باستثناء وزير الصناعة التقليدية عبدالصمد قيوح، لم يتم انتخاب أي وزير آخر في حكومة عبدالإله بن كيران ضمن قيادة اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال المغربي، بخاصة أن عدداً من مناصري عبدالواحد الفاسي الذي خسر المنافسة على منصب الأمين العام للحزب، لم يترشحوا لهذه المسؤولية. وتضمنت قائمة القيادة الجديدة أسماء وزراء سابقين، أمثال توفيق احجيرة وزير الإسكان، وياسمينة بادو وزيرة الصحة، بينما احتفظ عبدالله البقالي نائب نقيب الصحافيين المغاربة ومحمد الأنصاري ومحمد السوي وحمدي ولد الرشيد بمواقع قيادية سابقة. وفي أول إشارة له حول العلاقة مع الحكومة، قال الأمين العام المنتخب لحزب الاستقلال حميد شباط: «نريد حكومة قوية». وشرح ذلك: «نريد أن يشعر الاستقلاليون أن الوزراء الاستقلاليين منهم، كونهم نصبوهم في هذه المسؤوليات». وانتقد الحضور الباهت لبعض وزراء حزبه، مؤكداً: «نريد لوزرائنا أن يكونوا أقوياء داخل الحكومة وهذا من حقنا لأن الديموقراطية أعطت حزبنا الرتبة الثانية في المشهد السياسي» بعد حزب «العدالة والتنمية» بقيادة رئيس الحكومة بن كيران. وشدد شباط على التزام التعددية، قائلاً: «نحن حاربنا الحزب الوحيد وعندما أتى الحزب الذي قدم ليقضي على الأحزاب كافة، كان شباط وإخوانه ضد هذا التوجه». وفُهم من كلامه أنه يقصد حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي شكّله الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة، قبل أن يستقيل ويصبح مستشاراً متنفذاً في البلاط الملكي. غير أن محور تحالفات الاستقلال الراهنة والمستقبلية شكلت محور استقراءات طاولت العلاقة ومكونات الائتلاف الحكومي (العدالة والتنمية والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية) والتزامات الحزب. إلى ذلك، استعبد نبيل بن عبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية وزير الإسكان أن يكون لأي تعديل حكومي أثراً بالغاً في توجهات الحكومة. ونقل عنه القول إن مشاركة الاستقلال في حكومة عبدالإله بن كيران غير مطروحة للنقاش، كون حميد شباط أكد التزام حزبه دعم الحكومة، وفي حال برزت مطالب لناحية إجراء بعض التعديلات فإن ذلك لن يؤثر في عمل الحكومة. من جهته، أوضح وزير الداخلية الأمين العام ل «الحركة الشعبية» محند العنصر أن انتخاب شباط أميناً عاماً جديداً ل «الإستقلال» لن يكون له تأثير في واقع الائتلاف الحكومي الراهن. ورأى أن من الطبيعي أن تعرف أي حكومة تعديلات في حال اقتضى الأمر ذلك. ونحا النائب الإسلامي عبدالعزيز أفتاتي في الاتجاه ذاته، إذ أوضح أنه في حال ارتأت مكونات الائتلاف الحكومي إجراء تعديلات داخل الجهاز التنفيذي فإن ذلك يمكن أن يتم وفق «منطق تشاركي». وفكرة التعديل الحكومي تبناها في وقت سابق القيادي الاستقلالي محمد الخليفة من منطلق أن نهاية ولاية الأمين العام السابق عباس الفاسي تشكل مناسبة لمعاودة «تصحيح بعض الأخطاء» التي شابت مفاوضات تشكيل الحكومة. كما أن انسحاب وزير المال والاقتصاد نزار بركة من قائمة المرشحين إلى عضوية اللجنة التنفيذية يفسح في المجال أمام إحياء فكرة التعديل الحكومي بخاصة أن علاقته بالأمين العام المنتخب حميد شباط اتسمت بقدر أكبر من الفتور والانتقاد. وينظر مراقبون إلى فترة قيادة شباط القوة السياسية الثانية في البلاد على أنها «لا بد أن تعرف تغييرات» أقلها لناحية طرح إشكالات الحزب التي كانت تُدار بعيداً عن الأضواء، وإن التقت تصريحات متباينة عند ضرورة صون وحدة وتماسك الحزب التاريخي الذي يعتبر آخر حلقة ضمن مسلسل الأزمات الحزبية التي شملت غالبية الفاعليات السياسية. لم يُثَر لغط كثير عند انتخاب حميد شباط عمدة مدينة فاس للمرة الأولى في خريف 2003. لكن الرجل القادم من جبال تازة شمال شرقي فاس لم يكن يحمل غير دبلوم تقني وطموحات كبيرة جعلته أول شخصية من غير أبناء المدينة يتولى مسؤوليات سياسية محلية شدت الانتباه. وبعد أن كان الاستقلال والاتحاد الاشتراكي يستأثران بالنفوذ المحلي في العاصمة العلمية للمملكة التي قيل عنها «فاس والكل في فاس» من خلال اختيار نشطاء وأعيان المدينة، قلب شباط المعادلة ليصبح في أيلول (سبتمبر) 2012 زعيماً لحزب الاستقلال. وعلى رغم أن سجله يخلو من الاضطلاع بأدوار بارزة إلى جانب القياديين المألوفين في الاستقلال، فإن قفزته من عضو في اللجنة التنفيذية عام 2009 إلى أمين عام في خريف 2012 يشكل سابقة في التدرج الحزبي في المغرب. انضم حميد شباط إلى الذراع النقابية لحزب الاستقلال «الاتحاد العام للعمال» عام 1975 أي بعد مرور سنة على رحيل زعيمه التاريخي علال الفاسي. ولم يدر في خلده وقتذاك أنه سينافس نجل الزعيم الراحل عبدالواحد الفاسي على قيادة الاستقلال بعد حوالى 37 سنة. غير أن مساره النقابي الذي بدأ في التبلور عام 1981 في فترة اندلاع القلاقل التي نتجت من الإضراب العام الذي نفذته المركزية النقابية «الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل» بزعامة محمد نوبير الأموي، سيدفع به إلى الواجهة. بعد أقل من عشر سنوات سيبرز حميد شباط كناشط نقابي في مدينة فاس على خلفية أحداث 1990 التي تؤرخ للإضراب العام الذي نفّذه الاتحاد العام للعمال والكونفيديرالية الديموقراطية للعمل. لكنه سيمزج بين الانتساب النقابي والعمل الجماعي لدى انتخابه نائباً لرئيس بلدية زواغة التي تضم الأحياء الهامشية أو ما يعرف ب «حزام الفقر» في مدينة فاس، ليصبح رئيسها في عام 1996 ثم نائباً في البرلمان في الاشتراعيات المبكرة التي نُظّمت عام 1997 بعد تعديل الدستور. بيد أن ميوله النقابية والتنظيمية ستطغى على الجانب الأهم في طموحاته. وسيصبح عمدة مدينة فاس عام 2003. ومن المفارقات أن تربعه على بساط نفوذ المدينة التاريخية التي ارتبط اسمها بزعامة استقلالية تم في 23 أيلول 2003. والحال أن انتخابه أميناً عاماً صادف الموعد نفسه في عام 2012. قبل ذلك، قاد شباط «انقلاباً» ذكياً ضد الزعيم النقابي عبدالرزاق أفيلال الذي ارتبط اسمه بالاتحاد العام للعمال. ومصدر الغرابة أن تأسيس الذراع النقابية للاستقلال في مواجهة النفوذ المتزايد ل «الاتحاد المغربي للعمل» الذي كان يميل إلى دعم التيارات اليسارية التي انشقت عن الحزب عام 1959، سيصبح أقرب طريق أمام حميد شباط في الانقلاب على «عائلة الحزب» وإن فعل ذلك بطريقة ديموقراطية. ففي عام 2009 جمع شباط بين زعامة النقابة وعضوية اللجنة التنفيذية ومن ضفافها انطلق يغزو ما يصفه ب «قلعة العزيزية» في شارع ابن تومرت في الرباط. لم يكن وحده عبدالرزاق أفيلال من آل به المسار النقابي إلى مواجهة اتهامات بالفساد أمام محكمة في الدارالبيضاء دأبت على إرجاء البت في ملف «الرجل المريض». بعض ذوي شباط وأبناؤه تحديداً يواجهون اتهامات من نوع آخر أمام محاكم في فاس. لكن ذلك لم يحل دون انتزاعه قصب السبق إلى زعامة الاستقلال الذي دبّج أدبياته بمصطلحات «الحرب على الفساد»، قبل أن يأتي زعيم «العدالة والتنمية» عبدالإله بن كيران ويصوغها في برنامج انتخابي أهّله نحو صدارة المشهد السياسي في المغرب.