أكد محمود شمام، مدير تحرير مجلة "فورين بوليسي" العربية وعضو المجلس الاستشاري للشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام، خلال لقاء مع "إيلاف" أن الأمة العربية وصلت إلى مرحلة لاتقدّم من خلالها شيئًا للإنسانية، وعاجزة عن رؤية العجز الداخلي. مشيرًا إلى أن العرب تحولوا من خلال "إعلام الحاسة الواحدة" الى متلقين ومشاهدين فقط. شهد العقد الأخير إنطلاق عدة مؤتمرات ومنتديات إعلامية عربية، وإن كان هذا الأمر يُعدّ خطوة إيجابية في خلق شبكة تعارفية بين الإعلاميين والصحافيين العرب، إلا أن السؤال الأهم يتعلق بالمضامين الفكرية والمردودية التي تنتج من هكذا فعاليات وعملية متابعة التوصيات وتنفيذها، فالكثير من المراقبين يرون أنها لا تعدو عن كرنفالات تخصص لها ميزانيات ضخمة وهي عارية عن الانتاجية الفعلية. "ايلاف" التقت على هامش منتدى الاعلام العربي 2010 الأستاذ محمود شمام، مدير تحرير مجلة "فورين بوليسي" العربية وعضو المجلس الاستشاري للشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام، وكان معه هذا اللقاء الذي تجاوز "الاعلام" ليتناول الإشكالات الفكرية الحقيقة الكامنة وراء تخلّف الاداء الاجتماعي والسياسي. • بوصفك أحد أبرز خبراء صناعة الإعلام في المنطقة، كيف تقيّم إنتاجية المنتديات الإعلامية؟ معظمها مهرجانات إحتفالية؛ وبعضها يتضمن محتوى لابأس به، تكمن أهميتها في خلق ما يسمى بشبكة العلاقات وهي فرصة سنوية لإجراء العديد من الحوارات الجانبية المهمة وهي بهذا التوصيف تؤدي هذا الدور. •وماذا عن منتدى الإعلام العربي الذي شاركت فيه كمتحدثّ حول "تجسير الفضاء بين المغرب العربي ومشرقه" حيث تمت الدعوة إلى إطلاق مشروع إعلامي متكامل؟ مؤخرًّا بدأنا نلمس جديّة أكبر في المنتدى، وهذه الدورة تطرح مواضيع محددة إلى حدّ كبير وتعالج قضايا جيدة منها الجلسة التي أشرت اليها وفيها محاولة لتجسير الفضاء الآسيوي. يوجد هناك مشكلة لغة أو تواصل بين المشرق والمغرب العربيين، إلا أن الخلاف ثقافي بطبيعته. فعلى الرغم من ارتفاع عدد الفضائيات في المشرق العربي، والتي زادت على 638 قناة، منها 30 فضائية مغربية فقط، إلا أن هذا الكم الهائل يركز في طرحه على الإثارة الإجتماعية وصولاً للإثارة السياسية، وقلة قليلة هي التي تتحدث بموضوعية ومهنية. أما عن سبب قصورنا من الناحية الإنتاجية فمردّها إلى الظروف التي مرت بها دول المغرب العربي دون إستثناء. •كيف تقيّم "مستوى" المنتدى؟ هناك ندوات أخرى في المنتدى نأمل أن تتم بشكل جيد وفيها إثراء للمشهد الاعلامي، في نهاية المطاف المنتدى الإعلامي لن يكون أعلى مستوى من الصحافيين والإعلاميين العرب أنفسهم. •ألا تعتقد بوجود نقص ثقافي وفكري حادّ في واقع الصحافيين والإعلاميين العرب... حيث يطغى وجود "الإعلامي النجم" على حساب "الصحافي الباحث والإعلامي المفكر" ان صح التعبير؟ تاريخيًّا الصحافة مرتبطة بالثقافة، وقد إمتاز الجيل الأول المخضرم من الصحافيين أنهم كانوا قرَّاء نَهمين وهم علاوة على ذلك منهم الروائي ومنهم الشاعر... فلم يكونوا أصحاب مهنة صحافة وحسب... المشهد الآن مختلف. • ما هو سبب هذا التراجع برأيك؟ تجدر الاشارة الى أمر مهم: الحقيقة هناك نقلتان خطرتان أثّرتا في الثقافة العربية؛ الأولى هي إنتشار الترانزيستور فتحول الإنسان في تلقيه الثقافة من المكتوب الى الشفهي، أي من إعتماده على القراءة الى مجرد الإستماع، وكانت هناك مقولة تشير إلى ان ثقافة العرب في تلك الآونة تحكّم في توجهها ثلاثة "الرئيس جمال عبد الناصر والمطربة أم كلثوم وصوت العرب". النقلة الثانية هي إنتشار الفضائيات، وقد تحوّل الناس فيها من الإستماع الى المشاهدة، فتحوّل من المشهد الكتابي الى المشاهد. •هل انتقلنا من ثقافة الأبعاد المتعددة التي تتعامل مع كلّية الانسان الى "التسطيح" او البعد الواحد؟ فاختُذلت الثقافة المتكاملة الى "ثقافة الأذن" ثم الى "ثقافة الصورة"؟ نعم ان شئت فلنقل انه بدأ إعلام الحاسة الواحدة بدلاً من الحواس الخمس. •اين نحن الآن بعد أن تجاوزنا عصر الإعلام الفضائي؟ الآن بدأ العصر الإلكتروني، وفي تقديري هناك أخبار مهمة للغاية تتطلب حدًا أدنى للمهارات والقدرات، ونحن على أبواب مرحلة جديدة حيث الصحافة ستعود من جديد للبحث والقراءة. أمة ناقدة وعاجزة عن رؤية العجز الداخلي •أين ترى السبب الحقيقي الكامن وراء تراجع الفكر العربي وثقافته؟ المشكلة التي تؤرقني تجاوزت أنظمة الحكم، فالأنظمة مقياس جيد للشارع العربي، ما يزعجني حقيقة أنّنا بدأنا نخرج من التاريخ كأمّة لاتقدّم شيئًا للإنسانية، أصبحت أمة ناقدة وهي عاجزة عن رؤية العجز الداخلي ويتجلى ذلك في عدم قدرتها على الحوار والانتاج. •ربما الإتفاق الوحيد الذي يكاد يجمع عليه العرب أنهم "عاجزون"، لكن من أين نبدأ إذن؟ البداية تكون بالتعليم وفصل الدين عن الدولة، واجبنا في جعل خطابنا خطابًا مدنيًّا بحيث ننتجه وفق حقوق مدنية. •ولكن هناك العديد من الدول العربية تدعي أنها فصلت الدين عن الدولة عبر مشروع "الدولة القومية"، إلا أننا نجد أن العقل "الديني" والعشائري" ما زال هو المتحكم في كل شيء؟ لم ننجز تشكيل الدولة القومية التي هي بديل للنظام العشائري أو الديني، ولم ننجز الدولة التي يتحول فيها الناس من رعايا إلى مواطنين. الأمر المؤسف والكارثي أننا نعيش عصر الدولة الأسوأ في التاريخ لاننا أخذنا من القبيلة أسوا ما فيها وأخذنا من الدولة القومية اسوأ ما فيها. •نعم أصبحنا أمام حالة عجائبية "جمهوريات ملكية" توّرث! كان هناك بوادر تشكيل دولة حقيقية. لكن الامة لم تُنشئ دولتها القومية بل عادت الى مراجعها الرئيسة. الملكيات الدستورية أفضل بكثير من الجمهوريات الاستبدادية. •هل انت متفائل ؟ نعم متفائل، لأننا إذا لم نتفاءل لن نهزم مشروع الهزيمة لأننا إذا فقدنا البوصلة داخليًّا فقدنا الرغبة في العيش. •اين تجد الفلسفة العربية حاليًّا؟ الفلسفة انتهت من الفكر العربي الإسلامي منذ القرن الرابع الهجري منذ ان توقف الجدال العقلاني بين المعتزلة وغيرهم من الفرق الكلامية. تصّوري أمة متوقفة عن التفكير الفلسفي منذ عشرة قرون! ما نراه من إضمحلال نابع من هذه النقطة اننا لم نعد ننتج فكريًا... لم نعد نفكر! والفكر هو الذي يضع الأسس الحقيقية لانتاج أنظمة ملائمة للعيش سياسيا واجتماعيا وتربويًّا... نحن الان بين سَلَفِيَتَيْن : سلفية العودة إلى القديم وسلفية " التغريب"، لقد شهدنا نشاط الفكر الجدلي في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام ونشوء فكرة الأمة. •هل لا يزال مفهوم "الأمة" قائما الآن؟ ليس هناك أمة. فبدلا من العمل على توصيف البعد المادي للأمة المتمثل باللغة... والجوار الجغرافي للأمم المحيطة بها...الأفضل ان نتساءل: هل حَقًّا نحن خير أمة أخرجت للناس؟ •هل يمكن ان تصف لنا العرب الان بكلمتين مثلا؟ "أمة محلّك سرّ"... لأنها متوقفة عن الإنتاج ووضعها متخلّف، أو ممكن ان نسميها "أمة خارج النص" تعيش تخلف أيديولوجيات جديدة. •بعد عمرٍ من الخبرة الانسانية وعلى مستواك الشخصي... ما هو أجمل ما في الحياة؟ أنا لا أستطيع أن أعيش خارج نطاق الناس أستمتع جدًّا بالحوار مع الآخر وهذا خلق لي صداقات ممتدة ومميزة وهو أجمل ما في الحياة. •هل البريق الاعلامي والشهرة تستهلك إنسانيتك ؟ لا أبدًا الاعلام لم يستهلك إنسانيتي، أجزم أن الأغلبية الساحقة من علاقاتي لا تقوم على أسس مادية، اشكر لك بامتنان ومحبة سعة صدرك في هذا الحوار المرتجل.