قال سمير ديلو، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في الحكومة التونسية، إن على تونس انتظار مصادقة المجلس التأسيسي (البرلمان) على قانون العدالة الانتقالية حتى تنطلق في كشف الحقائق والمحاسبة بصفة فردية لكل من أذنب في حق التونسيين. واعتبر ديلو أن مسار العدالة الانتقالية مركب ولا يمكن المضي قدما في إرسائه دون دعائم قانونية، ونفى أن يكون هذا المسار متعثرا، وقال إن الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة لا يدعم الاجتثاث، وعلق على نتائج مسار العدالة الانتقالية الذي تقوده الوزارة بالقول: «لا يمكن محاسبة الفلاح على النتائج والبذرة لا تزال بين يديه»، على حد قوله. وأضاف ديلو في تصريحات ل«الشرق الأوسط» أن أسوأ ما في مناخ الحرية أنها تفتح الأبواب أمام كل أنواع التطرف، وتفتح إمكانية النشاط أمام «السلفيات العلمانية والدينية»، على حد سواء، وقال إن نتائج تلك الخطوة ترجع على الدولة بنتائج عكسية من تهديد للحريات وظهور الاستبداد في الرأي. وقال المسؤول التونسي إن سقف طموحات التونسيين كبير جدا، ولكن عليهم أن لا ينظروا إلى الفترة التي تلت الثورة التونسية على أساس أنها وصول إلى مناخ ديمقراطي، وعبر عن ذلك بالقول: «ما نراه في تونس ليس ديمقراطية بقدر ما هو واقع نهدف من خلاله إلى بناء دولة ديمقراطية». وبشأن العدالة الانتقالية، قال ديلو إنه من الصعب محاكمة عشرات الآلاف من التونسيين دفعة واحدة ومعاقبة كل من ساهم في منظومة الفساد، في الوقت الحالي، واعتبر أن استحقاقات الثورة تتطلب محاسبة كبار الفاسدين وأعمدة الفساد، على حد تعبيره، وأن المعادلة صعبة بين ضرورة رد الاعتبار لكل من تضرروا من عهود الاستبداد، والمصالحة حتى لا تظل المظالم متفشية. وقال ديلو إن مفهوم العدالة الانتقالية غامض وغائم لدى جزء من النخبة التونسية وقطاع من النخبة الحقوقية، وهو على ارتباط وثيق بمسار كتابة الدستور، وهو أيضا بحاجة إلى التوافق بين التيارات السياسية. وانتقد ديلو بالمناسبة تجاذبات الساحة السياسية، وقال إن التوافق يجب أن يبتعد عن الخلفيات السياسية باعتبار أن أغلبية اليوم في الحكم يمكن أن تصبح غدا أقلية معارضة. وانتقد كذلك من قال إنهم يمجدون الديكتاتورية البائدة ودعاهم إلى مراجعة أنفسهم حتى لا يحصل الضرر لهم ولغيرهم من التونسيين. وحول بعض حالات الانتقاء التي عرفتها العدالة الانتقالية على غرار تطبيق «العدالة الاتفاقية» مع بعض رجال الأعمال والتوجس والتخوف من تطبيق العدالة الانتقالية على البعض وإعفاء البعض الآخر حسب التوجهات السياسية والميول الفكرية، قال ديلو إن التوجس قد يكون مفهوما ما دام مسار العدالة الانتقالية لم يتم إرساؤه بالكامل، وقال إن جزءا كبيرا منه مرتبط بالتجاذب السياسي المسيطر حاليا على كل الخطوات التي تتخذها حكومة الائتلاف الثلاثي الحاكم، مما يفسر جزءا كبيرا من تلك التخوفات. وبشأن القوائم السوداء في مجال الإعلام والقضاء والبوليس السياسي وغيرها من القطاعات الحساسة، قال ديلو إن فتح أرشيف البوليس السياسي، على سبيل المثال، لا يمثل حلا سحريا للانتهاء من مجموعة من القضايا والملفات الشائكة. وأشار إلى أن مسألة العدالة الانتقالية من المفترض أن يكون لها هدف أسمى يتمثل في الوصول إلى المحاسبة والمصالحة، وأن يقع إرساء تلك العدالة بأقل أضرار ممكنة وبتكاليف محدودة دون الوصول إلى حد التشفي، حتى يرجع المجتمع التونسي إلى سالف تماسكه. وأكد ديلو انتشار خطاب سياسي مشحون بروح الاجتثاث في ظل قدر كبير من التسامح ميز الثورة التونسية، وقال: «لم نر جلادي الثورة يسحلون في الشوارع، ولاحظنا في المقابل قادة سياسيين يرجعون إلى ديارهم ويبيتون بين عائلاتهم، وهذا لا يعني أن التسامح غير متوفر، وأن المحاسبة مفقودة»، واستدرك ليؤكد أن التسامح لن يؤدي إلى الانفلات أو «الثورة المضادة» وعودة فلول النظام السابق. وتحدث ديلو عن قطاع الإعلام، وقال إن «عدد الصحف الصفراء في الوقت الحاضر أكثر بكثير من عددها في زمن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وما على السلطات التونسية إلا متابعة هذه الظاهرة باهتمام حتى لا تنزلق تلك الصحف في ما كنا نخشاه في العهد البائد». وبشأن القائمة السوداء في قطاع الإعلام، قال ديلو إنها تتطلب الرجوع إلى عدد من المصادر الحكومية وغير الحكومية، مشيرا إلى أن معالجة مسار الأفراد يتطلب الكثير من الحذر حتى لا تدخل البلاد في حالة من التشفي لأن المحاسبة يجب أن تكون فردية، على حد تعبيره، وأن لا نصل إلى حالة الاجتثاث والعقاب الجماعي الذي لا تحبذه الحكومة التونسية الحالية. وقال ديلو أيضا إن كل الفئات الاجتماعية يمكن أن تكون موضع مساءلة بمن فيهم كبار القادة العسكريين الذين قد يكونون ساهموا في إرساء دعائم الفساد. وساند ديلو فكرة تقديم ملف الاتهامات الموجهة ضد حركة النهضة باستعمال «ماء النار» وكذلك التسبب في مقتل بعض التونسيين مثل «عملية باب سويقة» بالعاصمة التونسية، التي اتهمت الحركة بالوقوف وراءها، والتي أدت إلى موت أحد الحراس حرقا، ومثلت بداية لحملة اجتثاث نفذها نظام بن علي ضد التيار الإسلامي في تونس. ودعا ديلو إلى التعامل مع كل الملفات من دون تمييز، ومن دون النظر إلى طابعها السياسي فقط. *تعليق الصورة: سمير ديلو وزير حقوق الإنسان التونسي