غيب الموت امس في العاصمة الجزائرية ، اللواء المتقاعد العربي بلخير ، أحد الفاعلين المؤثرين في السياسة الداخلية بالجزائر،وخاصة خلال فترة اندلاع حرب أهلية ضروس بين النظام ومعارضيه من الجبهة الإسلامية للإنقاذ ،التي شقت عصا الطاعة على النظام ،ولاذ بعض أنصارها بالجبال حيث خاضوا منها حرب عصابات ضد الجيش الوطني الشعبي،امتدت إلى المدن مخلفة ألاف الضحايا في الجانبين. ونسب إلى اللواء الراحل ،وهو زير سابق للداخلية،رفضه إكمال المسلسل الانتخابي الذي كان سيؤدي إلى فوز ساحق للإسلاميين ما يعني سيطرتهم على السلطة،وهو الأمر الذي أقلق العسكريين فتوحدوا ضد الإسلاميين الذين كانوا يمثلون "المجهول" بالنسبة إليهم. وظل بلخير على موقفه من الجبهة الإسلامية في المواقع الأخرى التي شغلها في مفاصل السلطة كأمين عام لرئاسة الجمهورية ، أو مدير ديوان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مؤثرا في القرارات الكبرى لدرجة أنه وصف في بلاده ب"صانع الرؤساء" . و يقال ،في هذا الصدد، إنه هو الذي أقنع المؤسسة العسكرية بالموافقة على ترشيح بوتفليقة لمنصب رئاسة الجمهورية للاستفادة من خبرته وسمعته الدولية التي اكتسبها خلال حكم الرئيس الراحل هواري بومدين. لكن هذا الأخير بعد استقراره على أريكة السلطة ، بدا له أن بلخير، ربما يمثل عرقلة في طريق مشاريعه السياسية وخاصة فكرة المصالحة الوطنية، التي عرضها على الإسلاميين ، فقرر إبعاده عن قصر المرادية بطريقة ودية، مقترحا عليه سفارة المغرب ، التي شجع بلخير على قبولها وضعه الصحي المضطرب في ذلك الوقت،إضافة إلى أنه كان يعتبر نفسه ضمن المجموعة المناهضة لاستمرار الأزمة والقطيعة بين المغرب والجزائر،وهكذا سعى خلال مقامه في الرباط بكل قواه من أجل أعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين الجارين،لكن محاولته لم يكتب لها النجاح ،أولم يساعده المرض على ذلك ، فقد كان كثير السفر خارج مقر عمله في الرباط،متنقلا بين المستشفيات في فرنسا وسويسرا وإسبانيا . ولم يكن مرضه سرا على أحد ،حتى إنه راجت،عدة مرات،إشاعات عن وفاته في أحد المستشفيات السويسرية،قبل أن يعين سفيرا في الرباط. ولم يكن للراحل نشاط دبلوماسي بارز في العاصمة المغربية،وآثر الابتعاد عن الأضواء،مفضلا العمل في صمت وكتمان ، مكتفيا بتلبية واجب الأعراف الدبلوماسية الذي يفرض عليه الحضور إلى الحفلات التي تقيمها السفارات الأجنبية بالرباط في مختلف المناسبات القومية. وطل المغاربة مقدرين موقفه،متفهمين حدود تأثيره،بعد أن أصبح بعيدا عن غرفة العمليات في الجزائر،وعاملته الصحافة المغربية باحترام حتى في فترات الأزمات المتكررة بين الرباطوالجزائر. إلى ذلك، أفادت تقارير صحافية أن زوار الراحل بلخير في مستشفى "عين النعجة" بالعاصمة الجزائرية تناقص عددهم مع مرور الوقت .