الجزائر "مغارب كم": نسرين رمضاني مع دخول الحملة الانتخابية لتشريعيات الجزائر أسبوعها الثاني، يلاحظ أن الخطاب السياسي للأحزاب المتنافسة لا يرقى إلى مستوى استقطاب الناخبين، إذ لا يبدي الكثير من الجزائريين اهتمامهم بالحدث في ظل انشغالهم باحتياجات اليومية، في ظل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بشكل مذهل، دفع بالبعض للتساؤل عن جدوى دعوة المواطنين للذهاب بكثافة الى صناديق الاقتراع وهم يعانون من لهيب أسعار الخضر والفواكه، التي شهدت تصاعدا في ظرف قياسي. وأصبحت كلمة "ما نفوطيش" بالعامية الجزائرية، بمعنى لا انتخب، على السنة الكثير من الجزائريين غير المكترثين بهذا الحدث، متجاهلين خطب الأحزاب الداعية للانتخاب وعدم المقاطعة باعتباره امتحانا مصيريا للبلاد. ولا يجد الجزائريون فرقا بين هذا الموعد الاستثنائي وسابقيه، بسبب المستوى الباهت الذي ظهرت به التشكيلات السياسية، سواء بخطاباتها المجترة، او بتقديم قوائم تضمنت شخصيات معروفة بجني الريع واللهث وراء النفوذ السياسي، دون الاستجابة لانشغالات الشعب، خاصة وأن التجارب السابقة أثبتت أن البرلمان ما هو إلا واجهة "بريستيج " كونه يدفع مرتبات سخية. وكثيرا ما تحولت الساحات التي علقت بها الملصقات والقوائم والألواح الاشهارية للأحزاب المتنافسة غالى مراكز لتجمعات المواطنين الجزائريين، وهم غير راضين عن أسماء تعودوا على رؤيتها تحت قبة البرلمان دون إن تفيدهم في شيئ حسب اعتقادهم. وأمام بروز أحزاب وليدة ودخول وجوه جديدة المعترك الانتخابي، برزت ظاهرة "الجشع السياسي" للكثيرين، الذين يرون في اقتناص كرسي داخل البرلمان فرصة لتحقيق الربح المادي، علما ان اجر النائب في المجلس الشعبي الوطني تقدر ب 3 ألاف اورو، دون احتساب الامتيازات والمنح التعويضية، مايدفع بالعديدين إلى تجريب الفرصة التي لا تتكرر إلا في مثل هذه المناسبات، بالترشح لأول مرة ضمن قوائم أحزاب قديمة أو جديدة باسم "أحداث التغيير". معطيات جعلت المواطن الجزائري، غير آبه بمجريات الحملة الانتخابية، وأصبح التجمع في الساحات لرؤية الملصقات والقوائم المعلقة، لا يخرج عن الفضول الممزوج بالسخرية. في ذهن المشاهد أحكام مسبقة عن مقاصد المترشحين الذين طالما خيبوا أمالهم في استحقاقات سابقة. يقول "بشير.ل" وهو تاجر رأيناه في ساحة البريد المركزي بوسط الجزائر العاصمة، وهو يحملق في وجوه قوائم المترشحين. سألناه اذا كان مهتما بالتصويت على احدهم ؟ فرد بسخرية "كيف تريدين ان أصوت على هذا الشخص (كان يشير الى مترشح تصدر قائمة حزبه) وهو الذي يقضي عهدته البرلمانية في التجوال بين أزقة العاصمة وكأنه" بطال". اما "ليندة .س" صيدلية، فهي تعارض للذهاب إلى الصناديق وفي رايها "البرلمان لا دور له البتة". وتضيف "وجوده، هدر الموال الشعب، والتصويت يعني تزكية الاستنزاف". ولم يخف "ياسين .م" و هو بطال، تذمره من ممارسة الضغط على المواطنين للانتخاب بينما لا يجد اغلب البطالين مثله منذ سنوات أذانا صاغية للإصغاء إلى معاناتهم وانشغالاتهم. ويعلق في هذا الصدد: "هم لا يعرفوننا إلا عندما تقتضي مصلحتهم ذلك، لكن سرعان ما يتناسون بمجرد قضاء تلك المصلحة"، ليختم محتجا "مانفوطيش"أ ي لا انتخب. ويرى "سعيد .ك" شيخ في العقد السابع من عمره، انه لا يجد سببا مقنعا للذهاب الى صناديق الاقتراع فالانتخابات التشريعية لا تمثل أهمية مثل ا الرئاسية وحجته إن تعدد القوائم والوجوه لا يساعده في اختيار الشخص الأنسب. وفضل شباب "الفايسبوك " توجيه رسائل تهكمية عن التشريعيات، من قبيل اختراع حزب تحت مسمى "البطاطا والبطالة " وفيه صور لشخصيات افتراضية تمارس مهنا مختلفة لا تتناسب مع مستوياتها الحقيقية . وذهب الأمر الى عرض صور لرؤساء أحزاب بتشكيلات رياضية مثيرة للسخرية وكأنهم يتنافسون على موعد كروي هام ، على شاكلة مباريات "البارصة والريال". هذا الواقع، برأي ملاحظين، فاقمه غياب الدور التعبوي للأحزاب، فقد ظهر قصورها واضحا في عرض برامج قريبة من المواطنين، من خلال إصرارها على تكرار وعود خيالية يراها الناخب ضحكا على ذقون الناس. وساهم ظهور الأحزاب المناسباتية التي تختفي بمجرد انتهاء الموعد الانتخابي، في تنفير الناخبين، إذ يرونها مرادفة للريع وجني الأموال، على اعتبار أن أي حزب يخوض المعترك الانتخابي يستفيد من حصة مالية معتبرة. وفي هذا السياق المخالف، لم تتقيد أحزاب بشروط الحملة الانتخابية، فقد تأخرت في تعليق ملصقاتها بينما احتلت أحزاب فضاءات ليست مخصصة لها، بالإضافة إلى حرمان مترشحي القوائم الحرة من الدعاية على أمواج قنوات الإذاعة والتي ستضطر، طبقا للقانون، إلى ترك الفترات الزمنية المخصصة للحملة شاغرة وملئها ببث مقاطع موسيقية، معلنة بين الفينة والأخرى إن تلك الفسحة الزمنية مخصصة للمترشح او الحزب الفلاني في أطار الحملة الانتخابية. ومن جهتها تراهن السلطة على نجاح الموعد الانتخابي، فقد وجه الرئيس بوتفليقة، نداءات كثيرة، حاثا على المشاركة المكثفة للناخبين وداعيا إلى " تحمل مسؤولياتهم وأداء واجبهم الوطني وممارسة حقهم الدستوري" ملحا على كافة الأحزاب لان تكون على قد المسؤولية، من خلال تقديم برامج تستجيب لانشغالات الشعب" . هذا الرهان يبدو أنه غير قابل للتحقق بالصورة التي تتمناها السلطة، في ظل هيمنة المواقف والتصورات السلبية المسبقة وبقوة على أذهان الشعب، حيال وظيفة النائب في المؤسسة التشريعية.