أطلق عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، عدة تحذيرات وفي مختلف الاتجاهات حول الأوضاع السياسية في البلاد. ويعتقد بن كيران أن حزبه، الذي يشكل حاليا أكبر مجموعة برلمانية معارضة، هو الحزب الأول في المغرب، لكن هناك خطة لحرمانه من هذا الموقع، على حد اعتقاده. وانتقد بن كيران الذين يسعون إلى إقحام المؤسسة الملكية في العمل السياسي، وقال في حديث ل«الشرق الأوسط» إن حزبه يؤمن إيمانا لا نقاش حوله بالدور الدستوري للملكية، لكنه أضاف: «لا يمكن للناس أن تنتظر قيام ملكها بكل شيء. هذا غير معقول لأن الملك هو رمز الأمة». ويرفض بن كيران مشاركة حزبه في حكومة يتلقى فيها الوزراء «تعليمات من جهات غير معلومة وغير قانونية». وفي ما يلي نص الحوار. * هل يمكن اعتبار نجاح حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا نموذجا بالنسبة إليكم؟ وهل يصلح النموذج التركي للتطبيق في المغرب، علما بأن النظام في البلدين مختلف؟ - النظامان في المغرب وتركيا مختلفان، وحتى الحزبان مختلفان. وبالنسبة إلى الاسم نحن الذين سبقنا إليه وهم أخذوه عنا، لكن لا شك أن «العدالة والتنمية» في تركيا اليوم هو نموذج من العيار الثقيل، بيد أنه يشتغل في دولة علمانية جمهورية، ونحن نشتغل في دولة إسلامية ملكية، فإذا كان دورهم هو محاولة تصحيح إشكالية الهوية في إطار العلمانية، فنحن دورنا هو الحفاظ على مكتسبات الهوية في دولة إسلامية وملكها هو «أمير المؤمنين». إذن، الحزبان يوجدان في وضعية مختلفة تماما، ولكن هذا لا يمنعنا من تقديرهم غاية التقدير، والاعتراف بأنهم على المستوى الوطني التركي والدولي يقومون بدور رائد جدا. * يشكل نزاع الصحراء إحدى العقبات الأساسية أمام إحياء مشروع اتحاد المغرب العربي بسبب موقف الجزائر المؤيد لجبهة البوليساريو، كيف تنظرون إلى توتر العلاقة بين المغرب والجزائر؟ - الأمور واضحة من منطلق قناعتي الشخصية. الجزائر لا تدافع عن جبهة البوليساريو، النظام الجزائري يدافع عن نفسه وعن الامتيازات التي أسسها خلال خمسين سنة، وعن التحكم في البلاد، النظام الجزائري يخاف من تطبيع العلاقات مع المغرب، ولهذا هو يطيل نزاع الصحراء كسبب من أسباب التوتر الذي يبرر له إغلاق الحدود الشرقية، وهذا لا يخضع لأي منطق. المعركة، في رأيي، توجد على مستوى أي نظام سيكون الأفضل لشعبه، إلى حد الآن يتصرفون بطريقة أسوأ، لكن المستقبل غير مضمون، خصوصا أن عندهم سبق الوفرة المالية، ففي صناديقهم فائض لا يقل عن 150 أو 160 مليار دولار، إضافة إلى عدم وجود ديون خارجية للجزائر حتى الآن. نحن متقدمون في بعض المجالات، منها الديمقراطية، ومجال محاربة الفقر، لكن ليس بما فيه الكفاية. كما أننا لا نتصرف بما يكفي من القوة في مجال محاربة الفساد. * هناك من يحذر من حرب قد تشنها الجزائر على المغرب، بالنظر إلى حجم عمليات التسليح التي تقوم بها، إلى أي حد هذه الفرضية صحيحة؟ - هذا أمر وارد، ولا يجب أن نغفله، الذين يتحدثون بصوت العقل في النظام الجزائري موجودون، بيد أن الكلمة العليا ليست لديهم، ويخشى إذا ما ساءت الأوضاع اللجوء إلى مثل هذه الخيارات. ويجب الاستعداد لهذا، لكن أنا متأكد أن هذا الأمر لا يشكل الأولوية، لأن الجزائر إذا ما ذهبت في اتجاه العنف والحرب ستتحول أمور كثيرة لصالح المغرب، لكن مما لا شك فيه أن المعركة هي معركة التنمية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإعادة الاعتبار للمواطن، والانسجام مع قناعاته الحقيقية ومبادئه ومرجعيته. * تصف بعض الأطراف في الدولة حزب العدالة والتنمية بأنه ضد توجهاتها، كيف تفسرون ذلك؟ وما المطلوب منكم حتى ترضى عنكم الدولة؟ - هذا كلام غير صحيح، فالدولة لم تصف حزبنا بأنه ضد توجهاتها، و«العدالة والتنمية» ليست مسؤوليته نيل رضا الدولة بأي ثمن، فدوره الأول بعد محاولة نيل رضا الله هو خدمة المجتمع والحصول على تأييد المواطنين. أما الدولة فموقفنا منها معروف، نحن من أنصار الاستقرار، وقوة الدولة واستمرارها، وكل ما يسير في هذا الاتجاه نعتبره منهجا لنا في إطار مرجعيتنا الإسلامية. * حزبكم كان دائما في موقف دفاع عن النفس، ويعمل على نفي التهم التي يوجهها له خصومه السياسيون؟ - ليس الخصوم السياسيون من يقوم بذلك، بل في الغالب إعلام منسوب إلى جهات معينة عجزت عن مواجهة حزبنا في الساحة السياسية الحقيقية التي هي خدمة المواطنين، وتخاف أن يكون الحزب الأول، ولذلك خلقت وسائل إعلامية ومؤسسات سياسية لمواجهته والتضييق عليه، وهذه الجهات لديها إمكانيات كبيرة، ولا تفتأ تواجه حزب العدالة والتنمية، وأحيانا تواجهه بوسائل غير مشروعة وغير قانونية، وبطبيعة الحال الحزب يدافع عن نفسه ويدافع عما يمثله في المجتمع، لذلك إذا كان هناك شخص يجب إقناعه بتغيير هذا النهج، فهم هؤلاء الناس. * هل لك أن تسمي هذه الجهات؟ - لا أدعي أنني أعرفها بالضبط، لكن أثرها واضح للعيان، وأنت بنفسك تتحدثين عنهم وسميتهم خصوما، فمن هم خصومنا؟ وحتى إن قلت حزب الأصالة والمعاصرة، سأسألك: من كان قبل الأصالة والمعاصرة؟ هناك جهات متنفذة تستفيد من الوضع، وترفض أن يكون في الساحة السياسية حزب أصبح الناس يشهدون له بالنزاهة والشفافية والكفاءة، وهذه الجهات تعتبر نفسها متضررة بأن يصبح هذا الحزب شريكا في الحياة السياسية، يرفض الممارسات التي دأب هؤلاء على الاستفادة منها، ومن أجل ذلك يشغلونه بحروب هامشية وانتقادات متكررة، وفي كل مرحلة يستعملون وسائل معينة، وهذا يحدث منذ مدة طويلة، وكل همهم إضعاف الحزب وتهميشه. * أعلن حزب الاستقلال على لسان أحد قيادييه بأنه حزب إسلامي، هل خفف ذلك من الضغط الإعلامي الذي تواجهونه باعتباركم الحزب الإسلامي الأبرز في موقع المعارضة؟ - حزب الاستقلال ليس حزبا إسلاميا فقط منذ هذا الإعلان، بل هو إسلامي بالنشأة، أسسه علماء، ويكفي الرجوع إلى وثائقه للتأكد من ذلك، وعلى رأسهم علال الفاسي، الذي كان عالما سلفيا. * لكن صفة «الإسلامي» مرتبطة بحزبكم أكثر من أي حزب آخر. - طبعا، لأنه في السنوات الأخيرة كان الدفاع عن جانب الهوية بارزا في نضالنا، ونحن نعرف تاريخيا من هو حزب الاستقلال، إلا أن الأمور تتطور، فالحزب الذي أسسه علال الفاسي ليس هو حزب الاستقلال اليوم، إذ حدثت تحولات بهتت معها بعض المعاني، ولكن تأتي مناسبات لإعادة تأكيدها. وليس غريبا عن هذا الحزب أن يعلن شخص منه أنه حزب إسلامي، أما هل هذا الإعلان خفف الضغط علينا، فنحن نتصور أن وجودنا في الحياة السياسية سيكون له ثمن، وفي بعض الأحيان يتقاسم معنا هذا الثمن بعض الأشخاص أو بعض الأحزاب، ونعتقد أن هذا التصريح يشرف حزب الاستقلال، فهو حزب له وزن معتبر في المجتمع، ويقينا هذا الحزب سيستقبل أشياء إيجابية إذا زاد تأكيده على هذا البعد الرئيسي في تكوينه، وسيعود للحضور في المجتمع ويعزز مكانته. * ما توقعاتكم بخصوص النتائج التي قد يحصل عليها حزبكم في الانتخابات التشريعية لعام 2012؟ - المستقبل في علم الله، والحياة السياسية متقلبة، لكن يمكن أن أحدثك عن السنوات الماضية، إذ أعتقد أنه خلال عشر سنوات ونحن من الناحية السياسية في المرتبة الأولى، وحيل بيننا وبين المرتبة الأولى في الانتخابات بطرق مختلفة، آخرها خروج هذا الحزب الجديد (يقصد الأصالة والمعاصرة)، الذي ولد في فبراير (شباط) 2009، وكبر وهزم الأحزاب كلها في ظرف ثلاثة أشهر، لكن في السياسة لا يتعلق الأمر بنصر مفرد أو بهزيمة، أو بمرتبة ينالها، بل هي حالة سياسية، أي هل يوجد في عمق المواطن انشراح ورضا عن الأداء العام للنخبة السياسية في المغرب؟ وبالتالي لا أعتقد أنني بحاجة إلى أن أدلل على أن الجواب هو حتما: لا، المواطن المغربي سواء كان من الطبقة المحرومة أو المتوسطة أو حتى الغنية، لا يشعر بالارتياح. يؤسفني أن أؤكد أن ظاهرة «الحريك»، أي محاولة الهجرة إلى الخارج، لا توجد على مستوى الطبقات الفقيرة فقط، بل أيضا على مستوى الطبقات الميسورة، التي تبيع ممتلكاتها وتهاجر إلى كندا وغيرها للاستقرار هناك، وهذا خطأ لكنه واقع، فهذا البلد العزيز يحتاج إلى الجدية في تدبير الشأن العام، لأننا ننادي بالديمقراطية ونعود لنسفها بأساليب وألاعيب، لا يمكن دائما إقامة الحجة عليها، لكنها لا تخفى على أحد، بل تفتح الباب للإشاعات التي تتجاوز الحقيقة، وتصبح يقينا عند الشعب، وأكبر دليل على ذلك، العزوف السياسي والانتخابي، الذي جعلنا اليوم متأكدين أن الشريحة التي تذهب للانتخاب هي نحو 20 في المائة، ثم نقول الليبرالية الاقتصادية، ونعود لنتدخل في السوق، نقول بالعمل ونكرس اقتصاد الريع، نقول بنزاهة القضاء ونرجع للتدخل فيه، نقول بإصلاح التعليم ونرصد له أموالا باهظة ويشعر العاملون في الميدان أن هناك عوائق غير قابلة للتجاوز، هذا التردد في إنجاز الإصلاحات والذهاب بها إلى نهايتها وأداء ثمنها هو الذي عطل مسيرة الإصلاح، لذا نحن بحاجة إلى ما يشبه «ثورة الملك والشعب»، أي أن نعمل تحت قيادة الملك محمد السادس وبتعاون كل الأطراف، حتى نتقدم خطوات كبيرة في اتجاه إحداث النهضة التي نتحدث عنها. * هل ستسعون للمشاركة في الحكومة بعد انتخابات عام 2012؟ - المشاركة في الحكومة ليست مسألة مهمة، لأن المشكلة في المغرب هي مشكلة سياسية، ومشكلة توجهات يجب أن تحسم على مستوى الدولة ونتقدم بها إلى الأمام، وليست مشكلة أشخاص نبحث لهم عن مناصب حكومية مريحة، فإذا كان رجالنا سيشاركون في الحكومة على أساس برنامج واضح وقدرة على تنفيذ هذا البرنامج من دون أن يجدوا أمامهم عوائق أو تعطى لهم توجيهات من جهات غير معلومة وغير قانونية، فهذا سيكون جيدا بالنسبة للأمة، أما إذا كنا سندخل الحكومة ونشارك فيها في إطار صخب إعلامي، وبعد ذلك تنقضي بضع سنين ولا نفعل شيئا، فهذا ما لا نريده. الحكومة الحالية مثلا، على الرغم من التقدير الذي بيننا وبين مكوناتها، لم تفلح في شيء، إصلاح القضاء لم نتقدم فيه خطوة واحدة، رغم أن وزير العدل الحالي أحدث ديناميكية إيجابية. مشكلة التعليم أيضا لم نتمكن من الوصول إلى نتائج بشأنها رغم الإمكانيات المادية. محاربة الأمية ما زلنا نراوح مكاننا فيها، مشكلات الصحة نفس الشيء، وأيضا مشكلة السكن الذي أركز عليه بشكل استثنائي، لأنه تقع فيه مصائب ومناورات. صحيح أن هناك حركة دؤوبة للملك محمد السادس، بيد أن الحكومة تعطي شعورا بالعجز، إذ لا يمكن للأمة أن تنتظر أن يقوم ملكها بكل شيء. هذا غير معقول. الملك هو رمز الأمة الذي يؤطر حركتها العامة، والفاعلون هم كل واحد من موقع مسؤوليته، وإلا قد لا نكون في النهاية بحاجة إلى حكومة وإلى برلمان أو غيره، وهذا كلام بدأ يتردد في الساحة. * هناك عدد من الأحزاب السياسية اتخذت من دعم المشروع الملكي مبررا لوجودها. ما تعليقك؟ - الأحزاب أحزاب، بعضها ليس حزبا سياسيا، بل مؤسسات حكومية خلقت من طرف الإدارة في وقت من الأوقات لهدف من الأهداف، وهي متحكَّم فيها، وتقوم بالدور الذي تطلبه منها الإدارة، وهذه ما فتئت تتعلق بالملكية وبمشروع الملك، وفي رأيي يجب أن نتخلص من هذا الأمر، لأن مبررات وجوده انتهت. في مرحلة سابقة كان هناك نزاع بين الملكية والمعارضة، وكانت الملكية محتاجة إلى لاعبين يمثلونها في الملعب، لاعبين من جنس الأحزاب السياسية، فخلقت ما يسمى «الأحزاب الإدارية». الآن النزاع مع الملكية انتهى، والأحزاب الوطنية واليسارية اليوم متشبثة بالملكية، وتعتبر الإضرار بها إضرارا بواحد من أساسات الدولة. وحزبنا أيضا معروف بولاءاته الملكية. ولا نقول هذا لأننا نريد أن نصبح في الحكومة، بل قلناه يوم كنا تجمّعا غير معترف به، وأصبح ذلك علامة لصالحنا، لأننا مقتنعون أن المغاربة في حاجة إلى ملكيتهم، فملكهم يقوم بدور التحكيم، ويضمن الاستقرار والصفة الدينية للدولة باعتباره «أمير المؤمنين»، وهذه الأمور الثلاثة غير قابلة للتجزئة لأنه إذا تحول التحكيم إلى طرف سيرتبك الوضع، وهذه قناعات قديمة عندنا وضّحناها وخلصنا منها، وهي غير قابلة للمراجعة، إذن ما الداعي اليوم لحزب إداري جديد (يقصد حزب الأصالة والمعاصرة)، هو عبارة عن خليط من اليساريين والأعيان، إذا كان النزاع بين المؤسسة الملكية وبين الأحزاب انتهى؟ فلا شك أن هذا الحزب جاء للدفاع عن مصالح مشبوهة، لكن المغرب ليس في حاجة إليه، ولا بد أن نخلص من هذا عن طريق الديمقراطية الحقيقية، لأنه لا يعقل أن تقول لشخص مثل الأستاذ فؤاد عالي الهمة أن لا يؤسس حزبا، فهذا من حقه، لكن نحن في حاجة إلى ديمقراطية حقيقة، ليؤكد الشعب من خلالها ماذا يريد، هل يريد أحزاب اليسار أم الأحزاب المحافظة ذات المرجعية الإسلامية أم الأحزاب الإدارية؟ ونحن لا مانع لدينا أن نشارك في هذا التنافس الديمقراطي من دون تدخل الدولة، ولكن إذا أرادت الدولة بوسائلها وبالأحزاب التي تحاول أن توهمها أنها هي التي تناصرها أن تواجه حزب العدالة والتنمية فهذا ممكن، لكن هزيمة حزبنا لا تعني هزيمة الإشكاليات الرئيسية التي يعرفها المغرب، وهي الفقر والفساد وضعف التعليم والإعلام. فالأوضاع تكون في بعض الأحوال قابلة للإصلاح، لكن مع الوقت إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة تتمنع على الإصلاح تدريجيا وقد تصل إلى حد التعفن، وحينذاك نصبح أمام اختيارات قاسية نتمنى أن لا نصل إليها. * تتحدثون في كل مناسبة بإيجابية عن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تسعون إلى التقارب معه، علما بأن قياديي الحزب لا يظهرون الرغبة نفسها في هذا التقارب، هل هو حب من طرف واحد؟ - السياسة ليس فيها حب ولا كره، لهم سياستهم ولنا سياستنا، حزب الاتحاد الاشتراكي نقدر فيه أشياء، لأنه حزب نشأ من رحم المجتمع للدفاع عن مصالح الطبقات المستضعفة من أول يوم، وفي سبيل ذلك عانى وضحى وابتلي، وصحيح أن قيادييه وقعوا في أخطاء وهم الآن يعترفون بها، لكننا نتحدث بإيجابية لنؤكد أن مسألة التعاون مع هذا الحزب في هذه المرحلة هي قناعة لدينا نظرا لأنه ما زالت لديه من خصال المروءة ما يجعل الكلام معه له معنى، ولا ينقلب بالتعليمات، كما لم يثبت لدينا أنه دخل في صفقات مشبوهة ضدنا، على الأقل في الانتخابات الماضية. فنحن مقتنعون أن تعاون الحزبين في مجال الدفاع عن الديمقراطية وتنقيتها مما يفسدها من تدخل الإدارة والفساد يعد في صالح الأمة والمجتمع والدولة. وفي المجالات الأخرى هناك الكثير من الأشياء يمكن الاتفاق حولها، وبالتالي فإن نداءنا لهم مستمر، وليس هناك من الناحية العملية والرسمية ما يدعو إلى قطع هذا النداء، فمن جانبهم، هم لهم سياستهم ونحن لا نطلب منهم شيئا، فمواقفنا ليست بمقابل، بل مبنية على طريقتنا في تحليل الأوضاع. * جمعت بعض المناسبات بينكم وبين قياديين في حزب الأصالة والمعاصرة. هل هي مؤشرات تقارب وإنهاء الخلاف، أم لقاءات عابرة كما وصفها نائبك عبد الله باها؟ وهل بناء تحالف قوي للمعارضة بينكم وبين هذا الحزب أمر وارد؟ - حزب الأصالة والمعاصرة هو من قال إنه يضع خطوطا حمراء تجاهنا. ونحن لم نقل ذلك. وبعد الانتخابات توجهنا إلى اعتباره حزبا عاديا، وتحالفنا معه في مراكش، وفي مدن صغيرة أخرى بإرادتنا، بيد أنه هو من بادر إلى مواجهتنا، وهذا أمر طبيعي، لكن باستعمال وسائل الدولة، وهذا ما لم نقبله وواجهناه بما تيسر لنا، وهذا أوصلنا في بعض الأحيان إلى بعض مظاهر العداء. الآن يبدو أن هناك بعض المراجعات من جهتهم، وتبين ذلك من خلال لقائي مع فؤاد عالي الهمة في جنازة المستشار الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، وزيارة وفد من الحزب لمصطفى الرميد لتعزيته في وفاة والده، ولقاء الهمة مع عبد الله باها في البرلمان، حيث اتضح أن الكلام يميل نحو تلطيف الأجواء، وربما استئناف الحوار، ونحن ليس لدينا أي مانع، نحن في المغرب لسنا أعداء، بل نحن خصوم سياسيون، وإذا أصبحنا متنافسين سياسيين فهذا أفضل، وإذا راجعوا مواقفهم اتجاهنا فنحن مستعدون للحوار معهم، أما هل سنشكل معارضة موحدة فهذا كلام سابق لأوانه. * تسعى الدولة إلى ضبط مجال الفتوى الدينية وحصرها في المؤسسات الرسمية، هل تؤيدون هذا التوجه، خصوصا بعد صدور فتاوى مثيرة للجدل نشر بعضها في صحيفة «التجديد» المقربة منكم؟ - صحيفة «التجديد» تملكها حركة التوحيد والإصلاح، ورغم العلاقة التي تربطنا بها كحزب فإن كلتا المؤسستين مستقلتان بقرارهما، ولا يشاوروننا في ما ينشر. قضية الفتوى إذا قامت عليها المؤسسات الرسمية ليس فيها إلا الخير، لكن شريطة أن يشعر العلماء فيها بأن لديهم الحرية في الكلام، فكيف يمكن أن نطلب الفتوى من المؤسسات الرسمية ونحن نطلب منها أن تصمت؟ ومن جهة أخرى، لا يمكن حصر الفتوى في المؤسسات العلمية فقط، لأن الفتوى تشتغل يوميا بين المواطنين والعلماء والدعاة، لذلك الفتوى لا تؤمم، بل يجب إعادة الاعتبار للعلماء وإعطاؤهم مكانة متزايدة في المجتمع وفي المجالس العلمية وفي وزارة الأوقاف، وحينذاك تتحول الفتوى طبيعيا إلى الجهات الرسمية، أما أن يتم تهميش العلماء الذين يمتلكون الشجاعة لتبليغ ما كلفهم الله به من بيان الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحينذاك سواء أممت الفتوى أم لا فإن ذلك لا يغير شيئا في المجتمع، ولكن يقع انفصال بين الصفة الدينية للدولة وبين واقع الحال. ونحن نعمل على معالجة هذا الخلل، ونريد أن يأخذ المواطن مرجعيته العلمية من مؤسسات الدولة، وهذا يتطلب من هذه المؤسسات أن يكون لديها من العلم ومن الشجاعة ما يكفي لتفتي بما هو حق فعلا، أما مؤسسات رسمية صامتة فحتى لو أعطيتها أي مرتبة لا يمكن أن تقوم بدورها. * كيف هي علاقتك بقياديي الحزب الآخرين، عبد الله باها ولحسن الداودي وسعد الدين العثماني ومحمد يتيم ومصطفى الرميد؟ وكيف تصف كل واحد منهم؟ - باها شريك النضال وأهم أخ في حياتي. الدوادي رجل خير لا يمكن ضبطه. العثماني عالم موقر. يتيم مثقف تمكن من الرفع من مستوى العمل النقابي. والرميد رجل آتاه الله كفاءات كثيرة إذا استثمرها بشكل أفضل، وهو رجل مليء بالخير.