خمسون سنة كاملة مرت على استقلال الجزائر عن فرنسا الاستعمارية بعد 132 سنة من الاحتلال الغاشم الذي لاقى خلاله الجزائريون الويلات وتعرض فيه هذا الشعب الى عديد المحاولات لطمس هويته وثقافته ودينه وهذا ما لم تستطع فرنسا تحقيقه، بل أن الثورة الجزائرية قامت على هذا الثالوث الذي عملت فرنسا على تهديمه 'الجزائر، الإسلام و العروبة'.غير ان التطرق إلى موضوع الثورة والاستقلال لا ينبغي ان يقتصر على المفردات والاوصاف الملائكية الرنانة فقط إنما يتطلب نقاشا او تحليلا واقعيا وحياديا، من هذا المنطلق نتطرق إلى مدى تحقيق أمال وأحلام الشهداء الإبرار الذين ضحوا بحياتهم وشبابهم من اجل الجزائر؟ هل نالت الجزائر استقلالها الحقيقي؟ من يحكم الجزائر؟ ما هو حال بعض الشباب في بلد المليون ونصف المليون شهيد الذين يحنون إلى رؤية فرنسا في الجزائر وهم الذين لم يعايشونها أبدا؟ التطرق إلى الثورة يجلب الثورة إلى حد الآن مازال التطرق إلى موضوع الثورة بطرقة واقعية وحيادية يعتبر من المحظورات والتابوهات التي ينجم عن مناقشتها الاقصاء في جميع المجالات من طرف النظام الحاكم الذي أحاط نفسه بترسانة فانونية تصب في هذا الإطار تحت ذريعة حماية الثورة ومكتسباتها وان كل من ينتقد ولو امرأ صغيرا في الثورة يعتبر عميلا ولو كان على حق، غير أن الواقع الحقيقي يقول ان الكثير من وجوه النظام الحاكم من بقايا 'دفعة لاكوست' العميلة أو أبناء عملاء، ولهذا يمنع منعا باتا التعمق في خبايا الثورة ويسمح فقط بالحديث والكتابة عن الوجه الملائكي لها رغم أن كشف الحقائق والعملاء الخونة لن يزيد الثورة إلا علوا وعزا ولن يزيد الشعب إلا تمسكا بها. ان الحديث عن الثورة المجيدة وخباياها أقصى الكثير من قيادات الثورة العظام بعد الاستقلال بل وخلال الثورة، ووصل الأمر حتى إلى التصفية الجسدية، ورمي كل هؤلاء الرجال في مزبلة الخيانة وما هم كذلك، وأصبح العميل مجاهدا والمجاهد عميلا - ولا نقصد هنا كل المجاهدين طبعا وكان مصير كثير من قادة الثورة الذين أبوا إلا أن يطرحوا أفكارهم ويبدوا آراءهم بكل حرية وديمقراطية فما بالنا بمصير مواطن غلبان يتحدث عن خبايا الثورة المظفرة. النظام الحاكم يعرقل كتابة التاريخ الحقيقي للثورة يطل علينا بعض أزلام النظام الحاكم في بلد الشهداء 'بمطالب بهلوانية' منها مطلب كتابة تاريخ الثورة قبل اندثار جيل من عايشوا الثورة من أبناء الجزائر، وقد تطرق الرئيس بوتفليقة عديد المرات الى هذا الأمر، والذي يرى ويسمع يقول أن الأمر صحيح وان الجزائر بخير إذن، غير ان الواقع يقول انه كلمة حق أريد بها باطل وان هذا التاريخ الذي يقصدونه ما هو إلا التاريخ الفضفاض الذي لا يصل الى حد مناقشة القضايا الحساسة في الثورة بطريقة موضوعية، رغم أن هذه الموضوعية لن تنقص ابدا من قيمة ثورتنا المجيدة التي طردت أقوى دولة استعمارية ذلك الوقت، وان الجزائريين دافعوا عن بلادهم بطرق مازالت لحد الآن محل دراسة من طرف أكاديميات عسكرية في الدول الغربية خصوصا، ومن بين القضايا الحساسة التي يريد حكامنا عدم مناقشتها قضية العدد الحقيقي للمجاهدين الذين يتمتعون بامتيازات رهيبة في الجزائر حيث انتشرت نكتة طريفة في الجزائر مفادها انه من شدة تزوير قوائم فإنه سنة 2012 تم إحصاء المجاهدين وقد وجدوا أن عددهم حاليا فاق عدد جميع الجزائريين ابان الثورة فكيف يعقل هذا؟. هذا إضافة إلى قضية العدد الحقيقي للشهداء والذي تحاول جهات عديدة زرع الشك حول هذه النقطة التي لا يصح ان نسميها نقطة، وخصوصا من الجانب الفرنسي الذي يريد تحجيم عظمة الثورة، وان التضييق على حرية التعبير في الجزائر هو من ساهم في زرع هذه البلبلة التاريخية ولو تم ترك الأمر إلى 'التاريخيين الجزائريين' لمناقشة وتحليل وتوثيق هذا الموضوع لأفحموا نظراءهم من الفرنسيين وان التعتيم على هذه الأمور لن يأتي بنتيجة. كما أن منع التطرق إلى قضية 'الحركى' أو العملاء ساهم بشكل كبير في ترسيخ فكرة عمالة النظام بشكل عام لفرنسا لدى المواطن الجزائري، حيث أن تقييد أسماء العملاء وبطريقة موثقة وعلنية يعتبر 'كفرا بالثورة' حسب أركان نظامنا العزيز تحت ذريعة عدم مسؤولية الأحفاد عما ارتكبه الأسلاف وان عائلات الخونة القاطنة بالجزائر سوف تتعرض لمضايقات جمة من شراء نشر هذه القوائم، وما هذا بصحيح طبعا، ومن أين أتت هذه الحنية والقلب الطيب لحكامنا كما أن الإفراج عن هذه القوائم يعتبر مطلبا تاريخيا بحتا لفائدة تاريخ الثورة فقط، وان الشعب الجزائري واع لهذه الأمور، كما ان السبب الرئيسي لهذا التعتيم هو وجود عدد كبير من المسؤولين في هرم السلطة ممن كانوا ضباطا في الجيش الفرنسي إبان الثورة وتم الاتفاق معهم على العمل لمصلحة فرنسا بعد الاستقلال كشرط لخروج فرنسا، ولا يعقل أن نصدق أن هذه الدولة الاستعمارية التي احتلت ونهبت الجزائر لمدة 132 سنة تخرج منها دون ضمانات ومنها الحفاظ على استمرار سياسة جزائرية تعمل لمصالحها وربما الى الابد- تركت مسؤولين سامين تقلدوا مناصب حساسة في هرم السلطة عملوا لمصالحها وضد مصالح شعبهم في غالب الأحيان، وتعهدوا بان يخلفهم في الحكم من يحبون فرنسا أكثر منهم وهذا ما تحقق فعلا، وما مناورات بعض الأحزاب حول ضرورة اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية إلا لعب على الذقون لأهداف حزبية داخلية وان كثيرا من هؤلاء المسؤولين هم من حملة الجنسية الفرنسية ومن متكلمي لغة فولتير ومن الحالمين بعودة فرنسا في يوم من الأيام إلى الجزائر. كما أن بعض الأطراف في بلدنا الغالي أرادت ان تطمس حتى احد أسباب تحول بعض المواطنين الجزائريين الى عملاء للدولة الفرنسية بعد تعرض بناتهم أو زوجاتهم أمام أعينهم إلى الاغتصاب والنهب من طرف بعض الذين يسمون أنفسهم مجاهدين، ونتمنى في هذا الإطار أن لا نصنف كعملاء عند إثارتنا لهذه النقطة أم أن الرأي الآخر غير مقبول؟. إضافة إلى أن أرشيف الثورة المحفوظ لدى الدولة الفرنسية قد شكل محور نقاش هام وشبه دائم في الإعلام وكذلك الحملات الانتخابية دون الصالونات السياسية ومراكز الحل والربط وصناعة القرار طبعا- لأن الإرادة السياسية الجزائرية غائبة ان صح التعبير- وان مطلب استعادة الأرشيف المتداول إعلاميا مدفوع للاستهلاك المحلي لأغراض انتخابية آو اشهارية لوطنية النظام الحاكم لا غير، وقد حرص هؤلاء 'المنافقون السياسيون' على تصوير فكرة أن سماح فرنسا بإعادة الأرشيف إلى الجزائر سيسمح لهذه الأخيرة بمقاضاة فرنسا ومطالبتها بالاعتذار والتعويض، غير أن هذا التصوير يخل في إطار 'الصحيح المنقوص' ففرنسا تخفي في هذا الأرشيف جرائم كبرى ارتكبتها في حق أبناء الجزائر لا يعلمها حتى المتخصصون في التاريخ ولا يعقل إن تقدم فرنسا الى عدوها دليل إدانتها غير أن السبب الآخر هو أن عدد معتبر من الفيديوهات والأفلام المصورة خلال الثورة تبرز وتظهر وجوه بعض المسؤولين الحاليين أو السابقين- في النظام الحاكم وهم يعذبون أبناء جلدتهم ويغتصبون بنات وطنهم العذارى وهذا ما لا يريده بعض حكامنا وما يدعم أكثر فكرة استمرار عمالتهم لفرنسا أكثر فأكثر، لأن هذه الأفلام والصور والوثائق تعتبر عامل ابتزاز لفرنسا ضد هؤلاء الخونة عند احتدم الصراع السياسي والدبلوماسي بين البلدين، وهنا ندرك حتما- نحن العرب- قيمة التوثيق الذي أهملناه والحمد لله أعداؤنا اليوم يستعملونه ضدنا، ولعلها العدالة الالهية لأن أعداءنا في نهاية المطاف سيكشفون ما ارتكبناه حقا بالصوت والصورة ولن يزيدوا في ذلك شيئا. ماذا بعد الاستقلال الاستقلال الذي تطلب مليون ونصف المليون من الشهداء أو أكثر، عشرات الآلاف من المعوقين ومئات الآلاف من اليتامى والمرضى بل مازال أبناء الجزائر يستشهدون إلى حد الآن من جراء انفجار الألغام التي تركها المستدمر الفرنسي مزروعة في ارض الجزائر الطاهرة، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية وغيرها...ورغم صعوبة تحقيق الاستقلال إلا أن المحافظة عليه أصعب وهذا ما نخاف أن لا يتحقق من خلال جرائم البيروقراطية التي يرتكبها النظام الحاكم. الحصيلة سنة 2012، ألاف المنتحرين سنويا حرقا ام شنقا، ملايين الفقراء، طبقية متوحشة مفترسة، انحلال أخلاقي رهيب (عري، دعارة، زنى علني، اغتصاب، قتل للأصول، سرقة...الخ)، انتشار كبير لظاهرة الرشوة في ابسط الأمور، اختلاسات تاريخية لمبالغ خيالية تقدر من أموال الشعب، سخط وكآبة في الأوساط الشعبية، قهر للحريات الشخصية وحرية التعبير خصوصا، استئثار ابدي بالسلطة من طرف فئة معينة، حكم شبه عسكري مضاد للثقافة الحقيقية والعلم والديمقراطية، انتشار السكنات الفوضوية كالفطريات وكأنك في بلد غير الجزائر، ضعف مستوى التعليم رغم زيادة عدد الطلبة شكليا لذر الرماد في العيون، نسبة نجاح في البكالوريا تحدد سياسيا وبطريقة مسبقة حسب درجة الغليان الاجتماعي ولا علاقة لها بمستوى التلميذ، بطالة فاحشة، توظيف غير عادل، إدارات تقودها عاهرات (ليست كلها طبعا)، ...الخ من الانجازات العظيمة لأبناء فرنسا الذين ابوا الا ان يحملوا على عاتقهم مهمة خدمة فرنسا من على كراسي المسؤولية في الجزائر . والغريب أن الجزائر هي للتذكير- اكبر بلد إفريقي يملك أكثر من 200 مليار دولار احتياطي صرف، مجاور لأوروبا ، ساحل على طول 1600 كم، صحراء ذات 2 مليون كم مساحة، إمكانيات طاقوية رهيبة، يحتل احد المراكز الأربعة الأولى عالميا في إنتاج الغاز، مصدر للبترول، يحوز إمكانية إنتاج الطاقة الشمسية كأول بلد في العالم مستقبلا، يملك أكثر من مليون طالب جامعي من 40 مليون نسمة، ملايين حاملي الشهادات الجامعية ...الخ من الإمكانيات الطبيعية، البشرية والمالية الهائلة التي لو توفرت لبلد أخر لكان اقوي بلد في العالم شرط أن لا يكون له حكام مثل حكامنا. ما بال الشباب الذي يحن لفرنسا ؟ أمام هذه الوضعية الكارثية لحال المجتمع الجزائري من جراء قمع النظام وصل الأمر ببعض الشباب عند حديثهم عن انجازات ما بعد الاستقلال وخروجهم بنتيجة سلبية الى التمني لو أن فرنسا بقيت في الجزائر وهذا ما يعتبر غير مقبولا على الإطلاق ويجب محاربته بشتى الوسائل، والمسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق النظام الذي أوصل هؤلاء السباب إلى هذه الأفكار السيئة، ولوا أنهم عاشوا يوميات الاستعمار لما خرجوا بهذه النتيجة. وفي الأخير نقول أن الجزائر حققت مكاسب عظيمة وانجازات كبرى لا يجب إغفالها وان الكثير من أبواق السلطة- خصوصا- يروجون لها وبالتالي تركنا لهم هذه المهمة واكتفينا بالسلبيات.