايش مسار محطاتها المختلفة.. من هذا الموقع، الأستاذ عبد الكريم غلاب، كيف تقرأ طبيعة مراحل هذه المؤسسة وطبيعة مرحلة اليوم؟ أتصور مرحلة اتحاد كتاب المغرب مرحلة نضج. لقد كان اتحاد كتاب المغرب من أوائل اتحادات الكتاب العربية التي كونت بنوع من التلقائية الثقافية والحرية للمثقفين والأدباء، وكانت تعتمد على الفكر أكثر مما تعتمد على السلطة. وقد عرفنا أن هناك اتحادات كتاب، أو على الأقل اتحاد كتاب في القاهرة كان مكونا من انجاز السلطة. وكان يضم المثقفين المنتمين للسلطة، أقول المنتمين بالمعنى الواسع، أي أن كل المثقفين في وقت ما في مصر، كانوا أتباعا، لكن في المغرب، قررنا منذ اليوم الأول، أن يكون هناك اتحاد كتاب حر ومستقل، عن السلطة والحكم، ومستقل عن التأييد المادي أو المعنوي لرجال السلطة. وأنا أذكر أن المرحوم محمد الحبابي كان يسكن بجوار منزلي بشارع الأشعري في أكدال، وكنا نلتقي يوميا في الطريق إلى المنزل ونتحدث في الثقافة والأدب، من هذا المنطلق انتبهنا إلى أنه من الضروري تأسيس اتحاد كتاب المغرب. وإنصافا لهذا الرجل، فإني أشير إلى أن الفكرة جاءت منه. وكان ذلك في بداية الاستقلال. وقد كان الكتاب قليلين جداً، ثلاثة أو أربعة من الكتاب، وكان بعضهم طلبة في الكلية، وآخرون منتمين إلى أسرة الثقافة، منهم محمد الصباغ، وكان هناك كتاب من الجزائر يدرسون بكلية الآداب أو بالمدارس العليا بالمغرب، وكانوا من عشاق الكتابة... واتفقنا على أن يكون هناك اتحاد كتاب المغرب العربي، باعتبار أن الجزائريين يشاركون فيه. وتكون هذا الاتحاد، وبدأنا نجتمع بمنزل الحبابي أو بمنزلي. وبدأنا نتطلع إلى مستقبل تنظيم اتحاد على أساس أوسع، حتى اهتدينا إلى دار الفكر،وكانت منزلا للوزير الحجوي، بقرب وكالة المغرب العربي للأنباء، وهو منزل قديم آيل للسقوط، وهيأه الحبابي رحمه الله فكان مقرا للاتحاد. وللإشارة، فرغم قدم هذا المنزل، إلا أنه كان مقراً يليق باجتماعات الاتحاد: فيه قاعة للاجتماعات وفسحة للحديث من طرف الكثير من عشاق الكتابة. هكذا تكون الاتحاد من رحم البؤس الثقافي، ولكنه كان اتحاداً نشيطاً جداً. وكان أربعاء الفكر، موعداً لاجتماع المثقفين على غداء بسيط «كسكس»، ويقضون مساء بعد الغداء في الحديث عن الأشياء الثقافية، ثم اهتدينا إلى إنشاء مجلة كان اسمها «آفاق». وكانت المجلة هي الرابط القوي بين المثقفين المغاربة، ثم بين اتحاد كتاب المغرب والاتحادات الأخرى في الوطن العربي. المهم أن هذا الاتحاد بوسائله البسيطة وبإمكاناته اللامرئية نشيط دون تدخل الدولة، ولا أحد يمنحه منحة، وكنا طبعا نتطلع إلى بعض المحسنين. وأذكر أني ذهبت أنا وصديقي الدكتور عباس الجراري عند رجل غني مشرف على الموت، وطلبنا منه إعانة للاتحاد، فامتنع بغضب، وخرجنا من عند هذا العجوز الذي ليس له أبناء لكن عنده أموال، غير نادمين، و اعتبرنا ذلك، محاولة لطلب الصدقة لاتحاد كتاب المغرب... المهم أن الاتحاد ظل يعمل. وكانت له سمعة جيدة داخل المغرب وخارجه، في الوقت الذي لم تكن هناك اتحادات تذكر في العالم العربي، فتونس و سوريا والعراق لم يكن لها اتحاد، والجزائر حديثة الاستقلال. وبدأت تؤسس بعد ذلك الاتحادات في العالم العربي لكن بقرارات حكومية في بلدان طبعت بالشمولية والحزب الواحد، ولهذا كان الاتحاد فيها عميلا أو مساعداً من الوسط الحكومي. في المغرب، ابتعدنا عن هذه الفكرة. وكانت نشأة الاتحاد تلقائيا، بحيث لا شيء يدفعه للوراء، ولا شيء يجذبه للأمام. { هذا مسار ومحطة تاريخية هامة، نريد من الأستاذ عبد الكريم غلاب أن يكشف لنا عن طبيعة الأسئلة الثقافية التي كانت سائدة، بعبارة أخرى، كيف كنتم تؤسسون سؤالكم الثقافي وضمن أية مرجعية؟ بناء على أن الثقافة المغربية كانت يتيمة، وكان المثقفون قليلين، وكان الكتاب أقل من القليل، وكنا نعتقد أن الكتابة هي المنبر الأساسي للثقافة العامة، وفي المغرب كانت الثقافة محدودة جداً. طبعا كانت الجامعة في بداية عهدها، والذين يكتبون أقل. وفي تجربتي الإعلامية كنت أتعب جداً في البحث عن كاتب قارئ، أما عن كتابة الرواية أو القصة أو القصيدة فهذا أقل القليل. وكان البعض من المتطوعين فكريا للكتابة في الثقافة هم بعض الأساتذة والذين يعدون أطروحاتهم في حدود هذا الأقل. وكنا ننشد سؤالا هو كيف نؤسس نشاطا ثقافيا في المغرب من مجموعة من المثقفين لهم رأي في الفكر والسياسة النظرية، والعمل الثقافي الأدبي، ومراقبة الوسائل الثقافية والتعليمية، بعيداً عن المراقبة الحكومية لوزارة الثقافة. هكذا كنا ننشد تكوين مناخ ثقافي فكري أساسه العمل الثقافي، أداته المحاضرة والمناقشة والابتكار، مع اتحادات المغرب العربي، في تنظيم مؤتمرات، ولقاءات، وحوارات وفعلا نجحنا في تونس وأشير إلى لقاء «الحمامات» المغاربي... وعلى العموم نجحنا في اتحاد كتاب لا وسائل له، وسيلته الأولى والأخيرة هي الكلمة، والصداقة، والعلاقة الودية بين المثقفين، وأركز على «الودية» لأنه كان هناك ود ثقافي بين جميع المثقفين المغاربة على الأقل الذين يكتبون رغم انتماءاتهم الشبابية المختلفة. { متى انتبهت الدولة إلى هذا الاتحاد؟ الدولة انتبهت إلى هذا الإطار فيما أذكر، حينما عقدنا المؤتمر الأول أو الثاني. وكان من المقرر أن يجدد مكتب اتحاد كتاب المغرب.وارتأى الكثير من إخواني أن ينتخبوني رئيسا للاتحاد ،وبطبيعة الحال، كان هذا لا يرضي الدولة، لأنها لم تكن تؤمن باتحاد كتاب المغرب. والوزراء الذين كانوا يترددون على الاتحاد، كانوا أصدقاء الحبابي فقط، وكان بودهم ويدونه بالكلام، وأحيانا يستدعيهم لمحاضرات، وكنا نحرص على أن يكون الاتحاد متحرراً من أية سلطة، بحيث تكون علاقتنا بالوزير علاقة ثقافية... وحين تقرر عقد مؤتمر اتحاد كتاب المغرب، وقد بدأ يتسع ارتأى الإخوة انتخابي رئيسا واتفقنا على هذا، لكن السلطة انتبهت إلى أن الاتحاد سوق يخرج من إطار رئاسة الدكتور الحبابي باعتباره رجلا بعيداً عن السياسة ، وليس له دخل مع رجال السياسة... فحاولوا إجهاض هذا المؤتمر بأي وجه كان، بما في ذلك تجنيد أشخاص من داخل المؤتمر. فوقعت المعركة في مكان المؤتمر الذي هو مدرسة محمد الخامس بالرباط، لكنها كانت معركة كلامية بكثير من الحدة، حتى إن المتحمسين لاستقلالية الاتحاد انحازوا في مكان معين وتركوا الآخرين الذين يريدون الاتحاد تحت سلطة الدولة، يطلقون العنان لكلامهم لكي يكون الرئيس منهم. { من كان مرشحهم؟ لم يكونوا نظموا أنفسهم بعد. ولم يكن لهم مرشح. لكن كانوا يقفون ضد رئاستي للاتحاد. وليكن من يكون، والدولة مستعدة لأن تتعامل مع أي كان، ليجعل الاتحاد تحت تصرفها. ولكن الدولة ليست قادرة أن تتعامل معي لأني كنت أرفض أن يكون الاتحاد تحت سلطتها. { طيب، أنت تتحدث عن استقلالية الاتحاد عن الدولة.وفعلا، نجح الاتحاد في ذلك إلى حد ما. لكن هناك من يقرأ أن الاتحاد اقترن بسلطة أخرى هي سلطة الأحزاب، ويعتبر أن اتحاد كتاب المغرب إن نجح في الاستقلالية عن الدولة، فإنه لم يفلح في الاستقلالية عن الأحزاب والتي تبلور عنها نظام الكوطا الحزبية داخل المكتب التنفيذي بين الأحزاب السياسية على الأقل الوطنية؟ الحديث عن هذا الموضوع فيه شئ من الإحراج على الأقل بالنسبة لي، ولكن لابد من كلمة في الموضوع. { (مقاطعة).. لابد من المكاشفة.. أنت وضعت السؤال بهذه الطريقة، وبهذا الوضوح. ولهذا أقول إني ترأست الاتحاد لمدة ثلاث ولايات متتالية. وكان الاتحاد بالنسبة لنا جميعا ككتاب، هو اتحاد للجميع، ولكل المثقفين، والاتحاد حر، ليكن المثقف منتميا إلى هذا الحزب أو ذاك، فهذا عمل خارجي. أما داخل الاتحاد فهو عضو اتحاد كتاب المغرب. والاتحاد لم يعرف في هذه الحلقات الثلاث التي توليت فيها الرئاسة انحيازاً حزبيا ولا تفكيراً منحازاً لأي جهة كانت. المكتب، كان مكونا من الاستقلاليين والاتحاديين. ويشهد الجميع في مدة رئاستي أمثال أحمد المديني، محمد برادة، محمد اليبوري، العربي المساري، الشاعر أحمد المجاطي، وعبد الرفيع الجواهري وعبد الجبار السحيمي، وعدد من الإخوان، أننا لم نفكر مطلقا، ولم نشعر مطلقا، أننا نحمل انتماءاتنا إلى مقر اجتماعاتنا. فقد كنا إخوة، نتحدث في القضايا الكبرى، وفي الكتابة، وفي العمل لتنوير الفكر الثقافي ثم في تشجيع الكتاب المبتدئين على أن يكونوا كتابا. هكذا كنا نعمل بنشاط ملحوظ، باجتماعات ومحاضرات ومناقشات ثقافية أسبوعية، بمناقشة كتاب أو إلقاء محاضرة يعرضها أحد الأعضاء، أو استقبال مثقف عربي. أو مشاركة في مؤتمر عربي... وأريد أن أشير إلى أنني حضرت إلى جانب الأستاذ فتح الله ولعلو مؤتمرا سوريا بدمشق، وكنا يداً واحدة، ننظم علاقتنا كمغرب مع الخارج، دون أن تطغى حساسياتنا الحزبية على ذلك. ولهذا، كنا نسير بتلقائية وبصوفية في علاقاتنا الثقافية، ولا أحد يطمع في جر الاتحاد إلى حزبه. وهكذا دبرت أمور الرئاسة إلى أن بدا لبعض الإخوة أن الاتحاد يجب أن يكون لصالح الاتحاد الاشتراكي، وهذه العقلية أفرزتها الوضعية السياسية آنذاك، التي اتسمت ببعض الحدة، وببعض التسابق غير الثقافي وغير الفكري. ومع الأسف سار بعض المثقفين في هذا الاتجاه، وبدأ الصراع بتحرير الرئاسة من «الاستقلالي» ليرأسه «الاتحادي». وهذا الأمر كان طبيعيا جداً ومعقولا، ولم يكن أحد يناقش في هذا الحسم. إلاّ أن حوادث في المؤتمر، علقت بذهني، ولا يمكن أن أنساها، وهي تلك الحدة المفرطة في المناقشة بين البعض، وتجاوزت حدود اللياقة، لدرجة أن أحدهم نزل من منصة رئاسة المؤتمر الذي كان يترأسه، إلى القاعة وأخذ على نفسه وهو رئيس المؤتمر أن يتعرف على الحاضرين، حتى لا يكون أحدهم مدسوسا. وكنت من بين الحاضرين كعضو، فجاء إلي وقال: «من أنت؟» وماذا تمثل، وأنا رئيسه لثلاث دورات. فابتسمت له وقلت: «أنا أحد الكتاب». { هل ممكن أن تذكر اسمه؟ لا .ليس من الضروري، المهم أنه ليس كاتبا، وهو مثقف بطبيعة الحال، ولكن ليس من الأخلاق القيام بذلك... ولهذا أقول إن الاتحاد تحول في هذه المرحلة من حزب الاستقلال إلى حزب الاتحاد الاشتراكي.. وتولى أحد الإخوة الرئاسة وأنا رحبت بذلك، وسارت الأمور كما تعرفين، ولا داعي للدخول في التفاصيل... { طيب أستاذ غلاب، لقد برز سؤال آخر في مسار هذه اللحظة حول سيطرة الحزبين على اتحاد كتاب المغرب، وبدأ هذا السؤال يخرج من دائرة المنتمين إلى دائرة المستقلين، أو الكتاب غير المنتمين إلى الأحزاب، كيف تناولتم طبيعة هذا السؤال داخل لجن المؤتمر؟ قلت لك، إن الاتحاد لم يكن يتعامل مع أي ظرف سياسي؟ { أنا أتحدث عن المرحلة المابعد، أي مابعد رئاسة الاستقلاليين والاتحاديين؟ المهم أن هناك نوعين من الاستقلالية، الاستقلالية الفكرية الحقيقية، وهو أن يكون الاتحاد مستقلا عن نشاط سياسي بالمعنى العملي، وليكن رئيسه اتحادي أو استقلالي أو ينتمي إلى أي حزب آخر شرط أن يكون الحزب وطنيا، المهم هو نظافة الفكر السياسي وليكن من يكون، وألا يستعمل الاتحاد وراء سلطة حزبية، وهذه هي الفكرة الأساسية. وهذه هي المسيرة التي ركزت على تقليدها عندما كنت رئيسا للاتحاد. الاتحاد لم يفكر مطلقا في استغلال اتحاد كتاب المغرب لصالح حزب الاستقلال. بعد ذلك لا أعرف ما إن كان اتجه لخدمة حزبية. ولكن الذي أعرف، أن الاتحاد في كل مؤتمراته كان يقصي بعض الذين ليسوا اتحاديين. وأنا لا أنسى أن رئيس الاتحاد سألني «عن اسمي وهويتي». المهم أن هذا الإقصاء دفع بالكثيرين جداً إلى الابتعاد عن الاتحاد، حفظا لكرامتهم وهويتهم وعملهم المستقل الذي كان يغنيهم -فيما يظنون- عن الانتماء إلى أية جمعية ثقافية تابعة لحزب. ولهذا تولى مجموعة من المثقفين الطيبين الذين نعترف لهم بجهودهم الطيبة رئاسة الاتحاد، ولكن كان ذلك نتيجة إقصاء غير الاتحاديين. هذا لا يعني أني أعيب على أحد ولكن هذا هو الواقع. { هذا رأيك. وهو رأي سنحرص على نشره بالجريدة الناطقة باسم الحزب، وهذا ما تعلمناه من مبادئ في احترام الرأي الآخر ولو كان مختلفا معنا... أنا أقول إن الاتحاد الاشتراكي توالت رئاسته لاتحاد كتاب المغرب، وأنا لست ضد ذلك، ولكن هذا لا يمكن أن يكون في دولة متحررة، وفي مجتمع ثقافي متحرر من السلطة الحزبية. { لكن أستاذ غلاب، كانت الأمور تمر عبر آليات ديمقراطية والأغلبية كانت تريد رئاسة الاتحاد الاشتراكي... (مقاطعا).. نعم آليات، ولكن لا أقول إنها آليات ديمقراطية، ولكنها سيطرة على الاتحاد... وعلى العموم، نحن تعاملنا مع الاتحاد مع ذلك، وأنا لم أرفض التعامل مع الاتحاد في هذه الوضعية، ولست الوحيد، لكن بين مجموعة من الاستقلاليين والمستقلين، كما تعاملت مع باقي الرؤساء، الذين رحبت برئاستهم وانتقدتهم في نفس الوقت. { الاتحاد في فتراته الأخيرة، يجتاز محنة تنظيمية أثرت على وضعه الاعتباري داخليا وخارجيا، وتحولت إلى عطب، هل هذا العطب، هو نتاج لتدبير أشخاص أم أنه عوائق مرحلة، أم أنه يعود إلى خلل ما في المنظمة في إطار بناء تحول جديد في المغرب؟ الواقع أنه من المؤسف أن يصل الاتحاد إلى ما وصل إليه. لذلك ليس هذا الأسف لعطبه التنظيمي، وإنما لعطبه العملي وتوقف نشاطه الثقافي، لمدة طويلة. وفيما يبدو أن السبب يرجع إلى أسباب الانحراف التي تعرض لها الاتحاد، فاتحاد الكتاب مؤسسة ثقافية، وكان من الضروري أن تبقى بعيدة عن النشاط السياسي أو خدمة هيئة سياسية معينة. ليس معنى هذا أن المؤسسة لا ينبغي أن يسيروها مثقفون منتمون، بل معناه أن الشخص الذي ينبغي أن يرأس الاتحاد، يجب أن يكون متحرراً من عقلية الانتماء، ومن العداء لهذا الحزب أو ذلك. ففكرة العمل السياسي في المغرب تحولت.لم تعد هناك هيئتان سياسيتان تتصارعان على رئاسة الاتحاد، بل دخلت الميدان العديد من الأحزاب، وأسست في المغرب حكومات من مختلف العينات، والاتجاهات، وأصبح البعد عن الانتماء الحزبي هو الوسيلة إلى الترؤس، لأكثر من منظمة. فحينما تدخل مؤسسة من المؤسسات ميدان الصراع الحزبي ينعكس ذلك على هذا الميدان، ويصبح خطيراً على الذين ينتمون إليه. ولهذا بدا البعد عن اتحاد الكتاب كالبعد عن الانتماء إلى حزب الاستقلال أو الاتحاد الاشتراكي،لأن مع الانتماء تتقلص حظوظ الشخص المرشح للرئاسة. لهذا بدأ المثقفون ينظرون لاتحاد كتاب المغرب على أنه عملة زائفة، أو مؤسسة ملفوظة، أو مؤسسة لا طعم لها، ما دامت تتحدث باسم شخص، أو باسم دائرة معينة من الأشخاص، يدخلون إلى مكان ويخرجون منه، ويتبادلون فيه الرئاسة والكتابة العامة. فبدأ المثقفون يبتعدون. الآن دائرة المثقفين اتسعت. فاسألي أي مثقف من هؤلاء، وقولي له «هل تعرف اتحاد كتاب المغرب؟ أين هو مركز اتحاد المغرب؟ وماذا يفعل، أين هي مجلة اتحاد كتاب المغرب، هل حضرت ندوة أو محاضرة أو لقاء شعريا، أو توقيعا أو مناقشة كتاب من تنظيم الاتحاد؟» يقول لك:»أنا أعرف اتحاد كتاب المغرب ولا أعرف نشاطه، ولذلك اعفيني من هذا السؤال». { إذن ،ما هي مقترحاتك في معالجة هذا العطب؟ علاج هذا العطب، أن يجتمع ثلة من المثقفين بعيدين عن انتماءاتهم الحزبية، وليكونوا منتمين، فلا أطلب من أحد ألا يكون منتميا، ولكن حينما يجتمع ببيت الاتحاد، يكون الانتماء الوحيد هو انتماء لاتحاد كتاب المغرب، ليعيد الحياة إلى هذه المؤسسة على أساس الكفاءة والمقدرة والنشاط. فهناك مثقفون ليس لهم ممر لتفعيل نشاطاتهم داخل الاتحاد، ثم يجب أن نزيل مفهوم الإقصاء من تنظيمات الاتحاد، كما ينبغي أن نزيل من مفاهيمنا حب السيطرة على اتحاد كتاب المغرب من تيار معين. ولهذا على المثقفين أن ينقذوا اتحادهم وأن يعيدوا له الحياة وأن يبدأوا من حيث بدأ، وأن نطوي صفحة الخلافات والنزاعات الشخصية. { طيب الأستاذ غلاب، إذا شئتم نرفع النقاش إلى مستوى مؤسساتي. فالمغرب يعيش مرحلة جديدة بدستور جديد، وهي مرحلة تتطلب إعادة النظر في نسق النسيج الثقافي الوطني،كيف تتصور من موقعك الثقافي والسياسي طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، إذا كنا نتحدث عن المؤسسات بآليات أخرى قانونية ودستورية ومؤسساتية. في الحقيقة إن التطور الدستوري لن يكون إلا في صالح التطور الثقافي، فهو يضمن الحريات، عكس السابق، حيث كان اتحاد الكتاب مراقبا من السلطة الإدارية والبوليسية وكانت الكتابة مراقبة، تخضع للمراقبة القبلية والبعدية، بيد حاكم أو وزير. وهكذا نجد أن المراقب يمنع مقالا فيه كلمة «سلطان»، فهو يظن أن السلطان هو «الملك» في حين أن الكلمة تعني السلطة. ولكن اليوم الحمد لله تجاوزنا هذه الأمور وأصبحت حرية الكلمة مكفولة وكذا حرية العمل الثقافي. أقول إن الاتحاد يجد نفسه اليوم في دائرة واسعة من الحرية الكاملة، وفي دائرة في التعامل مؤسساتية. فعدد كبير من المؤسسات أنشأها الدستور وسمح بها. والاتحاد واحد من هذه المؤسسات التي تدخل في الحريات العامة. وهو الآن بإمكانه إيجاد رعاية من وزارة الثقافة ومن رئاسة الحكومة وأي جهة من الجهات التي يمكن أن تساعده ماديا ومعنويا، ويمكنه أن يجد مكانا محترما للاجتماع تمنحه له الدولة، ويجد متفرغين لخدمة هذا البيت، كما يمكن أن يجد إمكانيات لنشر الكتاب والمجلات. فدائرة العمل ممكنة جداً وما على الكتاب إلا أن يخلصوا لاتحادهم، وأن يقيموا له مكانا محترما في المجتمع بانتخاب مكتب جيد والقيام بعمل جيد، والابتعاد عن الأنانيات والمسائل الشخصية. وما دام المؤتمر سيد نفسه والمؤتمرون سواسية، فليختاروا من سيعمل على بناء جديد لمؤسستهم الثقافية. { ما هي رسالتك الأستاذ غلاب للجيل الجديد إلى المثقفين الذين يريدون أن ينخرطوا في المعركة الثقافية، وبناء مؤسسات حديثة تتناول السؤال الثقافي في مستوى دستور 2011 وتطلعات المغرب في البناء الديمقراطي؟ رسالتي تتلخص في كلمة واحدة، وهي: العمل. لأننا نحن في حاجة إلى العمل في كل الميادين. وأعتقد أن الثقافة هي الميدان الذي لا يزال يتيما، ولا يجد من يعمل فيه... كنا نطمع أن تكون وزارة الثقافة هي المحرك الأساسي للثقافة في المغرب ،ولكن تبين أن وزارة الثقافة محدودة العمل، والكفاءات، وقد كان لها بعض النجاح أيام الأستاذ محمد الأشعري، عندما كان وزيرا للثقافة، لكن ظل العمل محدوداً. ويبدو أن المسؤولية تقع على ميزانية الثقافة، التي جعلت الوزارة محدودة الحركة... و مع ذلك، على اتحاد كتاب المغرب ألا يعتمد على وزارة الثقافة، وهي فقط ميدان لمساعدة اتحاد كتاب المغرب، على أن يكون اتحادا قويا، لا اتحاداً يملك جناحا في ديوان الثقافة، لأن الاتحاد ينبغي أن يبقى منظمة حرة ثقافية تستفيد من أجهزة الدولة، في ما يجب أن تفيد به الدولة الاتحاد.