إعلان السيد الأخضر الإبراهيمي امس في القاهرة ان النظام السوري ومسؤولين من مسلحي المعارضة وافقوا على هدنة خلال عطلة عيد الاضحى، الذي يبدأ الجمعة ويستمر لاربعة ايام، بشارة خير للشعب السوري نأمل ان تترجم عملياً على الارض. الشعب السوري الذي اكتوى بنيران حرب اهلية طائفية خطفت مطالبه المشروعة في التغيير الديمقراطي، يستحق ان يلتقط أنفاسه، وان يتمتع ببضعة ايام من الهدوء والأمان، له ولأطفاله، ليس بسبب يوم العيد الفضيل، حيث باتت كل ايامه، وعلى مدى العشرين شهراً الماضية مسلسلا من الموت والرعب، وانما بسبب حاجته الى دفن شهدائه ومعالجة جرحاه، واستذكار معنى الحياة بدون سفك دماء، دمائه واطفاله. النظام السوري قال إنه سيردّ على طلب السيد الابراهيمي بالهدنة اليوم، بينما قال رئيس المجلس العسكري الاعلى للجيش الحر العميد مصطفى الشيخ ان جيشه سيوقف اطلاق النار اذا التزم النظام بذلك اولاً. لا نعرف لماذا يؤجل النظام السوري اعلانه عن وقف فوري لاطلاق النار طوال ايام عيد الاضحى، حتى لو جاء ذلك من جانب واحد، فهو الأقوى والأكثر تسليحاً، كما اننا لا نعتقد، بل على يقين كامل، بأن الجيش السوري الحرّ لن يستولي على دمشق في اربعة ايام في حال قرر الزحف اليها مستغلاً وقف إطلاق النار. الشيء نفسه ينطبق ايضا على الجيش السوري الحرّ، الذي يجب ان يبادر ايضا بوقف اطلاق النار حتى لو لم يلتزم النظام، كي يثبت للعالم بأسره، وقبل كل ذلك، الشعب السوري، من هو الذي يريد حقن الدماء ومن يريد الاستمرار في سفكها في يوم عيد الاضحى المبارك. الشعب السوري هو الذي يدفع ثمن هذا الصراع المكشوف مع السلطة، وهو الذي يقدم الشهداء ضحايا هذا العناد والتدخلات الخارجية، والحرب بالإنابة التي تستعر على ارضه، وتدمر وطنه، وتشرّد اربعة ملايين من ابنائه داخل سورية وخارجها بحثاً عن الأمان، ولقمة عيش غير مغمّسة بالدم والرعب والقلق. نشعر بالألم والحزن عندما نرى مهمة السيد الابراهيمي المبعوث الدولي، ولا نقول العربي، يجري اختصارها في استجداء عاطفي لهدنة لا تزيد مدتها عن اربعة ايام، في ظل غياب كامل لجميع انواع المبادرات او الجهود العربية والدولية، لايجاد مخرج من هذا النزيف الدموي المستمر. ' ' ' نؤيد الهدنة، وبقوة، حتى لو كانت لمدة اربعة ايام فقط، لأننا نتطلع لإنقاذ ارواح ألف انسان على الأقل، هم اهلنا وشعبنا واشقاؤنا، ايا كان الخندق الذي يقفون فيه في هذه المواجهات الدامية. وهل انقاذ حياة ألف انسان، وخاصة اذا كانوا اطفالاً، بالأمر المعيب؟ النظام استخدم الحلول الامنية والعسكرية لأكثر من عشرين شهراً، ولم ينجح في انهاء الانتفاضة السلمية ثم المسلحة، فماذا يضيره لو اوقف آلة القتل اربعة ايام؟ والمعارضة عسكرت الانتفاضة تحت عنوان الدفاع عن النفس والشعب في مواجهة هذه الآلة الجهنمية، فلم تهزم النظام، ولم تنجح مخططات بعضها في استجلاب التدخل العسكري الخارجي للاطاحة بالنظام، على الطريقتين الليبية والعراقية. يجب على الجميع التفكير بالشعب السوري ووضع أمنه ودمائه وكرامته على قمة الأولويات بالنظر الى هذا الصراع الدموي. أليس اقدام عدد من اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري في صحراء الاردن على احراق خيمهم البائسة والمهينة احتجاجاً على ظروفهم المعيشية البائسة هو ذروة المأساة؟ العالم بأسره خزل الشعب السوري، وتركه لوحده يلعق جراحه ويواجه مصيره امام آلة القتل التي لا ترحم، ودول الجوار التي امّلته بالدعم والمساندة، ومعها امريكا واوروبا، بدأت تراجع حساباتها خوفاً على ابنائها ووحدة ترابها الوطني ونسيجها الاجتماعي المتعدد الهويات الطائفية والعرقية. فها هي تركيا اردوغان تتراجع بعد مظاهرة لخمسة آلاف من ابناء الطائفة العلوية التركية على ابواب البرلمان الاوروبي، مطالبة بحقوقها الدينية التي يدّعون انها منتهكة، وها هي السلطات الاردنية تخرج علينا فجأة بأنباء عن مخطط 'ارهابي' متورطة فيه عناصر من تنظيم 'القاعدة'، يتضمن هجمات على سفارات اجنبية واهداف اردنية في منطقة عبدون الراقية غرب العاصمة. وفي تزامن 'ملغوم' تخرج علينا صحيفة 'حرييت' التركية الناطقة باسم المعارضة اليمينية، باستطلاع للرأي يقول ان 51' من الاتراك لا يريدون اي تدخل عسكري في سورية، مقابل 13' فقط يرون غير ذلك، في ايحاء واضح لتحريض الرأي العام التركي ضد التورط في هذا الملف السوري الملتهب، وضد حكومة السيد رجب طيب اردوغان المعارضة بقوة لاستمرار النظام السوري في الحكم. ندرك مسبقاً بأنها هدنة قصيرة تلك التي يطالب بها السيد الإبراهيمي، ولكنها خطوة ذكية لإخماد مصادر القتل واطلاق النار، يمكن البناء عليها لإقناع الاطراف المتحاربة بثقافة الحوار كبديل، ولو مؤقتا، لثقافة القتل والدمار. ' ' ' قلنا مراراً ونكرر بأن الشعب السوري الذي يعتبر من اكثر الشعوب العربية وطنية وحضارية وتضحية، يستحق نظاماً ديمقراطياً منتخباً، وصحافة حرة، وقضاء عادلا مستقلا، وشفافية كاملة، ومحاسبة شرسة لكل الفاسدين في الماضي والحاضر والمستقبل، ومحاكمات عادلة لمن سفكوا دمه وقتلوا اطفاله، ومطالبتنا بالهدنة والحوار لا تعني مطلقاً التخلي عن هذه المطالب العادلة والمشروعة، فما كان يحدث قبل ثورة آذار لا يمكن، بل لا يجب ان يتكرر مطلقاً بأي شكل من الاشكال. سورية ثارت على الظلم والفساد والمحسوبية واسوأ ممارسات القمع والفساد، وثورتها هذه جبّت كل ما قبلها. تأييد دول عظمى مثل امريكا والصين وروسيا ودول اوروبية عديدة لهدنة السيد الابراهيمي فأل طيب، ومؤشر لنوايا طيبة، ومقدمة للاهتمام بالشعب السوري الذي نسيه او تناساه الكثيرون في زحمة احتدام الصراع وتضارب المصالح. نريد ان نرى اربعة ايام دون جنازات، نريد ان نرى اطفال سورية يلعبون حتى لو كان ذلك فوق الانقاض، دون خوف من قذيفة او صاروخ أو رعب طائرة حربية تكسر حاجز الصوت وتلقي بحممها فوق رؤوسهم وذويهم، فهل هذا بكثير على هذا الشعب الطيب الكريم الوطني المعطاء واطفاله ونسائه وعجزته؟