لو كان «الربيع العربي» رواية تكتب لبات من الواجب، وبعد كل ما سطر بحق من اعتبر «مفجر» أو «ملهم» الربيع العربي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجا على نظام الرئيس التونسي المخلوع بن علي، أن تختم تلك الرواية بعبارة: «وقد تم سجن والدة البوعزيزي بعد قرابة عام ونصف العام من عمر الثورة التونسية»! القصة، لمن لم يتابعها، أن السيدة منوبية البوعزيزي كانت قد انفجرت غضبا بأحد الموظفين الرسميين بسبب تأخر حصولها على خدمة حكومية بسيدي بوزيد، التي اعتبرت مهد الثورة التونسية، وعلى أثر ذلك تم اتخاذ قرار بإيقاف والدة البوعزيزي على ذمة التحقيق! وما حدث للسيدة منوبية كان من الممكن أن يتم بحق ابنها الذي أحرق نفسه، بل إن قصته كانت أوضح، لأنه كان يحتج على السلطات التونسية رغم أنه ليس لديه تصريح لوضع عربته، لكنه انفجر غضبا وأحرق نفسه، واعتبر مفجر الثورة، بينما عندما انفجرت والدته غضبا، وبعد الثورة، أودعت السجن، ولم يشفع لها حتى كونها والدة من أحرق نفسه احتجاجا على بن علي، أو حتى كونها امرأة! وقد يتساءل البعض: كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ السبب بسيط، وهو أن المواطن العربي اليوم، أي مواطن، لا يكترث بكل ما يقوله المثقفون، والمؤدلجون، وغيرهما، بل إن كل ما يريده المواطن العربي هو الحياة الكريمة، وتوفير مطالبه الأساسية، ودون تعقيد. فالمواطن يريد الأمن، والصحة، والتعليم، ولقمة العيش، وقبل كل ذلك الاحترام. هذه طلباته دون تعقيد. بينما نجد العكس تماما لدى من يقودون التغيير اليوم بدول الربيع العربي، ومن يتحمسون لهم. فملخص المشهد العربي هو سقوط المتمسكين بالسلطة، ووصول الطامحين لها، لا أكثر ولا أقل! والدليل أن تلك الدول العربية، دول الربيع العربي، ما زالت غارقة بصراع السلطة، وجدلية كتابة الدساتير، والمذكرات التفسيرية لها، ومن يحصل على ماذا من كعكة السلطة، بينما احتياجات الناس ما زالت بعيدة حتى عن النقاش الجاد، ناهيك عن المحافظة على كرامة الناس! فما زال الجدل مستمرا على مصادر التشريع، وليس مصادر إطعام الناس، وعلى توزيع الحصص والصلاحيات، وليس سرعة النظر في احتياجات البشر، وهكذا..! وقد يقول قائل: إن كثرة الاحتجاجات، والاعتصامات، في تونس أو مصر، أو خلافهما، هي ما يعيق انطلاق عجلة الحياة، وهذا غير صحيح، بل إن الصحيح أن الصراع على السلطة هو أحد أهم أسباب تعطل انطلاق عجلة العمل بدول الربيع العربي؛ فالواقع العربي، وللأسف، يقول أن لا أحد قد تعلم الدرس البسيط جدا، والثابت تاريخيا، وهو أنه ليس بمقدور طرف إقصاء الآخر، وأن الشعوب لا تحيا بالشعارات والوعود، فلم تستطع الأنظمة الزائلة إقصاء من اعتبرتهم أعداء، كما لن تستطيع الأنظمة الجديدة إقصاء من تعتبرهم أعداء الأمس، فالدول لا تبنى بالإقصاء، وإنما من خلال العيش المشترك، وضمان الحياة الكريمة للناس، وعدا عن ذلك فإنه يعد ترفا لم نبلغه بعد!