أثارت الفتاوى الشاذة، التي يطلقها بعض الفقهاء ورجال الدين، انشغال المواطنين في المغرب، خاصة بعد أن أخذت في الآونة الأخيرة، منحى تصاعديا يتجه نحو الجنس بالخصوص. واستأثرت الفتاوى التي يطلقها الشيخ عبد الباري الزمزمي بانتباه شريحة واسعة من الناس،اعتبارا لطبعها الغرائبي، مثل حق الزوج في مضاجعة زوجته بعد وفاتها. وأخر فتاوى الشيخ الزمزمي،المثير للجدل، والنائب البرلماني السابق، هي ماتداولته الصحافة مؤخرا، وكان موضع أخذ ورأي وسخرية من طرف المعلقين ورسامي الكاريكاتير، هي الفتوى التي تبيح للزوجة استعمال الجزر في تلبية احتياجها الجنسي. في هذا السياق، نشرت اليوم يومية "المساء" رسما كاريكاتيريا بريشة الفنان عبد الغني الدهدوه، لشخصين يسأل أحدهما الأخر: لماذا تضحك، هل أفتى عليك الفقيه فتوى؟ فيجيبه " لقد حكى لي نكتة." وخصصت أغلب الصحف الصادرة يوم السبت الماضي ملفات نهاية الأسبوع لأغرب الفتاوى التي باتت موضع تندر وتفكه وسخرية، بل واستنكار من طرف بعض أصحاب الرأي، وضمنها تلك الفتوى الشهيرة، التي صدرت بمدينة مراكش،عن الفقيه محمد المغراوي التي أجاز فيها الزواج بابنة التسع سنوات. ورغم مضي عدة سنوات على إطلاق تلك الفتوى الغريبة، فمازالت الصحافة المغربية تستحضرها، كلما جرى الحديث عن الفتاوى الشاذة في المغرب. وخصصت اليوم القناة التلفزيونية الثانية، ضمن نشرة أخبار الظهيرة، حيزا واسعا لمناقشة هذه الظاهرة، استمعت فيه لرأي رجل الشارع،المواطن العادي، واستضافت العالم المختص، ممثلا في شخص سعيد بيهي رئيس المجلس العلمي بالحي الحسني بمدينة الدارالبيضاء. وقالت إحدى النسوة، بنبرة يغلب عليها الاستنكار: " لقد اختلط علينا الأمر كثيرا" مشيرة إلى تزايد عدد الفتاوى، وتساءل صوت أخر :"هل تلتزم هذه الفتاوى بالضوابط والشروط المنظمة لها؟". وتمت الإشارة، على لسان أحد رجال الدين، إلى أن المفتي ، إذا لم يذكر سنده، فمعنى ذلك أن هذه الفتاوى غير مؤسسة علميا، مضيفا أن "الجهل بشروط الإفتاء تجعل المرء يتخبط في متاهة لانهاية لها". والسؤال الذي تردد أكثر من مرة، هو: من يضبط أمر الفتوى، ومن يحاسب المفتي؟. وتم التأكيد، على أن الفتوى إذا خرجت عن مقاصدها، فإنها قد تتحول إلى" مصدر للفتنة الجدالية،" لاحاجة للمجتمع المغربي بها، حسب ماجاء على لسان أحد المتدخلين. " لقد اختلط الأمر" ..هذه القولة التي جاءت في سياق الحديث عن الموضوع، أكثر من مرة،تجسد الواقع الذي أصبح يكتنف الفتوى في المغرب. واعترف سعيد بيهي ، رئيس المجلس العلمي بالحي الحسني بمدينة الدارالبيضاء، بأن هناك فعلا فوضى، في هذا المجال، لدرجة "أن الناس لم يعودوا يميزون بين من يصلح للفتوى، ومن لايصلح لها،" على حد قوله. وفي ظل هذه الفوضى،يقول بيهي، لابد من إعادة ضبط هذا المجال،بتحديد الجهة الرسمية التي يمكن للناس استشارتها والاطمئنان إليها في أمور دينهم وحياتهم. و بعد أن ألح بيهي على ضرورة التحسيس بخطورة الفتوى، او التعامل معها باستهتار، دعا إلى مقاربة شمولية لمواجهة الفتاوى الشاذة، التي قد تخلق البلبلة، وتثير نوعا من الاهتزاز في نفوس الناس، الذين يجب، في رأيه، أن يدركوا" أن المفتى بشر، غير معصوم من الخطأ،" ولاينبغي التعامل مع فتواه " على أساس أنها مقدسة"، حسب تعبيره.