تونس المعاصرة تزدهي برجال اصحاب مواقف وبشعب حيوي مثابر وبطلائع ناوشت الديكتاتورية ورفضت التسليم بالمنطق الامني والقمعي وظلت اتحادات الشغل والطلبة قلاعا من النضال والثورية.. وكان اسم راشد الغنوشي معلما بارزا ضد الاستبداد والديكتاتورية ليس لانه رئيس حزب وزعيم حركة بل لانه صاحب ورؤية ومنهج يقعد نصه على اسس فلسفية واضحة فاستحق ان يكون واحدا من رواد الحركة الاسلامية المعاصرين بلاجدال. ولكن بين النظري والممارسة مسافة شاسعة ابتلي بها الاستاذ الغنوشي وفي ميدان العملي والممارسة ارتبكت خطوات المفكر الغنوشي وتعثر في محطات حاسمة..المهم ان الثورة التونسية جاءت على غير علم من قبل الاسلاميين او العلمانيين وان كانت عبارة عن تراكمات للفعل التونسي من كل الاتجاهات السياسية والاجتماعية..جاءت الثورة لترفع على الاكتاف المناضل الغنوشي ولتنتشله من وهدات اليأس الذي اصاب حركته المشتتة في اصقاع الارض بفعل ملاحقات النظام البائد. اطلق الغنوشي شعاراته حول الحريات والتعدديات وللحق والتاريخ هذه هي لغته منذ عرفناه وقرأنا له من منتصف السبعينيات.. واوغل الغنوشي للتاكيد على نهجه بان انتخب لرئاسة البلاد الدكتور منصف المرزوقي رغم ان شعبية حزبه لا تؤهله الى ذلك .. وهتف العلمانيون في مشرق العرب ومغربهم بوعي الغنوشي وبروحه الانفتاحية.. وبلغ الامر بالغنوشي تحت وطأة الهتاف له ان ذهب الى مصر ليدلي بنصائحه الى الاخوان المسلمين بان لا يتجشموا عبء قيادة مصر.. ومع هذا لاننسى ان الرجل اعلن ان فوز النهضة حزبه المهدود في الانتخابات انما هو هدية لفلسطين من نهرها الى بحرها وكرر جملته نفسها من على منصة ميدان التحرير عقب فوز الدكتور مرسي بالرئاسة. كما قلنا الغنوشي المثقف والمفكر والمنظر والمناضل ينسحب الى الغنوشي السياسي الذي يريد ان يحسب الامور بالربح والخسارة.. وهذا لا يكون مشكلة اذا لم تنل التعديلات المسائل الاستراتيجية كالاسلام وفلسطين والعروبة والامة والتصدي للظلم والعدوان الغربي على الامة والحفاظ على المكون الوطني للشعب. مما يؤسف له حقا ان يسقط الشيخ المفكر المناضل من على الحبال في ارتكاسات محزنة تنبئ عن اي مستقبل ينتظر حركة النهضة التونسية..فالحزب الذي يتزعمه الرجل يتصدى لاحتمال اصدار قانون يجرم التطبيع مع اسرائيل، والرجل يهاجم الاسلام الاصولي (هه هه) ويهاجم العلمانيين ومن خلف ستار يلتقي السلفيين ويلقي لهم بكلام يدغدغ مشاعرهم.. ومن جهة تهين النهضة الرئيس عندما تتجاوزه وتمنعه من حقه في مسالة تسليم المحمودي رئيس الوزراء الليبي ل"ثوار ليبيا .. والاسوأ من ذلك كله كيف يسقط الرجل الثوري والراديكالي في احضان قطر وهو يعلم تمام العلم ان كل ما يصدر عن قطر انما هو ضمن المخطط الاسرائيلي الامريكي في المنطقة ..ام انه يذهب لقطر لهذا الاعتبار. منذ انتصار الشعب التونسي وفوز النهضة باكثر الاصوات في المجلس التاسيسي بدأت هزيمة الغنوشي والنهضة وكل يوم يفقد الغنوشي من رصيده وستكون الانتخابات القادمة حكما عدلا على التجربة وعلى العنوشي السياسي..