أكد حسن نجمي الشاعر والباحث في الثقافة الشعبية المغربية أن المهرجان الغنائي لفن العيطة٬ الذي احتضنته مدينة آسفي من 28 يونيو إلى فاتح يوليوز الجاري يعكس ما تختزنه جهة٬ دكالة عبدة من رصيد ثقافي شفوي يعيد ارتباط ساكنة هذه الجهة بثقافتها وهويتها الاجتماعية الضاربة في التاريخ. وأوضح نجمي في حديث لوكالة الأنباء المغربية أجراه سعيد رحيم، أن انتظام هذا المهرجان للسنة 11 على التوالي (احتجب سنة 2006 تضامنا مع محنة الشعب اللبناني آنذاك) لم يكن ممكنا لولا توفر الجهة على هذا الرصيد الثقافي الشعبي والحضاري الذي منحها رأسمالا رمزيا حقيقيا. وتتجلى مظاهر هذا الرمز ٬ برايه٬ في عدة تعبيرات ثقافية واجتماعية سواء تعلق الأمر بالغناء أو الممارسة الموسيقية وفن الطبخ والفروسية والصيد بالصقور فضلا عن توفر الجهة وبشكل خاص إقليمآسفي على رصيد تراث معماري غني ومتنوع تنضاف إليه الصناعات والمهن المحلية٬ على رأسها الخزف ومهن البحر والزراعات المختلفة. وقال إنه علاوة على النسيج الاجتماعي القبلي الذي ميز هذه المنطقة كإحدى المناطق التي تم فيها التوطين التاريخي للقبائل العربية الوافدة على المغرب منذ قرون خلت، فإن هذا الرصيد التاريخي جعل من فن العيطة تعبيرا موسيقيا وشعريا شفويا ينحدر من هذا العمق ويعبر عنه في نفس الآن. وتوضيحا لذلك أبرز نجمي ارتباط العيطة بهوية هذه المنطقة مبرزا أنه ليس مصادفة أن عددا من الممارسين لفن العيطة المنظمين في إطار أزيد من 20 فرقة غنائية متكاملة من بنات وأبناء الجهة ينتسبون إلى مستويات اجتماعية مختلفة بما فيها من عائلات أرستقراطية وإقطاعية ما يدل على أن ممارسة هذا التعبير الثقافي ليس نابعا من دافع سد الحاجة أو الارتزاق. لذلك فمهرجان العيطة بآسفي جاء ليجيب عن حاجة ثقافية واجتماعية جوهرية وحقيقية وليس مجرد مناسبة موسمية لتزجية الوقت ويتأكد هذا - على حد تعبيره - في الزخم الذي تعرفه دورات المهرجان سنة بعد أخرى٬ خاصة بعد أن تمكن من تحقيق أبعاد اقتصادية وسياحية وتحريك الصناعات المرتبطة به من فندقة وخلق مهن موازية. وشدد نجمي في هذا السياق على ضرورة استكمال البعد الفكري للمهرجان بعقد ندوات حول مواضيع مرتبطة بفن العيطة وبفضاءاته التاريخية والاجتماعية والثقافية، مشيرا كذلك إلى إغفال منظمي هذه التظاهرة للجانب المتحفي بما يتطلبه من عرض للآلات الموسيقية التقليدية التي يمكن توظيفها والتعريف بها وبالعازفين عليها من رواد فن العيطة وعرض مخصوصات الفنانين الشعبيين من ألبسة وديكورات ومعارض الصور والأقراص والأشرطة السمعية والبصرية وخلق فكرة لنشر كتاب جميل باذخ خاص بتراث هذا الفن الحصباوي والعيطة المغربية ككل. ولأجل إغناء الذاكرة الثقافية لهذا الفن الشعبي المنفتح أشار الباحث إلى أهمية التفكير في نشر تسجيلات الدورات السابقة لتمكين الجمهور والزوار منها. وهو ما يشكل بالنسبة للباحث فرصة للتفكير في مأسسة المهرجان بالصورة التي تدعم المجهودات التي بذلها المنظمون وتقوي إدارة المهرجان عبر توفير كل الشروط التي تجعل منه محطة احتفالية سنوية يقصدها المهتمون والمختصون من داخل خارج والمغرب. وأبرز في هذا الصدد حاجة مهرجان العيطة إلى جمعية تنبثق من المجتمع المدني بتنسيق مع الوزارة الوصية والسلطات للإشراف عليه معتبرا أن هذا ما يمكن أن يضمن له النجاح والاستمرارية ويوفر له نواة صلبة مقنعة وقادرة على استجلاء إمكانيات الاستثمار في هذه الجهة. *تعليق الصورة: حسن نجمي