أخرج مهرجان" موازين: إيقاعات العالم" ليالي الرباط، كمدينة إدارية، من رتابتها، وذهابها للنوم باكرا، للحاق بمواعيد العمل في صباح اليوم التالي،دون تأخير عن الوقت المحدد. ليلة أمس، كانت سماؤها مطرزة بالنجوم اللامعة في دنيا الشهرة،و حافلة بسهرات متنوعة الأشكال والألوان، توزعت على كل المنصات. ورغم أن سهرة المطرب المصري هاني شاكر، تأخرت كثيرا، ولم تبتديء، كما تابع ذلك مشاهدو التلفزيون في بث مباشر، إلا عند منتصف الليل، فقد أصر الجمهور المغربي على انتظار إطلالة مطربه المفضل،الذي افتتح حفله الفني بأغنية أهداها إلى الملك محمد السادس،أداها وهو ملتحف بالعلمين المغربي والمصري. وكانت الأغنية، وعنوانها " نعم الملوك"، قد أثارت جدلا عبر بعض المواقع الاجتماعية ، ورأى فيها البعض نوعا من المدح المجاني، انتهى زمنه في العهد الجديد،منذ وصول العاهل المغربي الحالي إلى كرسي العرش، خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، الذي كثيرا ماكان يستقدم مطربي الشرق العربي للغناء في مختلف المناسبات الوطنية، وعلى رأسهم عبد الحليم حافظ، منشد أغنية" الماء والخضرة والوجه الحسن". ولم يأبه شاكر لكل تلك الانتقادات المنشورة على الانترنيت، بل كان طيلة السهرة، متجاوبا مع طلبات المعجبين به، من خلال تقديم باقة من قطعه العاطفية الغنائية ذات الطابع الرومانسي الشجي والحالم،مثل " أحبك أنا"، و" غلطة" وغيرهما. وطيلة وقوفه فوق منصة حي النهضة بالرباط، ظل مصرا على الاحتفاظ بابتسامته، رغم فقدانه مؤخرا لابنته الشابة بسبب السرطان. وقال شاكر في تصريحات سابقة إن الغناء والتواصل مع الجمهور، يسهمان بشكل كبير في التخفيف من حدة الحزن الذي يسكن بين ضلوعه. وفي غمرة تلك المشاعر المفعمة بالشجن، لم ينس شاكر جارته القديمة المطربة الراحلة،وردة الجزائرية،التي وافاها الأجل المحتوم مؤخرا، فاختار من رصيدها الغنائي قطعة " حكايتي مع الزمن"، في التفاتة تجسد تقديره ووفاءه لها كمطربة من جيل الرواد. سهرة أخرى، في منصة أخرى، كانت ليلة أمس مثار إعجاب الحاضرين فيها، نظرا لما حملته من احتفال فني بالجسد والرقص على خلفية موسيقى مستلهمة من التراث الشعبي، وممتزجة بالإيقاع الحديث. يتعلق الأمر هنا تحديدا بالفرقة القادمة من تركيا، التي قدمت لوحات وتعبيرات جسدية في منتهى الروعة والجمال، وهي التي سبق لها أن قدمت من قبل أكثر من 800عرض، عبر انحاء العالم، منذ تأسيسها سنة 2002. في مكان اخر من العاصمة، وضمن سهرات " موازين"،ارتفع صوت المطربة المغربية الشابة نبيلة معن، لتشدو بأغنيات ناس الغيوان القديمة، وسط تفاعل الجمهور الذي لم يتردد في مصاحبتها الغناء، استحضارا لهذه التجربة التي بصمت الحركة الفنية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي. ثمة فرقة موسيقية أخرى تذكرها الناس ليلة أمس،في نفس السهرة،بكثير من الحنين، هي فرقة الإخوان ميكري، التي شكلت انعطافة في طريق الأغنية المغربية، منتصف الستينيات من القرن الماضي. وكانت المناسبة هي اعتزال أحد مؤسسيها الفنان حسن ميكري الغناء، ليسلم المشعل لإبنه الشاب نصر، الذي يشكل امتدادا له على الساحة الموسيقية. وبرر حسن ميكري اعتزاله الغناء بكونه يريد التفرغ لتجارب فنية أخرى، فهو متعدد المواهب،رسام، وكاتب قصة وسيناريو، ومنظم معارض. وقال إنه حان الوقت "لأنسحب من الغناء، وليستكمل إبني توصيل الرسالة الفنية، فهو شاب موهوب، وواعد بالعطاء".