سيتذكر الجزائريون عن الشاذلي بن جديد، أنه الرئيس الإنسان الذي تسلّم مقاليد السلطة، ليضعها "عارية تماما أمام الشعب"، بعيدا عن النظرة الأبوية، رهينة صورة الزعيم "الموسطاش" أو الأب الذي لا يجوز الخروج عن طاعته، مثلما كانت مرحلة سلفه الزعيم هواري بومدين. الشاذلي لم يخرج من عباءة بومدين، وحرص تماما على أن لا يبقى أسيرا لجلبابه، فعمل كل ما بوسعه من أجل مضاعفة رصيده الشعبي، وذلك من خلال جملة من المواقف العروبية والقومية التي ساهمت في نشر الدعاية لزعامته "حتى وإن لم يخطط لها أو لم يكن حريصا عليها بالشكل التام والمقصود، مثلما يقول عدد من المقربين منه".. وفي هذا الصدد، لا يزال عدد كبير من الجزائريين والعرب، يذكرون ياسر عرفات وهو يقف رافعا صوته معلنا قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، حينها، كان الواقفون في الصفوف الأمامية، قامات سياسية وأدبية وإنسانية رفيعة، أبرزهم محمود درويش، وخلف الكواليس جلس الرئيس الشاذلي الذي احتضن الفكرة في الوقت الذي كانت فيه عدة عواصم عربية تتسابق للتفاوض والتصالح مع الكيان الصهيوني سرا وعلانية. مرحلة الشاذلي اتّسمت أيضا بعقد سلسلة من ملتقيات الفكر الإسلامي التي جعلت أبرز الدعاة يتجولون بين مدن الجزائر شرقا وغربا، دون حواجز ولا موانع، وحينها وبعد اندلاع أحداث أكتوبر، قيل ضمن ما قيل أن المؤامرة بدأت ضدّ نظام الشاذلي الذي فتح ذراعيه للفكر الإسلامي، باعثا البعد القومي العروبي مرة أخرى في الأمة، وذلك في حد ذاته كان أمرا مقلقا لفرنسا وحزبها في الجزائر! لم يعرف الجزائريون تفاصيل حياة رئيس من رؤسائهم مثلما عرفوا أدق التفاصيل عن الشاذلي، أفراد عائلته، حبّه لرياضة التنس والسباحة، ميله لأرستقراطية سياسية من نوع خاص لم تتصادم مع بساطته في التعامل مع الناس. كان يريد عدالة اجتماعية غير تلك التي يستعملها البعض للتعمية على حقوق الناس في الديمقراطية والحرية وفسح المجال للتغيير.. لتأتي حرب الخليج، والعدوان الدولي على العراق، بمثابة شهادة "حسن أداءٍ سياسي" بالنسبة للجزائر، والشاذلي بن جديد تحديدا، فالرجل رفض الانضمام لما سمّي آنذاك بالتحالف الدولي، واصطف مع "محور الممانعة"، وهنا يورد أحد المقربين منه أن ذلك كان سببا في منع نزول طائرة الرئيس الشاذلي في أكثر من مطار عربي ودولي وقتها، قبل أن يتم فرض الحصار غير المعلن على الجزائر التي دفعت ثمنا باهظا لمواقفها، ويُحسب للشاذلي اليوم أنه كان الرئيس الذي عرف "الربيع العربي" حتى ولو في عزّ "خريف الغضب" ذات أكتوبر 88، وهي المرحلة السياسية الخطيرة التي أكدت الظلم الشديد الذي تعرض له الشاذلي من طرف الذين وقف إلى جانبهم في سبيل فتح التعددية السياسية، على غرار رموز الفيس المحظور، الذين جعلوا من الشاذلي خصما أساسيا حين كتبوا على لافتاتهم "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس".. ومن المفارقات أن الرئيس استقال، أو دُفع للاستقالة، رافضا وقف المسار الانتخابي في حينها، ثم رحل في ذكرى أحداث الخامس أكتوبر، بعد 24 سنة، مضت وكأنها وقعت بالأمس فقط!